بِسْمِاللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَيْلٌ لِّكُلِّهُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ * الَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُأَخْلَدَهُ * كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِى الْحُطَمَةِ * وَمَآ أَدْرَاكَ مَاالْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى الاَْفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِى عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ}.
البسملة تقدم الكلام عليها.
{ويل لكل همزة} في هذه السورةيبتدىء الله سبحانه وتعالى بكلمة {ويل} وهي كلمة وعيد، أيأنها تدل على ثبوت وعيد لمن اتصف بهذه الصفات. {همزةلمزة} إلى آخره، وقيل: إن {ويل} اسم لوادٍ في جهنمولكن الأول أصح. {لكل همزة لمزة} كل من صيغ العموم،والهمزة واللمزة وصفان لموصوف واحد، فهل هما بمعنى واحد؟ أو يختلفان في المعنى؟
قالبعض العلماء: إنهما لفظان لمعنى واحد، يعني أن الهمزة هو اللمزة. وقال بعضهم: بللكل واحد منهما معنى غير المعنى الآخر.
وثم قاعدة أحب أن أنبه عليها فيالتفسير وغير التفسير وهي: أنه إذا دار الأمر بين أن تكون الكلمة مع الأخرى بمعنىواحد، أو لكل كلمة معنى، فإننا نجعل لكل واحدة معنى، لأننا إذا جعلنا الكلمتينبمعنى واحد صار في هذا تكرار لا داعي له، لكن إذا جعلنا كل واحدة لها معنى صار هذاتأسيسًا وتفريقًا بين الكلمتين، والصحيح في هذه الآية {لكل همزةلمزة} أن بينهما فرقًا: فالهمز: بالفعل. واللمز: باللسان، كما قال اللهتعالى: {ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لميعطوا منها إذا هم يسخطون} [التوبة: 58]. فالهمز بالفعل يعني أنه يسخر منالناس بفعله إما أن يلوي وجهه، أو يعبس بوجهه. أو بالإشارة يشير إلى شخص، انظرواإليه ليعيبه أو ما أشبه ذلك، فالهمز يكون بالفعل، واللمز باللسان، وبعض الناس والعياذ بالله مشغوف بعيب البشر إما بفعله وهو الهمَّاز، وإما بقوله وهواللمَّاز، وهذا كقوله تعالى: {ولا تطع كل حلاَّف مهين. هَّمازمشاء بنميم} [القلم: 10، 11]. {الذي جمع مالاًوعدده} هذه أيضاً من أوصافه القبيحة جماع مناع، يجمع المال، ويمنع العطاء،فهو بخيل لا يعطي يجمع المال ويعدده. {وعدده} وقيل: معنىالتعديد يعني الإحصاء يعني لشغفه بالمال كل مرة يذهب إلى الصندوق ويعد، يعد الدراهمفي الصندوق في الصباح، وفي آخر النهار يعدها، وهو يعرف أنه لم يأخذ منه شيئاً ولميضف إليه شيئاً لكن لشدة شغفه بالمال يتردد عليه ويعدده، ولهذا جاءت بصيغة المبالغة {عدده} يعني أكثر تعداده لشدة شغفه ومحبته له يخشى أنيكون نقص، أو يريد أن يطمئن زيادة على ما سبق فهو دائماً يعدد المال.
وقيلمعنى {عدده} أي جعله عُدة له يعني ادخره لنوائب الدهر،وهذا وإن كان اللفظ يحتمله لكنه بعيد، لأن إعداد المال لنوائب الدهر مع القيامبالواجب بأداء ما يجب فيه من زكاة وحقوق ليس مذموماً، وإنما المذموم أن يكون أكبرهم الإنسان هو المال، يتردد إليه ويعدده، وينظر هل زاد، هل نقص، فالقول بأن المرادعدده أي: جمعه للمستقبل قول ضعيف. {يحسب أن ماله أخلده} يعني يظن هذا الرجل أن ماله سيخلده ويبقيه، إما بجسمه وإما بذكره، لأن عمر الإنسانليس ما بقي في الدنيا، بل عمر الإنسان حقيقة ما يخلده بعد موته، ويكون ذكراه فيقلوب الناس وعلى ألسنتهم، فيقول في هذه الآية: {يحسب أن مالهأخلده} أي: أخلد ذكره أو أطال عمره، والأمر ليس كذلك. فإن أهل الأموال إذالم يُعرفوا بالبذل والكرم فإنهم يخلدون لكن بالذكر السيىء. فيقال: أبخل من فلان،وأبخل من فلان ويذكر في المجالس ويعاب، ولهذا قال: {كلا لينبذنفي الحطمة} {كلا} هنا يسميها العلماء حرف ردع أي: تردع هذا القائل أو هذا الحاسب عن قوله أو عن حسبانه. ويحتمل أن تكون بمعنى حقًّا «يعني حقاً لينبذن» وكلاهما صحيح، هذا الرجل لن يخلدهماله، ولن يخلد ذكراه، بل سينسى ويطوى ذكره، وربما يذكر بالسوء لعدم قيامه بما أوجبالله عليه من البذل. {لينبذن في الحطمة} اللام هذه واقعةفي جواب القسم المقدر، والتقدير «والله لينبذن في الحطمة» أي: يطرح طرحاً. وإذا قلنا: أن اللام لجواب القسم صارت هذه الجملة مؤكدة باللام،ونون التوكيد، والقسم المحذوف. ومثل هذا كثير في القرآن الكريم، أي تأكيد الشيءباليمين، واللام، والنون. والله تعالى يقسم بالشيء تأكيداً له وتعظيماً لشأنه. وقوله: {لينبذن} ما الذي يُنبذ هل هو صاحب المال أوالمال؟ كلاهما ينبذ، أما صاحب المال فإن الله يقول في آية أخرى: {يوم يدَّعون إلى نار جهنم دعًّا} [الطور: 13]. أي: يدفعون، وهنايقول: «ينبذ» أي يطرح في الحطمة، والحطمة هي التي تحطم الشيء، أي: تفتته وتكسره فماهي؟ قال الله تعالى: {وما أدراك ما الحطمة} وهذه الصيغةللتعظيم والتفخيم {نار الله الموقدة} هذا الجواب أي: هينار الله الموقدة. وأضافها الله سبحانه وتعالى إلى نفسه؛ لأنه يعذب بها من يستحقالعذاب فهي عقوبة عدل وليست عقوبة ظلم. أي: نار يحرق الله بها من يستحق أن يُعذببها، إذاً هي نار عدل وليست نار ظلم. لأن الإحراق بالنار قد يكون ظلماً وقد يكونعدلاً، فتعذيب الكافرين في النار لا شك أنه عدل، وأنه يُثنى به على الرب عز وجل حيثعامل هؤلاء بما يستحقون. وتأمل قوله: {الحطمة} مع فعل هذاالفاعل {همزة لمزة} حطمة، وهمزة لمزة، على وزن واحد ليكونالجزاء مطابقاً للعمل حتى في اللفظ {نار الله الموقدة} أي: المسجّرة المسعرة. {التي تطلع على الأفئدة} الأفئدةجمع فؤاد وهو القلب. والمعنى: أنها تصل إلى القلوب والعياذ بالله من شدةحرارتها، مع أن القلوب مكنونة في الصدور وبينها وبين الجلد الظاهر ما بينها منالطبقات لكن مع ذلك تصل هذه النار إلى الأفئدة. {إنهاعليهم} أي: الحطمة وهي نار الله الموقدة أي على الهمَّاز واللمَّاز الجمَّاعللمال المناع للخير، وأعاد الضمير بلفظ الجمع مع أن المرجع مفرد باعتبار المعنى،لأن {لكل همزة} عام يشمل جميع الهمَّازين وجميعاللمَّازين {مؤصدة} أي: مغلقة، مغلقة الأبواب لا يُرجىلهم فرج والعياذ بالله {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوافيها} [السجدة :20]يعني: يرفعون إلى أبوابها حتى يطمعوا في الخروج ثم بعد ذلك يركسون فيها ويعادونفيها، كل هذا لشدة التعذيب؛ لأن الإنسان إذا طمع في الفرج وأنه سوف ينجو ويخلصيفرح، فإذا أعيد صارت انتكاسة جديدة، فهكذا يعذبون بضمائرهم وأبدانهم، وعذاب أهلالنار مذكور مفصل في القرآن الكريم والسنة النبوية. تأمل الان لو أن إنسانًا كان فيحجرة أو في سيارة اتقدت النيران فيها وليس له مهرب، الأبواب مغلقة ماذا يكون؟ فيحسرة عظيمة لا يمكن أن يماثلها حسرة. فهم والعياذ بالله هكذا في النار، النارعليهم مؤصدة {في عمد ممددة} أي: أن هذه النار مؤصدة،وعليها أعمدة ممدة أي ممدودة على جميع النواحي والزوايا حتى لا يتمكن أحد من فتحهاأو الخروج منها. حكى الله سبحانه وتعالى ذلك علينا وبينه لنا في هذه السورة لالمجرد أن نتلوه بألسنتنا، أو نعرف معناه بأفهامنا، لكن المراد أن نحذر من هذهالأوصاف الذميمة: عيب الناس بالقول، وعيب الناس بالفعل، والحرص على المال حتى كأنالإنسان إنما خلق للمال ليخلد له، أو يخلد المال له، ونعلم أن من كانت هذه حاله فإنجزاءه هذه النار التي هي كما وصفها الله، الحطمة، تطلع على الأفئدة، مؤصدة، في عمدممدة. نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعملوالاستقامة على دينه.

منقوووووول للفائدة