ابن الأبّار(595 - 658هـ/1199 - 1260م)
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي بكر القُضاعي ويعرف بابن الأبّار، مؤرخ من قبيلة قضاعة التي استوطنت أُنْدة في ضواحي بلنسية.
تلقى العلم في بلنسية على أبي عبد الله بن نوح، وأبي جعفر الحصّار، وابن واجب، وأبي الحسن بن خَيْرة، وأبي سليمان بن حَوْط، وغيرهم.. واتصل بأبي الربيع بن سالم أكبر محدّث في عصره، ولزمه قرابة عشرين عاماً، وهو الذي علّم ابن الأبّار صناعة الكتابة وحبب إليه إتمام كتاب الصلة لابن بَشكُوال.
جمع ابن الأبّار ثقافة عصره ولمّا يبلغ الثلاثين، واتخذه أمير بلنسية محمد بن أبي حفص كاتباً له، ثم أصبح كاتباً لابنه أبي زيد من بعده، ولما تغلب زيّان بن مردنيش على بلنسية اتخذ ابن الأبّار كاتباً له سنة 626هـ، ولما حاصر ملك أراغون (دون خايم) مدينة بلنسية في رمضان 635هـ/1238م استغاث صاحبها زيّان بن مردنيش بسلطان الدولة الحفصية أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد الحفصي، وأرسل ابن الأبّار مع وفد حملوا إليه البيعة وطلبوا منه المساعدة، وأنشد ابن الأبّار أمام السلطان الحفصي قصيدته السينية التي مطلعها:
أدرك بخيلك خيل الله، أندلسا
إنّ السبيل إلى منجاتها درسا
فكان لها أثرها في إرساله الأسطول ليساعد مسلمي بلنسية، ولكنه لم يستطع إنقاذ المدينة المحاصرة التي اضطرت إلى التسليم، وحينئذٍ غادر ابن الأبّار بلنسية مع جميع أفراد أسرته، وتوجه إلى تونس سنة 636هـ حيث لقي عند السلطان الحفصي أبي زكريا يحيى المجد والثروة والنجاح، وأسندت إليه الكتابة في ديوان السلطان وكلّف وضع العلامة السلطانية في أعلى الرسائل والمنشورات الصادرة عن القصر. وما لبث السلطان أن أصغى إلى أقوال الوشاة والحاسدين وطلب من ابن الأبّار أن يقتصر على إنشاء الرسائل وأن يدع مكان العلامة للخطّاط الجديد، لكن ابن الأبّار لم يطع ما أمر به، فعوتب في ذلك وروجع، وغضب السلطان عليه فصرفه عن العمل، وحاول ابن الأبّار أن يتلافى خطأه فألف كتاب «إعتاب الكتّاب» وأهداه إلى السلطان واتصل بنجله وولي عهده أبي يحيى زكريا الذي تشفع له عند أبيه فرضي السلطان عنه وغفر زلّته، وقد توفي ولي العهد زكريا قبل وفاة أبيه بسنة وصار الأمر بعده إلى أخيه أبي عبد الله الذي لُقِّب بالمستنصر، فأبعد هذا ابن الأبّار إلى بجاية سنة 655هـ، ثم رضي عنه وأعاده إلى خدمته واستمع لنصحه، ولكن ابن الأبّار ما لبث أن أغضب المستنصر وحاشيته بسلوكه، فقد كان يزري به في مجالسه، وعُزيت إليه أبيات في هجائه، فأمر به فقتل، ثم أحرق جثمانه ومصنفاته وأشعاره وإجازاته العلمية في محرقة واحدة.
عرف ابن الأبّار بالطموح والفخر والاعتداد بالنفس والأنفة وسرعة الغضب، وكان حادّ اللسان تصدر عنه الإساءة ولايشعر بها، وقد لقبه خصومه بالفأر لأسباب مجهولة.
لم يتبق من كتب ابن الأبّار الخمسة والأربعين إلا ستة كتب، تنحصر في ثلاثة فنون: الحديث والأدب والتاريخ، وهي: «التكملة لكتاب الصلة لابن بشكوال» وهو كتاب في تراجم علماء الأندلس وأعيانها وشعرائها، و«المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي» وفيه ترجمة لطائفة من الأئمة والعلماء الأندلسيين من تلامذة الصدفي ومعاصريه (والصدفي محدّث وفقيه من سرقسطة) و«الحلّة السِّيراء» في تاريخ المغرب وتراجم رجاله، يتحدث فيه عن مشاهير الأعلام في السياسة والحرب من رجال الأندلس وبلاد المغرب من المئة الأولى إلى المئة الرابعة، و«تحفة القادم» وهو في تراجم الشعراء الأندلسيين وقد وصل إلينا مختصر له، و«درر السِّمط في خبر السِّبط» وهو كتاب في أخبار الحسين بن علي، ويدلّ على شدة تعلق ابن الأبّار بآل البيت، و«إعتاب الكتّاب» وفيه يضرب للسلطان الحفصي أبي زكريا الأمثال عن حلم الملوك وعفوههم عن أخطاء كتابهم، وفي الكتاب تراجم مقتضبة لهؤلاء الكتّاب وأخطائهم وعفو رؤسائهم عنهم، وإقالة العثرة هي مدار البحث في تأليف الكتاب الذي ضمّ خمساً وسبعين ترجمة، وللكتاب قيمة أدبية وتاريخية إضافة إلى قيمته الإنسانية التي تحثّ على الصبر والعفو.
نال ابن الأبّار حظه في القديم لدى المؤرخين والعلماء الذي ترجموا له، كالغبريني والمَقّري وابن العماد وابن خلدون وغيرهم، كما أنه لقي عناية من المستشرقين والكتّاب فاقت عناية الأقدمين، وقد كشف المحدثون في دراساتهم عن أعمال ابن الأبّار وخصائصه وميزاته.
وله شعر رقيق، يقوم على تزيين الأسلوب والإكثار من المحسنات البديعية.