31. May. 2013
مدينة كربلاء.. ظل تاريخ طويل
أحد مداخل مرقد الإمام الحسين في كربلاء
عليم مقبول - مراسل بي بي سي
إنه لشرف لي أن أقوم بهذا العمل، هذا ما ظللت أفكر به طوال الطريق من بغداد إلى مدينة كربلاء.
فكربلاء هي إحدى الأماكن التي دأب الاطفال المسلمون على السماع بها منذ نعومة أظفارهم، مثلها كمثل بيت لحم والناصرة بالنسبة للمسيحيين.
والمدينة بالنسبة للكثيرين تتخذ مكانة أسطورية لا تضارع.
ولكن مع الإقتراب من المدينة أدخلنا إلى نقطة تفتيش أمنية رئيسة في كربلاء وطلب منا ايقاف سيارتنا جانبا والانتظار حتى يتم التحقق من أوراقنا.
وكلما اقترابنا أكثر لاحت قبة ضريح الإمام الحسين في الأفق وسط المدينة، وسرعان ما وجدنا أنفسنا نقف عند احد مداخل المقام الكثيرة المزينة.
شاهدت فتاة صغيرة تمسك بيدها بتلابيب امها والأم تعنف الفتاة لعدم تقبيلها المدخل احتراما وتوقيرا.
وقضت الأم لحظة وهي تقبل بوابة المرقد الخشبية الكبيرة قبل أن تهم بالدخول.
موقع المعركة
يعتقد ان المكان الذي بني عليه الضريح هو الموقع الذي شهد موقعة كربلاء
وتبرز لوحة مضيئة بالنيون الاحمر في ساحة الصلاة الواسعة التي تمتاز بذهبها ورخامها وثرياتها الضخمة والبلاط الازرق والأبيض الذي يكسو أرضيتها.
تشير اللوحة إلى الموقع الذي يعتقد أن الأمام الحسين، حفيد النبي محمد، قد قتل فيه.
ويعتقد ان المكان الذي بني فيه مجمع المقام هو الموقع الذي شهد موقعة كربلاء التي قتل فيها الحسين و72 من اتباعه ومن آل بيت النبي، بينهم ابنه الرضيع.
فعندما تشاهد المسلمين الشيعة وهم يجلدون ويدمون أنفسهم في مناسباتهم الدينية السنوية، فأنهم يحيون فيها ذكرى واقعة كربلاء.
ولأن الحسين، حفيد النبي محمد، يحظى بمكانة كبيرة عند المسلمين جميعا، يستقي الشيعة الكثير من معتقداتهم مباشرة من تعاليمه.
وتحيط حشود الزوار بضريح الحسين الذي يقع وسط المرقد، وهم الذين جاءوا يقبلون رخام المقام و يصلون ويبكون. فالمقام الحسيني يمثل للشيعة رمزا من اعظم رموز الاستشهاد.
كما تشير اللوحة المضيئة بالنيون إلى ذلك الموقع الذي يعتقد في أنه شهد مقتل الحسين.
حدثت موقعة كربلاء في القرن السابع، وهي موقعة شهدت مقتل الحسين، ويشار إليها دوما بكونها اللحظة التي أشرت لاحقا الانقسام بين الشيعة والسنة من المسلمين.
ويبدو المصلون في صلاة الجمعة في مرقد الإمام الحسين في الغالب مثل أقرانهم من المصلين في أي مسجد سني.
لكن إختلافات صغيرة نرصدها في إقامة الشعائر بين الطائفتين: فعلى سبيل المثال فبدلا من وضع الأيدي متقاطعة فوق البطن، يحافظ الشيعة على بقاء الأيدي إلى جانبهم.
العنف الطائفي
تشير اللوحة المضيئة بالنيون الى ذلك الموقع الذي يعتقد في انه شهد مقتل الحسين
وخلال الأسابيع الماضية شهد العراق عنفا طائفيا يشبه ما شهده في الماضي.
إذ انفجرت في أحد الصباحات ثماني عبوات ناسفة في ساعة واحدة في احياء يقطنها الشيعة في بغداد. وفي يوم آخر وقع 11 تفجيرا متزامنا مرة أخرى في احياء يقطنها الشيعة.
في حين وقع هجوم أيضا استهدف مسجدا للسنة في بعقوبة وآخر على مقربة من موكب تشييع جنازة.
وخلال حديث جرى مع عراقيين في مواقع التفجير وفي المستشفيات، أدهشني عدم وجود كراهية على نحو ظاهر للعيان تجاه الطائفة الأخرى، بل على العكس بدوا متفقين على أن الساسة العراقيين يستغلون الخلافات الطائفية لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما ينطبق أيضا على ما تفعله القوى الخارجية.
مزار سوري
في العراق، اصبحت الروابط بين الجماعات السنية المسلحة، مثل القاعدة، والقتال عبر الحدود في سوريا محل جدل كبير.
لقد التقيت قبل يومين من الذهاب إلى كربلاء مع رجل شارك في عملية تجنيد مقاتلين شيعة للذهاب إلى سوريا والقتال ليس في صفوف المعارضة، بل إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الاسد.
وقال لي "عندما يعتدي أي شخص على عقيدتك، فعليك أن تدافع عنها".
وعندما سألته أين يذهب المقاتلون الشيعة في سوريا، أخذتنا اجابته مباشرة الى واقعة كربلاء.
وقال إن هدفهم الأساس هو الدفاع عن ضريح السيدة زينب، حفيدة النبي محمد وأخت الإمام الحسين، التي قتل اخوها وطفلاها في معركة كربلاء.
ويعتقد الشيعة إن السيدة زينب أخذت إلى دمشق حيث توفيت بها في وقت لاحق.
ولايتفق السنة مع هذه الرواية، إذ يعتقدون انها دفنت في مكان اخر، وفي الأشهر الأخيرة رصدت تقارير عديدة محاولات للاعتداء على هذا الضريح الشيعي.
وقال لي أحد المقاتلين انهم سيبذلون الغالي والنفيس للحفاظ على سلامة ضريح السيدة زينب.
واثناء مغادرتي المرقد في كربلاء مع تربة صغيرة أخذت من أرضها، كان من الصعب على أن لا أتأمل في الطريقة التي شكلت فيها واقعة حدثت قبل 1400 عام ملامح العالم اليوم.