TODAY - 24 January, 2011
النكتة ظاهرة ثقافية
وصلني على بريدي الألكتروني اليوم من احد اصدقائي مقالاً للدكتور السيد نجم عن النكتة وأعجبني المقال جداً, آقتبستُ منه شيئاً وأضفتُ اليه بعض الأمور التي تتعلق بالموضوع كحوار.
أحببتُ ان اطرح الموضع للمناقشة لان البعض وأؤكد البعض قد يمتعض من النكتة ويشعر من وجهة نظرهِ انها تمس قوميته او دينه او مذهبهِ, وبما اني ممن يحب النكات جدا والضحك ايضاً, لذلك آثرتُ ان يُطرح الموضوع للنقاش.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
تعد 'النكتة' أكثر وسائل الضحك شيوعا في العالم، ربما الشيء الوحيد الذي لم يختلف حوله البشر حتى الآن، هو الرغبة في الضحك والمرح في كل شرائح المجتمع مهما تفاوتت مستوياته ابتدءا من الاسرة النواة الاولى في المجتمع الى اعلى
ومن هنا كان البحث في موضوع الضحك، ومكانة النكتة ودورها في بعث المرح بين الأفراد، بحثا ثقافيا في جوهر الحياة اليومية للناس وطبائعهم
تقول الابحاث الطبية ان الضحك يطيل العمر ويخفف الضغوط النفسية ويعتبر وسيلة للتفائل وقد عبر عن ذلك د. وليام فراي بإحدى الجامعات الأميركية قائلا: "الضحك تجربة إنسانية كلية تتفاعل مع كل أعضاء الجسم الرئيسية بما في ذلك القلب والمخ والجهازين الهضمي والعصبي، كما أن عملية الضحك نفسها تجعل المخ يفرز مادة (الاندروفين) التي تخفف الآلام، وأيضا الضحك يمرن القلب والحجاب الحاجز، ويزيد من معدل تدفق الأوكسجين إلى عضلات الوجه."
لا تستغرب أن ينال "الضحك" اهتمام كبار مفكري العالم وفلاسفته، وعلى طول التاريخ الفكري للإنسان. وحديثا لم يغفله "كانت" و"شوبنهاور" و"برجسون". وتوقف معه وأمامه طويلا عالم النفس "سيجموند فرويد" صاحب دراسة شهيرة بعنوان "النكتة واللاشعور" الذي يعتبر "النكتة" آلية نفسية لدفاع الفرد عن نفسه، في مواجهة الشدائد الموجهة إليه من العالم الخارجي، وقد درسها وانتهى إلى أهم خصائصها، ألا وهي أن النكتة تعتمد على "التكثيف" وفكرة "البديل" الذي يعاني ما نعانيه بطريقة ما فنضحك عليه في النكتة، بينما نحن نضحك على أنفسنا.
مجموعة العادات والتقاليد، والنقائص في الأفراد، ونقائص تلك الجماعة، وكل ما يمكن أن يعد عيبا وغير المقبول فيما بينهم، ثم حاجة تلك الجماعة للضحك بأحواله ودرجاته وصوره. فقد نبتسم في العالم العربي (مثلا) فور أن نقول "كان في واحد صعيدي.." في مصر، أو "جاء رجل من حمص.." في الشام وسوريا، او " واحد سني واحد شيعي" في المذاهب او " دليمي" او "جنوبي" من العراق او "كردي" او "سوداني" او "عراقي و امريكي" وحتى في اوربا فالدنمارك مثلا يوجد من يستخدم النكتة كثيرا من اهل "يولاند" واهل "شيلاند" لذلك النكتة باختصار يمكن ان تتناول سلبيات الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية في آن واحد
تنوعت النكتة وأشكالها في حياة العرب قديما وحديثا. فاشتهر المصريون بابتكار وتداول النكتة. وراجت بعض
الشخصيات وتوصف بالشخصية الفكهة القادرة على صنع النكتة مثل شخصيات "جحا"، و"أشعب"، "أبو نواس
ولا يفوتنا فن "الرسوم الضاحكة" أو "الكاريكاتير" الآن.
يوجد تقارب في المزاج العام بين الشعوب العربية في النكتة من حيث المضمون هي محاولة كل جماعة بإعادة صياغة النكتة بما يتناسب مع الممكن والمتاح من قدر السماحة والقبول في هذه البلد أو تلك.
وقد ورد عن علي علية السلام قوله "أعط الكلام من المزح بمقدار ما تعطي الطعام من الملح".
اي يجوز للإنسان أن يمزح إن لم يكن كثيراً بشرط أن يكون مزحه صدقاً فإن فيه إجماماً للقلوب وتفريجاً للكروب
إن انتشار النكتة في المجتمع العربي الآن، وكما منذ قرون عديدة، يكشف لنا ضرورتها الفطرية عند الناس على التواصل مع كافة عموم الناس، سواء كان كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة، مثقفا أو غير ذلك. هل لأنها تتضمن جملة معتقدات وأفكار ومضامين الجماعة، وهو ما أكده هنري برجسون حيث قال: "لا مضحك إلا ما هو إنسانى"؟! أم لأن النكتة قادرة على البوح بما لا يمكن البوح به مباشرة، وخروج المكبوت والمسكوت عنه؟! أم ترى لأن النكتة رسالة غير مباشرة في مجال النقد الاجتماعي، بعضنا لبعض، فتصبح رسالة مرحة عن موضوع غير ذلك تماما.
هناك النكتة التي يتبادلها البعض كوسيلة لإزاحة الهم الشخصي والشعور بالحزن والاكتئاب. وهناك النكتة التي تبتكرها الجماعات في مواجهة واقع حياتي قاهر ومضطرب، كما في زمن الأزمات والحروب. أطرف ما يتأكد منه المتابع لجملة النكت الشائعة في بلده، أنها تعبر عن الحيادية والمساواة بين الناس. فهي الوسيلة الوحيدة التي تطال الشخصيات السياسية ذات السطوة، والشخصيات العامة الوقورة، كما تطال الشخصيات الفقيرة الضعيفة، والشخصيات الغنية القوية، حتى أنها لا تترك الشرفاء الطيبين في مقابل الأشرار الشرسين.
لكل تلك الأسباب شاعت ما عرفت بـ "النكتة السياسية" منذ عقود طويلة وحتى الآن في العالم العربي. فقد عرف عن "جمال عبدالناصر" بمصر، أنه كان يطلع على ملف "النكات" في نهاية كل يوم عمل، وقيل أنه كان يضحك عليها طويلا، حتى تلك التي تتعرض له شخصيا.
وحتى الرئيس العراقي مام جلال هو ينكت حتى على نفسه !
قيل أيضا أن بعض الزعماء العرب اهتموا نفس الاهتمام بالتعرف على الجديد من النكات التي تتداولها الناس في الشارع والمحال التجارية والمصالح الحكومية وغيرها. لعل الفطن من حكماء السياسة يتعرف على الكثير مما يعانيه الناس مما يرددونه خفية في نكاتهم.
شاعت نكته تتسم بالذكاء وخفة الدم، أطلقها المصريون كلما ورد اسم رئيس الوزراء على ألسنتهم في مجرى الحديث العادي واليومي بينهم. وكانوا يرددونها ببساطة إلى درجة الاعتياد، سواء على ألسنة المثقفين أو العامة. وأحيانا كتبت في بعض الصحف، وهو اسم "نتنياهو" يكتب وينطق هكذا: "نتن يا هوووووه"، و"نتن" بمعنى غير نظيف، و"يا" نداء الاستغاثة، و"هووووه" تقال للكثرة! وكأن الجميع يعبر عن استغاثته!
ولم تمر هذه "النكتة" مرور الكرام، فقد ثارت أزمة سياسية، وتقدموا بمذكرة احتجاج رسمية ترفض هذا التناول المسيء إلى رئيس وزرائهم. ويذكر في حينه أثارت الصحف والبرامج التليفزيونية الحوار والمناقشة حول قانونية النكتة والإجراء القانوني في المقابل في حالة مثل حالة "نتنياهو".
وأصبح السؤال: متى تجرم النكتة وصانعها ومرددها؟ ومتى تعد النكتة "قذفا أو سبا"؟ وانتهت أغلب الأقوال في حينه أن "النكتة" في ذاتها ومهما كان موضوعها لا تعد قذفا.
شاركنا رأيك
ماهو رايك بالنكتة؟ هل هي ظاهرة ثقافية برأيك؟
هل انت ممن يستمتع بالنكتة ويشجع على تداولها؟
هل تستاء من النكتة اذا كانت النكتة تمس السياسة كالرئيس مثلا او القومية او الدين والمذهب؟
وهل بتصورك تساعد النكتة على تغيير وضع ما؟
انتظر ردودكم وتفاعلكم ولكم مني كل الود.