سوق الصفارين أو ما يعرف بـ"الصفافير" ببغداد - (أرشيفية)
- 1
بغداد- إذا أردت أن تعثر على مصباح علاء الدين السحري، أو تعود إلى الزمن العباسي حيث ترتفع المطارق وتشتعل (الكور) صانعة السيوف والخناجر والدلال العربية المتلاصقة، فما عليك إلا أن تقصد أشهر سوق تراثي في بغداد؛ سوق الصفارين أو (سوق الصفافير) كما يطلق عليه باللهجة الدارجة، والذي جاءت تسميته من اشتغال حرفييه على مادة النحاس أو (الصفر).
وبين جمال المعروضات وقدم التاريخ؛ ثمة خيط يقودك إلى أغرب الحكايات التي يتوارثها ما تبقى من أصحاب المحال.
هل مر الخليل الفراهيدي من هنا حقاً؟
يقولون إن العالم اللغوي الكبير ومكتشف علم العروض الخليل بن أحمد الفراهيدي مرّ بسوق الصفارين، فلفت انتباهه أن لكل ضربة مطرقة إيقاعا معينا، ومن هنا تولدت لديه فكرة ضروب الشعر في أوزانه المختلفة.
لكن الثابت لديهم أن سرايا الخيالة في الجيوش القديمة كانت تأتي بخيولها إلى هنا، وتقطع بها السوق ذهاباً وإيابا لتعتاد الخيول على الضجيج والأصوات العالية؛ فلا تنفر ولا تجفل أثناء المعارك، حيث الطلقات والأصوات الضاجة وصليل السيوف.
والطريف أن بعض الناقمين على الحكومات يتخذون منه فضاء لشتم السياسيين بصوت عال من دون أن يتوجسوا خيفة؛ لأنه لا أحد يسمعهم هنا، حتى ضرب المثل الشعبي الشهير (صرخة وضايعة بسوق الصفافير)!
مزهر الخفاجي أستاذ التاريخ في معهد التاريخ العربي، يقول إن كبار سياسيي العالم كانوا حين يأتون إلى بغداد يحرصون على التجول بين درابين هذا السوق لشراء بعض التحف واللوحات التي تتزين بآيات القرآن الكريم والمنقوشة بخط بديع.
وأضاف الخفاجي لـ"العربية نت": "أذكر من زواره الكبار.. أنديرا غاندي، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، والإسباني خافيير سولانا، وكذلك الشاعر الحاصل على نوبل طاغور الذي دعاه الملك فيصل الأول لزيارة بغداد العام 1931. والعديد غيرهم".
وتؤكد الأبحاث التنقيبية أن السومريين قد عرفوا التعامل مع (الصفر- النحاس) في الألف السادس قبل الميلاد، بل بعضهم يعود بزمن هذه الصناعة إلى ثمانية آلاف سنة قبل الميلاد؛ حيث عثر على أقراط نحاسية ممزوجة بمواد أخرى ليسهل تكوينها، تماما كما يفعل الأحفاد الآن في القرن الحادي والعشرين. هذا الإرث الجمالي نقلته الأقوام التي تعاقبت على بلاد وادي الرافدين كأسرى وغزاة إلى بلدانها، فاتخذه الأباطرة والملوك زينة لقصورهم. أما في العصر الحديث فليس من سائح إلا وحمل معه تذكارا يعبر عن جمال الصناعة اليدوية.
هذا الشارع العريق زحفت عليه البضائع المستوردة وطاله الإهمال بعد أن غاب عنه السياح وأقفرته الحوادث الأمنية.
ويشكو أبوطارق، وهو أحد الحرفيين الذين غادروا السوق نتيجة الكساد، فيقول "إن كل الدول التي لديها صناعات فلكلورية تسنّ القوانين لحمايتها وتسعى إلى إقامة معارض ومشاركات خارجية للتعريف بها باعتبارها جزءا من الإرث الحضاري للبلد، لكن ما نراه اليوم هو الإهمال الذي أجبر (الأسطوات) على الهجرة بعد أن تحولت أغلب المحال إلى بيع الأقمشة النسائية وأدوات (الفافون) بحيث ضاعت هوية السوق وصار عبارة عن (كشكول)".وأضاف أبوطارق "أريد أن أناشد الحكومة ودوائر وزارة الثقافة والسياحة عبر "العربية.نت" أن تلتفت لهذا المعلم التاريخي؛ وتسارع إلى إحيائه قبل أن يصبح أثرا بعد عين".-(العربية.نت)