أسماء العقل :
للعقل أسماء عديدة , فمن أسمائه : اللُبّ , و الحِجَا , و الحِجْر , و
النُّهَى .
و لا يخفى أن لهذه الأسماء ارتباطاً بالمعاني التي تقدم ذكرها :
فقد سمّي ( عقلاً) لأنه يَعْقِلُ صاحبه عن ركوب الشهوات , و إتيان المكاره و المضار .
و سمّي (لبـًّا) لأنه صَفوة الروح ولبُـابه و خالصه , و لبُّ كل شيء خالصه و محضه .
و سمّي (الحِجَـا) لإصابة الحجّة به , والاستظهار على جميع المعاني بصحته
, ومنه يقال : حَاجَّيتُهُ فَحَجَجْتُهُ : إذا نَاظَرتُه فَأَبْكَمتُه .
وسمّي (حِجْرًا) لأنه يَحْجُرُ عن رُكُوب المناهي , و منه يقال : حَجَرَ
الحاكم على فلان , و حَجَرَالوالد على ولده : إذا منعه . والإنسان إذا كان
ضابطًا لنفسه , رابطًـا ِلجَأْشِه , فهو ذو حِجْر , و كذلك يقال للحِصْن
حِجْر , لأنه يتُحَصَن به .
وسمّي (النُّهَى) لأنه ينتهي إليه الذكاء و المعرفة و النظر , و هو نهاية ما يمنح
العبد من الخير المؤدي إلى صلاح الدنيا و الآخرة (*).
(*)
انظر هذه المعاني في كتاب : الذخائر و الأعلاق في آداب النفوس و مكارم
الأخلاق , لأبي الحسن سلام بن عبد الله الباهلي الإشبيلي , ص5 .
قال الراغب الأصفهاني : " اللُبّ : العقل الخالص من الشوائب , وسمي بذلك لكونه
خالص ما في الإنسان من معانيه , كاللُّباب و اللُّب من الشيء . وقيل :
هو ما زكى من العقل , فكل لُبٍّ عقل , وليس كل عقل لبـًّا . و لهذا علّق
الله تعالى الأحكام التي لا تدركها إلا العقول الذكيّة بأولي الألباب "(1)
.
" (اللبُّ) الذي يخاطبه القرآن وظيفته عقلية , تحيط بالعقل الوازع و العقل المدرك و العقل الذي يتلقى الحكمة ويتعظ بالذكر و الذكرى , و خطابه لِـأُنَاسٍ من العقلاء , لهم نصيب من الفهم و الوعي أَوْفَر من نصيب العقل الذي يكــفّ صاحبه عن السوء , ولايرتقي إلى منزلة الرسوخ في العلم , و التمييز بين الطيّب و الخبيث , والتمييز بين الحسن و الأحسن في العقول"(2) .
ونجد كلمة ( النّهى ) وردت بمعنى العقل في موضعين من سورة ( طه ) :
قوله تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى }(3)(4) .
"
و النُّهية هي العقل الناهي عن القبائح , جمعها نُهى , و تنهية الوادي :
حيث ينتهي إليه السيل "(5) , لذا خاطب الله الإنسان بالانتهاء عن المعاصيفي مواضع عدة من القرآن(6) , لأن العقل هو الذي يكبح جماح النفس عن التردي في المهالك .
وفي موضع من القرآن سُمّي العقل ( حِجْرًا ) , و ذلك قوله تعالى : { هَل فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِيحِجْرٍ }(7) , قال الراغب الأصفهاني :
"
فقيل للعقل حِجْر لكون الإنسان في منع منه , مما تدعوا إليه نفسه "(8) , و
قال ابن كثير : { هَل فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْر } أي لذي عقل و لب و حجا , و إنما سمي العقل حجرًا لأنه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال و الأقوال "(9) .