الافْترَاءُ المُشينُ عَلَى اللِّسَانِ الْعَرَبي المُبين
... ما بال قوم لا يفقهون في اللسان العربي المبين قيلاً؟! وما بالهم يتجرءون على الخوض في الذي لا يعلمون منه يسيراً أو كثيراً؟! ما بال هؤلاء القوم يسارعون في ظلم أنفسهم وخسرانها الخسران الفاضح؟!
ما بالهم يفترون على اللسان العربي كذباً؟! كيف بهم إذ ينهون العرب عن التمسك بلسانهم العربي وينأون عنه؟!
فهل سيأتي يوم يشهد فيه هؤلاء القوم على أنفسهم أنهم كانوا لهذا اللسان الفصيح البليغ المتين جاحدين وأنهم كانوا في ضلال مبين؟!...
إن مثل هؤلاء القوم كمثل من أعياه القفز وأرهقه لينال بلسانه السليط وبكلماته الخبيثة مما علا شأنه وسمت مكانته بين العرب الأحرار قاطبة، وذاع صيته بين سائر الناس الأسوياء في كافة بقاع الأرض، وعندما سئل عمّا أعجزه وحال بينه وبين تحقيق غايته، أجاب قائلاً: إني قادر على إلحاق الأذى بمن أمقت ذكرَه متى أشاء، إلا أني أشفق عليه من شديد بطشي وغضبي، فما كان من فطرته التي فطر عليها إلاَّ أن همست في أذنيه: هيهات ثم هيهات...
هذا بالمختصر المفيد حال هؤلاء القوم مع اللسان العربي، أمَّا إذا همَّ أحدٌ، من الأوفياء لعين الصواب والمخلصين لطلب طريق الجادة، بالحديث عمن اتخذوه عدواً لهم في مجالسهم المهجورة إلا منهم، وأعلنوا الحرب عليه في حلهم وترحالهم بما يرمونه به من كذب شنيع وبهتان فظيع، ويصبونه صباً عنيفاً في كلمات وعبارات يسوونها على عجل وغير عجل مهموسة ومجهورة، فإنك تكاد تراهم يضعون أصابعهم في آذانهم حتى لا يستقبل سمعهم ذكر ما هم عليه حاقدون، وإذا أبصروا اسمه مخطوطاً على ورقة أو مطبوعاً على غلاف، صرفوا أعينهم ونأوا بها بعيداً، وعبثاً يجهدون أنفسهم في إرغام عيونهم على ازدرائه، وهي منهم براء، وباللسان العربي معجبة مأسورة بسحره وجماله، بل إنها من المقدرين له حق قدره ولو كره الجاحدون، ولسان حالها يقول: حروف اللسان العربي سيماها في وجوهها من أثر الحسن والجمال، ذلك مثلها في كل كتاب تخط فيه باليمين، كسنابل استوت على سوقها، تعجب القراء وتغيظ الحاقدين...
إنهم قومٌ يجادلون في اللسان العربي بغير علم، بعدما تبين لهم أنه الحق الذي لا مراء فيه، إلا أنهم ضالون في عنادهم يعمهون من إصباحهم إلى ممساهم، فما الذي يهذون به اليوم، وسيهذون به غداً سوى نتيجة حمَّى جهل انتابتهم، وعبثاً من جملة العبث الذي ينعقون به هذه الأيام في مقاماتهم المشبوهة، التي تبعث على السخرية والاشمئزاز، ويجترونه في مقالاتهم التي تلتمس لهم العذر لجهلهم القبيح بحقيقة اللسان العربي، وتستقطب الشفقة عليهم، وتتوسلها ممن يصادفون تلك التفاهات التي يلفظها ويخطها من يسيئون إلى أنفسهم منتهى الإساءة، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وأنهم سيملأون بهذيانهم الدنيا، وسيشغلون الناس بادعاءاتهم الواهية، وسيقام لهم ولا يُقعد بفضل مزاعمهم السخيفة...
وقبيح بهؤلاء القوم أن يعيبوا اللسان العربي، وينكروا جميله ومعروفه، وهم في واقع الحال بغيهم وسفاهتهم عيبُه الوحيد، بل هم شينه الأول والأخير، وقد شهد له أهله بقدر ما شهد له المنصفون العادلون من غير العرب بالعزة والقوة والمنعة، وأن ليس لهذا اللسان المبين من عيب يذكر سوى أناس يفترون عليه جوراً الذي يفترون، ومعلوم أن هؤلاء الشهود لا تأخذهم العزة بالإثم، وهم يتحرون الحق في شهاداتهم، وينأون بأنفسهم عن الباطل...
أما إذا كان أولئك القوم يسعون بكل ما لهم من حول وقوة إلى إطفاء نور اللسان العربي المبين، فليعلموا أنهم واهمون خائبون، وأن نوره سرمدي ولو كره الجاحدون، ثمَّ ليستهلوا دعوتهم ومشروعهم بتغيير أسمائهم العربية إن كانوا صادقين في ما ينادون إليه وله ينتصرون، أم أنهم يطمحون إلى أن تمحى وتطمس أسماء من ذاكرة العرب الأحرار، مثل:محمد، وعمر، وعلي، وخالد، لتحل مكانها أسماء أعجمية، مثل: (جاك)، و(جاكلين)، و(كلود)، و(كلوديا)؟! فواهمٌ من هو قابع في بهتانه، وملتف بعبثه وجهله، يترقب زوال اللسان العربي، وجاهل من يرى تعلم العربية الفصحى صدمة نفسية للطفل العربي في أولى مراحله الدراسية، وضرباً من الانفصام بالنسبة إليه، ثمَّ إن ذاك الذي ينادي ويطالب باعتماد الدارجة/العامية في التعليم الأساسي، وفي سائر مجالات الحياة هو ضال بكل ما في كلمة الضلال من معنى، بل إن كل من يدعو إلى تنصيب الدارجة/العامية لغة رسمية للعرب، هو شاردٌ منتهى الشرود، وليس لدعوته من الرشاد والصواب حظ قليل أو كثير...
إن هؤلاء القوم، سواء عليهم أنبَّهتهم أن لم تنبِّههم، لرؤية شمس اللسان العربي الساطعة منكرون، ولا حاجة إلى إضاعة الزمن من أجل إقناعهم، لأن ثمة ظلمة من ظلمات الجهل الدامس اجتهدوا في صنعها، فغشيت بصيرتهم، وباعتبار هذه الحقيقة، فلا سبيل إلى أن يلزمُوا أنفسهم بما هم لهُ كارهون، حتى إذا قيل لهم: إنكم مخطئون، فتحرَّوا الحق والصَّواب في أقوالكم وكتاباتكم، قالوا: بل نحن في ما نلفظ به ونخطه محقون، وإذا قيل لهم: اشهدوا للسَان العربي بكلمة حق سَديدة، كما شهد له كل ذي بصيرة، قالوا: أنشهد لذاك الذي ذكرتم كما شهد الجُهلاء؟!
إنهم قوم صدوا عن الحق والرشاد، واقبلوا على الباطل والعناد، فمَا استقام لهم رأي، ولا استقر لهم عمَاد، بل إنهم نصبوا السفاهة صنماً لهم، وحرصوا أشد ما يكون الحرص على ملازمة ذاتِ عوج، وما دامَ الحال قد اتخذ هذا المنحى، فليعلم جيداً كل مَن في قلبه مرض الحقد على اللسان العربي، ومن في عقله داء كراهية هذا اللسان، أنه يخبط خبط عشواء، وأنه يتهافت طمعاً على إمساك السراب، وأنه ينفق وقته ويبدر جهده بإسرافٍ في مَا لا يجدي نفعاً، وفي الذي سيعودُ عليه يوماً بالوَبال الوخيم، وسيسِمه حتماً بالذل والهوَان...
ثمَّ إن الذي يحرصون على نشره ضد اللسان العربي وترويجه اليوم، لن يضر العرب الأحرار في شيء، وعجبٌ عجابٌ أن نرى هؤلاء القوم غداً يتهافتون على جني ثمار ريح غير طيبة زرعوها، فأبصرْ بهم إذ خلصوا في النهاية إلى سوء عاقبتهم، وشديد ندامتهم، وكرْه أنفسهم، وعزلتهم بين الناس العقلاء، ثم انظر إليهم يوم لا يجدون في أيديهم غير زبد في زبد، سيذهب آجلاً أم عاجلاً جفاء، وصنيع كريهِ المظهر وَالمخبر سيذهب هباءً منثوراً...
وأما اللسان العربي المبين الذي اقترن اسمه بالقرآن الكريم، فهُو غير ذي عوج، ومحفوظ بما حفظ به الذكر الحكيم، بل هو لسَان كلِّ من يطلب العلم ويقتفي أثر المعرفة، وآية لكل ذي عقل، ثمَّ إنه ماكث بين أهله الغيورين عليه بحق ودون رياء، وسيظل شامخاً يسعى بنوره بينهم، موسوماً بهيبته التي لا تنازع، وملازماً لوقاره الذي لا ينافس فيه إلى مَا شاء الله جل جلاله، فهلْ لمَن ضل سوَاء السبيل من عودة يوماً
منقول للفائدة