بسم الله الرحمن الرحيم يأخذ البعض على ضحايا النظام السابق في العراق أنهم «يصرّون على العيش في الماضي، وإنهم لا يعرفون المسامحة، وبالتالي فهم يظلون أسرى تلك الظلامة التي جعلتهم سلبيين مع الآخر». ويتمادى هذا البعض في لومه وتقريعه الى حدّ إدانة من يتحدث عن جرائم ذلك النظام، وكأنّ استذكار الجريمة بات جريمة.

حسب هذا المنطق فإنني عندما أنظر الى أمي المُقعَدة، لا يحق لي أن أستحضر معاناتها في الاعتقال ورعبها على شقيقتي الشابة المعتقلة معها وشدة ألمها وهي ترى شقيقي يتعرض للتعذيب أمامها. عليّ ان لا ألعن ذلك النظام أو اتحدث عن جرائمه وأنا أرى أخي وأختي المتفوّقيَن في المدرسة، وقد ضاع مستقبلهما بسبب المطاردة والاعتقال. لا يجوز لي أن أشتاظ غضباً، وألعن القاتل وأنا أرى أكوام العظام تستخرج من المقابر الجماعية التي يحفل بها التراب العراقي، وبينها أمهات يبحثن عما يبشرهن بعظام أبنائهن، بعدما بات حلمهن الوحيد أن يكون لفلذّات أكبادهن قبر وحسب. لا يحق لأعصابي أن تهتزّ وأنا اتابع مشاهد فيديو لجولات تعذيب للمعتقلين أو قطع رقاب وألسُنٍ. أنا إن فعلت شيئاً من هذا سأكون سلبياً لا أريد الخروج من عقدة الماضي، لكن أسال نفسي: هل يريد الماضي مغادرتي؟.
الماضي هو الذي لا يغادرني، لأنّ الجلاّد مازال موجوداً، بكثير من شخوصه والكثير من المؤيدين لارتكاباته.
موجودون من دون أن يفكروا بالاعتراف والاعتذار عما جرى. بل إنهم يواصلون قتلنا تحت عناوين وحجج جديدة. ما زالوا يتهموننا بالتهم ذاتها التي اعتادوا توجيهها لنا، ويصفوننا بالصفات ذاتها التي اعتادوا أستخدامها ضدنا. ما زالوا يصرّون على قتلنا كلما سنحت الفرصة، فكيف لي أن أسامح، وكيف لي أن أنسى .
حاولنا خلال عشر سنوات أن ننسى، ان نغادر الماضي، لكن الماضي وجلاديه لا يريدون مغادرتنا، فكيف ننسى؟
استكثروا علينا الشكوى ورواية ما كان يجري لنا، بل حتى البكاء على قتلانا (كان ممنوعاً على اهل الضحية البكاء عليها سابقاً)، وتمادوا حتى بات التذكير بتلك الجرائم «تهمة» فتحاشى الكثيرون التعرض لها خوفا من هذه التهمة .
يجب أن نتذكر دائماً الماضي وأن نعلم أن مؤيديه موجودون، يمارسون الارتكابات نفسها.. علينا ألا ننسى.