النتائج 1 إلى 7 من 7
الموضوع:

لا ترادف في القرآن

الزوار من محركات البحث: 115 المشاهدات : 973 الردود: 6
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: July-2010
    الدولة: العراق بلد الانبياء
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 5,846 المواضيع: 443
    صوتيات: 0 سوالف عراقية: 4
    التقييم: 883
    مزاجي: متفائل
    المهنة: معلم جامعي
    أكلتي المفضلة: الحلويات
    موبايلي: صيني
    آخر نشاط: 31/August/2022
    الاتصال:

    لا ترادف في القرآن


    لا ترادف في القرآن
    ***

    يقول الدكتور كمال رشيد رحمه الله في كتابه لا ترادف في القرآن
    نقرر بداية أن لا ترادف في القران الكريم ، وما يحفزنا لهذا الاستهلال العاجل ;

    هو أن نفي وقوع الترادف في القرآن الكريم والسعي إلى الوقوف على دقائق المعاني بين الألفاظ المتناظرة هما الهدفان الرئيسان اللذان نتوخاهما في هذه الدراسة.
    والقول بوقوع الترادف في ألفاظ القران الكريم أو في متون اللغة وهْم وقع فيه بعض القدماء والمحدثين، وعجْز عن رؤية الفوارق الدقيقة بين الألفاظ المتناظرة، وهروب من البحث والتنقيب عن أعماق الدلالة للألفاظ التي تتقارب معانيها.

    ولما كان الترادف يعني الاتحاد في المفهوم أو توالي الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد(1) فان ألفاظ القرآن الكريم بعيدة عن هذا المعنى، فكل لفظة في القران الكريم تنفرد بمعنى عن غيرها من الألفاظ المتقاربة أو المتشابهة أو المتناظرة. وإذا كان "الناس يستعملونها بمعنى واحد غير مكترثين بما بينها من فروق دقيقة ولا مراعين التباين فيها بحسب أصولها في اللغة إهمالا لها أو جهلا بها"(2) فان مستوى تحصيلهم اللغوي لا يسوّغ قبول الترادف في اللغة، كما أن غياب الفروق اللغوية بين الألفاظ المتقاربة أو المتناظرة في الخطاب الشفوي بين أهل اللغة وفي الخطاب الفني لدى أغلب الكتاب من جهة وحضور الدقة أو الإعجاز اللغوي في الخطاب القرآني من جهة أخرى، يقتضي منا الاعتكاف على الخطاب القرآني دون غيره من النصوص لمعرفة الفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة.

    ولعل أول إشارة على وقوع الترادف في اللغة قد وصلتنا من سيبويه وذلك بقوله "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين..... فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين هو نحو: جلس وذهب. واختلاف اللفظين والمعنى واحد نحو: ذهب وانطلق"(3) وبهذا لم يفرق بين ذهب وانطلق.

    يروي لنا ابن قتيبة عن مجلس أدبي لغوي في زمانه، ويصف استغرابه من عجز أحد الحضور عن معرفة معاني بعض الألفاظ، وعن جهله في التفريق بين الألفاظ المتقاربة وذلك بقوله "فما رأيت أحدا منهم يعرف فرق ما بين الوكع والكوع ولا الحنف من الفدع ولا اللّمى من اللطع، فلما رأيت هذا الشأن كل يوم إلى نقصان وخشيت أن يذهب رسمه ويعفو أثره، جعلت له حظا من عنايتي ( 4 ) وقد أفرد ابن قتيبة باباً في كتابه أدب الكاتب أسماه "باب معرفة ما يضعه الناس في غير موضعه ( 5 ) فإذا كان حال أهل اللغة في عصر ابن قتيبة قد بلغ ذلك الحد فما بالنا نحن في هذا العصر وقد فسدت الملكة اللغوية وتغلبت اللهجات على اللغة الفصيحة، وتكالب الغزو اللغوي على لغتنا ينتقص من أطرافها شيئا فشيئا.

    وقد نفى ابن فارس وقوع الترادف في اللغة، إذ إن الشيء إذا كثرت مسمياته فإن لكل مسمى معنى يختلف عن معنى المسمى الآخر، وذلك نحو السيف والمهند والحسام، وكذلك الأفعال، نحو: مضى وذهب وانطلق وقعد وجلس ورقد ونام وهجع ( 6 ) .

    ويشكل تعليق الباقلاني على الفرق بين "الصبح" و "الفجر" حافزا للبحث عن الخفايا والأسرار الكامنة في اللفظتين، وذلك بقوله: "فإن إحدى اللفظتين قد تنفر في موضع ، وتزل عن مكان لا تزل عنه اللفظة الأخرى، بل تتمكن فيه وتضرب بجرانها وتراها في مظانها وتجدها فيه غير منازعة إلى أوطانها، وتجد الأخرى لو وضعت موضعها في محل نفار ومرمى شرار ونابية عن استقرار( 7 ) .

    ومن أبرز المهتمين بالفروق اللغوية العسكري في كتابه "الفروق في اللغة" الذي ألفه بعد أن لمس حاجة الدرس اللغوي لبيان الفروق بين الألفاظ المتقاربة وهو ما يفهم من قوله: "إني ما رأيت نوعا من العلوم وفنا من الآداب إلا وقد صنف فيه كتب تجمع أطرافه وتنظم أصنافه إلا الكلام في الفرق بين معان تقاربت حتى أشكل الفرق بينها نحو العلم والمعرفة والفطنة والذكاء والإرادة والمشيئة والغضب والسخط( 8 )

    وقد حاول العسكري وضع منهج يقوم على اعتبارات وأسس للتفريق بين الألفاظ المتقاربة في المعنى، ويمكن إيجاز تلك الاعتبارات بما هو آت

    1- اختلاف ما يستعمل عليه اللفظان اللذان يراد الفرق بين معنييهما وهو أساس نحوي إذ مثل العسكري بالفرق بين العلم والمعرفة، إذ إن العلم يتعدى إلى مفعولين والمعرفة تتعدى إلى مفعول واحد فتصرفهما على هذا الوجه واستعمال أهل اللغة إياهما عليه يدل على الفرق بينهما في المعنى. 2- اعتبار صفات المعنيين اللذين يطلب الفرق بينهما، كالفرق بين الحلم والإمهال وذلك أن الحلم لا يكون إلا حسنا والإمهال يكون حسنا وقبيحا. 3- اعتبار ما يؤول إليه المعنيان، كالفرق بين المزاح والاستهزاء، فالمزاح لا يفضي إلى التحقير، أما الاستهزاء فيقتضي تحقير المستهزأ به. 4- اعتبار الحروف التي تعدى بها الأفعال، كالفرق بين العفو والغفران تقول: عفوت عنه فيقتضي ذلك أنك محوت الذم والعقاب عنه وتقول: غفرت له فيقتضي ذلك انك سترت له ذنبه ولم تفضحه به. 5- اعتبار النقيض، كالفرق بين الحفظ والرعاية وذلك أن نقيض الحفظ الإضاعة ونقيض الرعاية الإهمال، والحفظ صرف المكاره عن الشيء لئلا يهمك والرعاية فعل السبب الذي يصرف به المكاره عنه. 6- اعتبار الاشتقاق كالفرق بين السياسة والتدبير، فالسياسة هي النظر في الدقيق من الأمور وهي مشتقة من السوس هذا الحيوان المعروف، ولهذا لا يوصف الله تعال بالسياسة. 7- ما توجبه صيغة اللفظ من الفرق بينه وبين ما يقاربه، كالفرق بين الاستفهام والسؤال، فالاستفهام لا يكون إلا لما يجهله المستفهم أو يشك فيه، فصيغة الاستفهام وهو استفعال والاستفعال للطلب، أما السؤال فيجوز أن يسال فيه السائل عما يعلم وعما لا يعلم. 8- اعتبار حقيقة اللفظين أو أحدهما في أصل اللغة. كالفرق بين الحنين والاشتياق، فأصل الحنين في اللغة هو صوت الإبل حينما تشتاق إلى أوطانها ( 9 )
    وعلى الرغم من حرص العسكري على إبراز الجوانب النحوية والصرفية والجوانب الدلالية ذات الصلة بالصفات وعلاقة التضاد بين المعنيين واعتبار حال المخاطب إلا أنه أغفل دور السياق في التفريق بين الألفاظ المتقاربة في المعنى، ويكاد كتابه يخلو من الشواهد والنصوص اللغوية التي تظهر دور السياق في الكشف عن الفروق في اللغة، وهو ما دفع إبراهيم أنيس للتحامل على العسكري بقوله: "وفيه يحاول جهده أن يلتمس فروقا دقيقة بين مدلولات بعض الألفاظ المترادفة دون سند من نصوص وشواهد. وليس عمله في هذا الكتاب إلا عمل الأديب صاحب الخيال الخصيب الذي يرى في الأمور ما لا يراه غيره، ويلتمس من ظلال المعاني ما لم يخطر على ذهن أصحاب اللغة من القدماء ( 10 )

    وإذا كنا نتفق مع إبراهيم أنيس في خلو كتاب "الفورق في اللغة" من الأدلة والشواهد فإننا نخالفه في التحامل على العسكري على هذا النحو لأن العسكري في مصنفه وضع بين أيدينا كنزا لغويا من شأنه إثراء الدرس اللغوي وإضاءة الأبحاث اللغوية التي ما تزال بتقديرنا ظمأى إلى المناهل اللغوية التي تعين على الغوص في أعماق البنى اللغوية لاكتشاف الدرر الكامنة في أصداف الألفاظ المتقاربة في المعاني.

    ويبدو أن تحامل إبراهيم أنيس لا يقتصر على أصحاب المصنفات اللغوية في هذا الشأن بل امتد إلى المفسرين الذين نفوا وقوع الترادف في القرآن الكريم وهو ما يظهر في قوله: "أما الترادف فقد وقع بكثرة في ألفاظ القرآن الكريم رغم محاولة بعض المفسرين أن يلتمسوا فروقا خيالية لا وجود لها إلا في أذهانهم للتفرقة بين الألفاظ القرآنية المترادفة"( 11 )

    ولا يخفى أن إبراهيم أنيس قد عمد إلى تفريغ جهود المفسرين أو بعضهم من قيمتها وذلك بوصف تلك الجهود بأنها خيالية لا وجود لها. ولا بد من تسجيل ملاحظتين تشكلان تناقضا وقع فيه إبراهيم أنيس فالأولى انه أخذ على العسكري خلو كتاب (الفروق في اللغة) من الأدلة والشواهد اللغوية التي تثبت وجود فروق بين الألفاظ المتقاربة في المعنى ـ وقد وافقناه على ذلك ـ، ولكنه يأخذ على طائفة من المفسرين المأخذ ذاته، على الرغم من أن المفسرين قد استندوا فيما ذهبوا إليه على النص القرآني وهو خير شاهد ودليل, ومع ذلك لا نجد فرقا بين هجومه على العسكري الذي خلا كتابه من الأدلة والشواهد وهجومه على المفسرين الذين احتكموا للسياق القرآني. وأما الثانية فانه يقر بوقوع الترداف في القرآن الكريم وفي النصوص اللغوية الأخرى بقوله: "ومهما حاول بعض الاشتقاقيين من علماء اللغة كابن دريد وابن فارس وأمثالهما أو بعض الأدباء من أصحاب الخيال الذين يلتمسون من ظلال المعاني فروقا بين مدلولات الألفاظ أقول مهما حاول هؤلاء أو هؤلاء إنكار وقوع الترادف في ألفاظ اللغة العربية فليس يغير هذا من الحقيقة شيئا، فالترادف قد اعترف به معظم القدماء وشهدت له النصوص ( 12 ) وفي مقابل هذا التقرير الواضح والرأي الحاد يقول: "فإذا دلت نصوص اللغة على أن بين الألفاظ المختلفة الصورة فروقا في الدلالة مهما كانت تلك الفروق طفيفة، لا يصح أن تعد من المترادفات لأن شرط الترادف الحقيقي هو الاتحاد التام في المعنى. والحكم في هذا مرجعه أولا وأخيرا إلى الاستعمال، لا إلى ما يتكهن به بعض أصحاب المعاجم. كذلك إذا ثبت لنا من نصوص أن اللفظ الواحد قد يعبر عن معنيين متباينين كل التباين سمينا هذا بالمشترك اللفظي أما إذا اتضح أن أحد المعنيين هو الأصل وأن الآخر مجاز له، فلا يصح أن يعد مثل هذا من المشترك اللفظي في حقيقة أمره( 13 )

    وتعقيبنا على ما ذهب إليه إبراهيم أنيس ليس مقصودا بذاته وإنما جاء في سياق عرضنا لمواقف القدماء من مسألة الترادف وبخاصة موقف العسكري الذي تحامل عليه إبراهيم أنيس فكان لابد من التعقيب عليه..

    وليت ما وعد به الراغب الأصفهاني قد وصل إلينا، فقد نص في مقدمة كتابه "المفردات في غريب القران": "وأتبع هذا الكتاب إن شاء الله تعالى، ونسأ في الأجل بكتاب ينبيء عن تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد وما بينها من الفروق الغامضة فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة، دون غيره من أخواته نحو ذكره القلب مرة والفؤاد مرة والصدر مرة..."( 14 ) .

    وللبلاغيين ذوق خاص في مخالفة تسمية الاصطلاحات الشائعة – وهي قضية خطيرة يعاني منها المصطلح في التراث البلاغي فقد أطلق يحيى العلوي مصطلح (الائتلاف) على المفهوم الذي يدل على مسالة الترادف ومن وجوه الائتلاف، تأليف اللفظ مع المعنى، وائتلاف اللفظ مع اللفظ وهو أن تدير معنى من المعاني تصح تأديته بألفاظ كثيرة ولكنك تختار واحداً منها لما يحصل فيه من مناسبة ما بعده وملائمته ( 15 )

    وعقد الزركشي بابا (قاعدة) في برهانه بعنوان: "في ألفاظ يظن بها الترداف وليست منه"، واستهل بقوله: "ولهذا وزعت بحسب المقامات فلا يقوم مرادفها فيما استعمل فيه مقام آخر" ( 16 )

    ونصل إلى السيوطي في مزهره، فقد قسم الألفاظ إلى متواردة ومترادفة "فالمتواردة كما تسمي الخمر عقارا وصهباء وقهوة وسلسالا، والسبع ليثا وأسداً وضرغاما، والمترادفة هي التي يقام لفظ مقام لفظ لمعان متقاربة، يجمعها معنى واحد كما يقال: أصلحَ الفاسد ولم الشعث ورتق الفتق وشعب الصدع" ( 17 )

    ولا ندري لماذا اختار السيوطي مصطلح (المتواردة) في وصف الألفاظ المترادفة برأي من يقر بالترادف أو الألفاظ المتقاربة والمتناظرة برأي من ينكر الترادف؟ ولعل التوارد عند السيوطي يعني مجموع الصفات التي ترتد إلى جنس واحد وبخاصة أنه أورد جنس الخمرة وأسمائها. وربما قصد السيوطي أن الألفاظ المتواردة كلمة تناظر كلمة في المعنى، وأن الألفاظ المترادفة ألفاظ جملة تناظر ألفاظ جملة أخرى وهو ما يظهر من الأمثلة التي أوردها.

    واجتهد السيوطي في تحديد أسباب الترادف التي يمكن إجمالها على النحو الآتي:
    1. أن يكون من واضعين وذلك أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى ثم يشتهر الوضعان ويخفى الواضعان. 2. أن تكثر الوسائل للإخبار عما في النفس فإنه ربما نسي أحد اللفظين أو عسر عليه النطق به. 3. التوسع في سلوك طرق الفصاحة وأساليب البلاغة لأن اللفظ الواحد قد يتأتى باستعماله مع لفظ آخر التجنيس والترصيع وغيرهما من أصناف البديع. 4. قد يكون أحد المترادفين أجلى من الآخر فيكون شرحا للآخر الخفي ( 18 )
    ومهما يكن نصيب هذه الأسباب من الدقة والصحة – وأزعم أن نصيبها قليل– فإن أياً منها لا يشير إلى الفروق الدلالية الدقيقة التي تكمن في البنى اللغوية المتقاربة المعنى، والتي تتجلى في السياق. ولعل السبب الأول أكثرها دقة، لأن اختلاف لغات القبائل سبب في تعدد المسميات وهذا الاختلاف والتعدد لا يلغي وجود فروق في المعنى. أما السبب الثاني فإننا نتفق معه من جهة ونخالفه من جهة أخرى، أما الاتفاق فإن الحاجة إلى تعدد الوسائل للإخبار عما في النفس ضرورة لا غنى عنها، لأن الحاجات النفسية تتلون وفق المقام وكل لون يستدعي لفظة دون الأخرى لما تنطوي عليه من دلالة لا تتوافر في غيرها. وأما الاختلاف فان النسيان ليس سببا في اختيار لفظة دون الأخرى فالنسيان الذي نص عليه السيوطي هو جهل بدقة الاختيار لأن المعاني التي تمور في النفس لا تكون منفصلة عن الألفاظ الملائمة لها، وما القدرة على التعبير إلا نتاج عملية تفاعل بين المعاني والألفاظ. وأما السبب الثالث فان الاختيار اللغوي دون غيره من قائمة الأبدال المتاحة لا يسوغه – برأينا– خلق حالة بديعية كالتجنيس أو الترصيع أو غيرهما. وأما السبب الرابع فإن سمة وضوح أو خفاء المعنى أمر يتفاوت فيه أهل اللغة وفق درجة الممارسة اللغوية.

    وقد لاقت الأسباب التي نص عليها السيوطي صدى لدى بعض المحدثين ، فأقرّها بعضهم، وذهبوا إلى أن الفرق بين (حضر) في قوله تعالى:( قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ){المائدة106}، و(جاء) في قوله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) (60) قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) {الأنعام61}، يعود إلى اختلا ف لغات العرب ( 19 ) ولعل ابن جني من أوائل اللغويين الذين أسسوا مقولة اختلاف لغات العرب وذلك بقوله: "وكلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن تكون لغات لجماعات اجتمعت لإنسان واحد ( 20 )

    وما زال الخلاف التي ظهر بين القدماء في مسألة الترادف ماثلا في آراء المحدثين، وإذا كنا قد عرضنا طرفا لآراء بعض المحدثين الذين أقروا بوقوع الترادف في القرآن الكريم وفي اللغة العربية عموما فإنه يحسن بنا أن نعرض طرفا لآراء بعض المحدثين الذين أنكروا وقوع الترادف، ولعل ما نص عليه محمد المبارك يفيض غيرة وحسرة على أهل اللغة، وذلك في قوله: "ولقد أصاب العربية في عصور الانحطاط المنصرمة مرض العموم والغموض والإبهام، كما أصابت هذه الآفات التفكير نفسه، فضاعت الفروق الدقيقة بين الألفاظ المتقاربة فغدت مترادفة ( 21) . ونلاحظ أن المبارك قد ربط بين ما آلت إليه اللغة وما أصاب التفكير العربي، وهو ربط موضوعي لأن الدقة في التعبير ترتبط حتما بالدقة في التفكير كما أن آفة التعميم في التعبير وغياب الدقة في الاختيار اللغوي دليل على غياب التفكير المنظم.

    وفي مقابل هذا الحرص على كنوز اللغة، والضيق الشديد الذي تجلى لدى محمد المبارك، نجد من المحدثين من يتساءل عن جدوى معرفة الفروق اللغوية "وإذا كان الناس يستعملون الألفاظ دون اعتبار إلى ما كانت عليه في الأصل ويجهلون علل الوضع وأسباب التسمية، وإن عرفوها لم يكترثوا بها فما جدوى التعويل إذن – والحال هذه – على الدلالة الأصلية والقول باعتبارات خفية وبعلل غامضة قد عفا عليها الاستعمال وصارت شيئا تاريخيا منسيا في حياة الألفاظ بفعل التطور؟ ( 22 ) ويثير هذا التساؤل تساؤلا مثيرا لدينا: هل يعقل أن يكون حال أهل اللغة مسوّغاً لتجاوز الدلالات الأصلية لألفاظ اللغة وإهمال علل الوضع وأسباب التسمية لأن أهل اللغة عاجزون عن معرفتها للفساد الذي أصاب ألسنتهم وللخلل الذي شوه قدرتهم اللغوية"؟؟!!.

    ومن البلاغيين المحدثين الذين أنكروا وقوع الترادف، شكري عياد الذي نص على رأي البلاغيين في قوله: "وقد أنكر علماء البلاغة قديما وجود الترادف أو عدّوه في حكم المعدوم؛ لأنهم رأوا اختلافات بين المترادفات تظهر عند الاستعمال؛ أي أن السياق الداخلي والخارجي يدعو إلى تفضيل لفظة على أخرى" ( 23 ).
    الهوامش 1) انظر: الجرجاني، علي بن محمد: التعريفات. تحقيق: عبد الرحمن عميرة. عالم الكتب، بيروت، 1987،ص83. 2) حاكم مالك لعيبي: الترادف في اللغة. وزارة الثقافة والإعلام، دار الرشيد للنشر، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، ص222. 3) سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر: الكتاب. تحقيق: عبد السلام محمد هارون. عالم الكتب، بيروت، ط3، 1983، ج1، ص24. 4) ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم: أدب الكاتب. تحقيق: محمد الدالي. مؤسسة الرسالة، ط2،1996، ص11-12. 5) انظر: المصدر نفسه، ص11-12. 6) انظر: الرازي، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا: الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها. تحقيق: عمر فاروق الطباع. مكتبة المعارف، بيروت، 1993، ص97-98. 7) الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب: إعجاز القرآن. تحقيق: عماد الدين أحمد حيدر. مؤسسة الكتب الثقافية. ط4، ص197. بدون تاريخ. 8) العسكري، أبو هلال: الفروق في اللغة. دار الآفاق الجديدة، ط5، 1983، ص9. 9) المصدر نفسه: ص16-19. 10) إبراهيم أنيس: دلالة الألفاظ. مكتبة الانجلو المصرية. ط7، 1992، ص217. 11) المرجع نفسه: ص215. 12) المرجع نفسه. ص215. 13) المرجع نفسه: ص211. 14) الأصفهاني، أبو القاسم حسين بن محمد: المفردات في غريب القرآن. راجعه وقدم له: وائل أحمد عبد الرحمن. المكتبة التوفيقية. القاهرة.ص12 15) انظر: العلوي، يحيى بن حمزة: الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق التنزيل. تحقيق: عبد الحميد الهنداوي. المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2002، ج3، ص80. 16) انظر: الزركشي، بدر الدين محمد بن عبد الله: البرهان في علوم القرآن. تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، دار الجيل، بيروت، 1988، ج4، ص78. 17) السيوطي، عبد الرحمن جلال الدين: المزهر في علوم اللغة وأنواعها. شرحه وضبطه وصححه وعنون موضوعاته وعلق حواشيه: محمد أحمد جاد المولى وعلي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم، دار الجيل، بيروت، ج1، ص37. 18) المصدر نفسه . ج1، ص405-406. 19) حاكم مالك لعيبي: الترادف في اللغة. ص159. 20) ابن جني، أبو الفتح عثمان: الخصائص. تحقيق: محمد علي النجار. المكتبة العلمية، 1952، ج1، 374. 21) محمد المبارك: فقه اللغة وخصائص العربية – دراسة تحليلية مقارنة للكلمة العربية وعرض لنهج العربية الأصيل في التجديد والتوليد، دار الفكر، بيروت، ط6، 1975، ص318. 22) حاكم مالك لعيبي: الترادف في اللغة. ص205. 23) شكري عياد: اللغة والإبداع – علم الأسلوب العربي. انترناشول، ط1، 1988، ص68



  2. #2
    من المشرفين القدامى
    عَصِيةُ الهَوَى
    تاريخ التسجيل: April-2013
    الدولة: العراق
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 4,423 المواضيع: 278
    صوتيات: 7 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 2363
    مزاجي: مُـسـتـقـيـلـة
    أكلتي المفضلة: مشويات
    موبايلي: Iphone5 S
    آخر نشاط: 19/February/2015
    مقالات المدونة: 2
    في قمة البلاغة هذه المقالة
    شكرا كثيرا لك فاضلي مازن
    أنحني امامك على روعة الاختيار
    ((إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ))
    تقيمي ايها المبدع

  3. #3
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسرار بلا عنوان مشاهدة المشاركة
    في قمة البلاغة هذه المقالة
    شكرا كثيرا لك فاضلي مازن
    أنحني امامك على روعة الاختيار
    ((إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ))
    تقيمي ايها المبدع
    اخت اسرار اشكر لكِ هذا المرور المميز واشكر تقييمكِ الغالي
    تحياتي

  4. #4
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: January-2012
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 7,836 المواضيع: 331
    صوتيات: 1 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 2082
    مزاجي: مصدوم
    الاتصال: إرسال رسالة عبر MSN إلى احمد 96
    مقالات المدونة: 17
    تقييمي واحترامي استاذي
    العزيز

  5. #5
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة احمد 96 مشاهدة المشاركة
    تقييمي واحترامي استاذي
    العزيز
    العزيز احمد اسعدني مرورك وتقييمك الغالي
    تحياتي

  6. #6
    من أهل الدار
    اجبروا الخواطر
    تاريخ التسجيل: October-2012
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 15,991 المواضيع: 2,267
    صوتيات: 90 سوالف عراقية: 0
    التقييم: 12942
    مقالات المدونة: 2
    يالروعة المعلومات التي قرأتها هنا
    استاذي احسنت

  7. #7
    من المشرفين القدامى
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اسرار مشاهدة المشاركة
    يالروعة المعلومات التي قرأتها هنا
    استاذي احسنت
    اسرار اشكر لكِ مروركِ المميز وتقييمكِ الغالي
    تحياتي

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال