استفتاءات جديدة لسماحة السيد السيستاني دام ظله تتعلق بعمليات قطع الأعضاء البشرية وزرعها والاتجار بها بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد: فإنه مع اتساع عمليات زرع الكلى والكبد والرئة والقرنية وغيرها برزت ظاهرة الاتجار بالاعضاء البشرية، وهناك أسئلة تطرح عن موقف الشريعة الاسلامية في ما يتعلق بأصل عمليات قطع الاعضاء وزرعها وفي ما يتعلق بالاتجار بها، فيرجى التفضل بالاجابة على ما ذكر منها أدناه.
س 1: يحق للانسان أن يتصرف في ما يملكه، فهل يعتبر مالكاً لأعضاء بدنه لكي يحقّ له التصرف فيها في حياته، بأن يسمح بقطع شيء منها ويمنحه للغير بعوض أو بدونه؟
ج 1: بسم الله الرحمن الرحيم
ان الانسان وان لم يملك بدنه بالمعنى المعروف للملكية _أي الملكية الاعتبارية التي تكون له بالنسبة إلى الاشياء الاخرى_ الا أنه مع ذلك يجوز له في حال حياته أن يمنح بعض أعضائه للغير بشرط ان لا يصيبه قطعه بضرر بالغ، مثلاً من يعاني من مشاكل في كليتيه ويخشى ان تتوقف إحداهما عن العمل ولا تستمر حياته إلا بالاخرى لا يجوز له ان يتبرع باحداها للغير، وأما من تكون له كليتان سليمتان تماماً ويمكنه الاكتفاء باحداهما فانه يجوز له ان يمنح الاخرى للغير، بلا فرق في ذلك بين كون الغير مسلماً أو غير مسلم، مع توقف انقاذ حياته على ذلك أو عدمه، مع استحصال عوض مادي او من دونه، نعم الاحوط الاولى ان لا يكون ذلك على سبيل البيع بل يكون دفع المال على وجه الهدية أو نحوها. هذا ولا فرق في الضرر البالغ بين ان يكون معلوماً وبين ان يكون محتملاً بحيث يصدق كون الشخص خائفاً من حدوثه، نعم إذا شك في كون الضرر بالغاً أو دون ذلك لم يلزم الاعتناء به.
س 2: هل للولي من الأب والجد والوصي أن يسمح بقطع جزء من بدن القاصر _من الصغير أو الفاقد للعقل والادراك_ لالحاقه ببدن غبره في هاتين الحالتين:
أ- أن يكون ذلك لغرض مادي كما إذا كان الأب فقيراً جداً فيقدم على بيع إحدى كليتي ولده القاصر ليوفر نفقة نفسه وعائلته بعوضها.
ب- أن يكون ذلك بداعي انقاذ حياة الغير، كما اذا كان أخو القاصر بحاجة إلى كلية لتوقف كليتيه عن العمل وعدم تيسر الحصول على كلية بطريقة أخرى.
ج 2: لا صلاحية للولي في الاذن بما ذكر في حال من الأحوال ولو أقدم عليه كان جناية منه على القاصر يحاسب عليها، نعم إذا توقف علاج أحد الاخوين _مثلاً_ على أخذ بعض الخلايا الجذعية من الأخ الآخر وكان قاصراً جاز للأب أن يأذن في ذلك حيث لا تكون فيه مفسدة عليه، ولو كان فيه أذى كوخز الابرة كفى في جوازه احتساب عوض مادي له بازائه.
س 3: لو أن شخصاً أجرى عملية جراحية وتبين له لاحقاً أنه قد سرقت منه إحدى كليتيه في أثناء العملية، فما هو حكم الطبيب المباشر لعملية القطع (السرقة) وهل يحق لصاحب الكلية أن يطالب بإرجاعها إليه سواء زرعت في بدن الغير أو لا؟
ج 3: إذا أمكن إعادة زرع العضو المسروق مرة أخرى في بدن صاحبه فله المطالبة به حتى لو كان ذلك بعد زرعه في بدن الغير اذا لم يؤد نزعه منه إلى مماته، واما مع عدم إمكان زرعه في بدن صاحبه الاصلي فإن لم تزرع بعد في بدن غيره فله المطالبة به أيضاً، وأما بعد إتمام عملية الزرع ففي استحقاقه للمطالبة إشكال. هذا واما الطبيب المباشر لعملية القطع فهو بالإضافة إلى كونه آثماً يتحمل دية القطع وهي غير مقدرة شرعاً في مورد الكلية ونحوها بل يحكم بها اثنان من أهل الخبرة ويختلف مقدارها حسب اختلاف الحالات، فيمكن ان تبلغ دية الكلية نصف دية الانسان إذا لم تتم إعادة زرعها في بدن صاحبها، وتكون دون ذلك إذا تم الزرع بنجاح ولكن مع مضاعفات مستمرة وتكون أقل من ذلك إذا تم الزرع وعاد إلى وضعه الطبيعي. ولو زادت تكاليف الزرع وتوابعه على الدية وجب على الجاني دفع الزيادة على الأحوط وجوباً.
س 4: ما حكم بيع الأجزاء المتجددة من بدن الانسان كالدم والشعر والجلد؟
ج 4: هذا جائز في حد ذاته وإن كان الأحوط الاولى الاجتناب عن البيع في الدم والجلد وكون دفع المال على وجه الهبة ونحوها.
س 5: العضو المقطوع من بدن الانسان مسلماً كان أو غير مسلم نجس شرعاً فهل هناك إشكال من هذه الجهة في زرعه في بدن المسلم؟ وهل يختلف الحكم بين كون العضو المزمع زرعه من الاعضاء الداخلية كالكلية والكبد وكونه من الأعضاء الظاهرية كالجلد؟
ج 5: لا إشكال من هذه الجهة حتى في الأعضاء الظاهرية، فإنه بعد نجاح عملية الزرع وحلول الحياة في العضو المزروع يصبح جزءاً من بدن الثاني وتترتب عليه أحكامه.
س 6: ما حكم زرع بعض اجزاء بدن الحيوان في جسم المسلم وهل هناك فرق بين الحيوان طاهر العين وغيره كالخنزير وهل هناك فرق بين الأجزاء الداخلية والظاهرية؟
ج 6: هذا جائز أيضاً ولا يفرق فيه بين الموارد المذكورة، نعم الاحوط استحباباً التجنب عن اعضاء الحيوانات نجسة العين شرعاً كالكلب والخنزير.
س 7: اذا استطاع الطب الحديث على زرع رأس (أ) في بدن (ب) بعد قطع رأسه فهل هذا (المركب) هو الشخص (أ) أو (ب) أو شخصاً آخر غيرهما؟
ج 7: يعدّ هو الشخص (أ) وتلحقه جميع أحكامه.
س 8: وماذا لو تم زرع وجه (أ) في رأس (ب) بحيث أصبح في صورته وشكله تماماً؟
ج 8: يبقى هو الشخص (ب)، تماماً مثل ما لو تمّ زرع عضو آخر من (أ) _غير الرأس_ في بدنه.
س 9: عطفاً على ما سبق من أنه هل يحق للانسان أن يتصرف في أعضاء بدنه أسأل: ما هو الحكم في ما يتداول في عصرنا الحاضر من وصية الشخص بأن تهدى أو تباع أعضاء بدنه بعد الوفاة لمن يحتاجون إليها وذلك في الحالتين التاليتين:
أ- أن لا يكون الموصي مسلماً.
ب- أن يكون الموصي مسلماً.
ج 9: في الحالة الأولى يجوز تنفيذ وصيته مطلقاً. وأما في الحالة الثانية فيفصّل بين صورتين: أولاهما: ما إذا أوصى بقطع العضو من بدنه لالحاقه ببدن مسلم آخر إنقاذاً لحياته أو ما هو بحكم ذلك، وتصح الوصية في هذه الصورة بالتبرع واما بالبيع فلا تخلو من إشكال. نعم لا بأس بأخذ ما يدفعه المتبرع له على وجه الهدية ونحوها. ثانيتهما: ما إذا أوصى بقطع العضو من بدنه لا لحاجة مسلم آخر أو من دون أن يتوقف عليها إنقاذ حياته كما في قرنية العين، وصحة الوصية وجواز العمل بها في هذه الصورة محل إشكال. نعم لا تجب الدية على المباشر للقطع وكذلك في الصورة الأولى إلا إذا كانت الوصية مبنية على دفعها، فتؤخذ حينئذ منه أو ممن اتفق معه على دفعها من قبله، ولكن لا تكون للورثة بل تصرف على الميت نفسه في أداء ما عليه من الديون ونحوها وان لم يكن بذمته شيء صُرفت في الخيرات بثوابه.
س 10: إذا مات المسلم من دون أن يوصي ببعض أعضاء بدنه للحي فهل يجوز لوليه من الأب أو الولد الأكبر أو غيرهما أن يأذن بقطعها ومنحها للغير وهل له أن يطالب بعوض. وماذا إذا كان الميت غير مسلم هل يجوز التسبب إلى قيام وليه بذلك؟
ج 10: أما إذا كان الميت مسلماً فليس لوليّه الإذن فيما ذكر، نعم إذا توقّف إنقاذ حياة مسلم على قطع عضو من الميت المسلم لإلحاقه ببدنه جاز ولكن تثبت الدية على المباشر للقطع ولا تكون للورثة بل تصرف على الميت على نهج ما سبق، وليس للولي أن يأخذ شيئاً من المال عوضاً عن العضو الممنوح للغير، نعم لا بأس بتقبّل الهدية منه. ثم انه لو تمّ القطع من دون أن يتوقّف عليه إنقاذ حياة مسلم وجب دفن العضو المقطوع ولم يجز إلحاقه ببدن الحي ولكن لو تمّ الإلحاق وحلّت فيه الحياة لم يجب قطعه بعد ذلك، وعلى كل حال تثبت الدية على المباشر للقطع وتصرف على الميت كما سبق. وإذا كان الميت غير مسلم فإن جاز القطع في شريعته أو أذن فيه وليّه فلا بأس به مطلقاً.
س 11: هل يجوز نقل عضو من جثة مجهول الهوية في بلاد المسلمين لإلحاقه ببدن مسلم إنقاذاً لحياته؟
ج 11: إذا انحصر إنقاذ المسلم بذلك جاز ولكن تثبت الدية على المباشر للقطع وتصرف عل الميت وفق ما مرّ.
س 12: هل يجوز أن تؤخذ ممن ينفّذ بهم حكم الإعدام البعض من أعضائهم الحياتية لتزرع في أبدان من يحتاجون إليها؟
ج 12: حالهم حال غيرهم من الأموات فيما مرّ من التفصيل في ذلك.
س 13: يقول أكثر الأطباء أن موت الدماغ بما فيه جذعه هو الموت الحقيقي وإن استمرّ القلب والجهاز التنفسي في العمل بمساعدة الأجهزة والأدوية بعض الوقت، فما هو رأي الشرع في ذلك؟
أي هل تجوز المبادرة إلى قطع ما يجوز قطعه من بدن الميت لإلحاقه ببدن الحي بمجرد التأكّد من موت الدماغ بعد إجراء الأبحاث الاكلينيكية والمختبرية والسريرية من قبل الأطباء المختصين أم لابدّ من الانتظار حتى يتوقّف القلب والرئتان ، وقد يطول ذلك حتى يؤدي إلى تحلل الأعضاء فلا تنفع عندئذ.
ج 13: إن (الموت) قد أخذ موضوعاً للعديد من الأحكام الشرعية والعبرة فيها جميعاً بالصدق العرفي وهو منوط بتوقّف القلب والرئتين عن العمل توقّفاً نهائياً لا رجعة فيه، وأما الميت دماغياً مع استمرار رئتيه وقلبه في وظائفهما _وإن كان ذلك بمساعدة أجهزة الإنعاش الصناعية_ فلا يعدّ ميتاً عند العرف بل يعدّ كالمغمى عليه، ولذلك لا يجوز شرعاً إزالة تلك الأجهزة عنه ولا قطع عضو منه لإلحاقه ببدن الحي كما لا يجوز دفنه وهو على هذا الحال ولا تنتقل تركته إلى الورثة بمجرد ذلك. نعم إذا فرض مع موت الدماغ أن الأجهزة الصناعية هي التي تقوم بضخّ الدم عبر القلب إلى الشرايين وضخّ الأكسجين عبر الرئتين إلى الشعيرات الدموية فيهما لا أن القلب والرئتين يقومان بوظائفهما بمساعدة الأجهزة الصناعية يمكن القول بصدق كون الشخص ميتاً عرفاً ولكن لعلّ هذا مجرد فرض لا واقع له خارجاً.
س 14: هل يجوز الإتّجار بالأعضاء البشرية التي تستخدم في عمليات الزرع في أبدان الآخرين؟
ج 14: هنا حالتان: الأولى: أن يكون قطع العضو من بدن الحي أو الميت جائزاً شرعاً وفق ما مرّ بيانه. وفي هذه الحالة يجوز أخذ المال بإزاء منحه للغير على ما سبق ذكره وأما توسط الدلالين وأضرابهم في ذلك فإن كان هناك قانون يمنع منه رعاية للمصلحة العامة فلابدّ من الإلتزام بمقتضاه.
الثانية: أن يكون قطع العضو من بدن الحيّ أو الميت غير جائز شرعاً كما في سرقة الكلى من أبدان الأحياء في أثناء العمليات الجراحية وسرقة أعضاء الأموات في أثناء التشريح ونحو ذلك. وفي هذه الحالة يحرم الإتجار بالعضو المقطوع مطلقاً والله العالم.
مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف – أجوبة المسائل الشرعية
6 / 6 / 1434هـ