(( طلاق الفار في الشريعة والقانون ))
ثائر جمال الونداوي
قاضي وباحث قانوني
الطلاقعصمة بيد الرجل ( الزوج ) له إيقاعه متى شاء وفق شروط شرعية معينة يراد منه حلالرابطة الزوجية . وإذامات الرجل ( الزوج ) لا ترثه مطلقته لانتفاء الزوجية الصحيحة بينهما والتي هي من أهمأسباب الميراث. ولكن ما لحكم إذا طلق الزوج زوجته وهو في حالة مرض الموت كان يكون مصابا بمرض السرطان في الدم( لوكيميا ) مثلا أو في حالة يغلب معها الظن بالهلاك كأن يكون جنديا في جبهةالقتال وفي معرض الاشتباك القتالي مع العدو أو يكون احد ركاب سفينة في عرض البحروتتعرض إلى عاصفة هوجاء تؤدي إلى تحطمها وهلاكها ، وهذا يسمى في فقه الشريعة الإسلاميةبـ (( طلاق الفار )) وهو الطلاق الذي يوقعه الزوج إذا كان في مرض الموت أو في حالةيغلب معها الظن على هلاكه بقصد الفرار من ميراث زوجته ( مطلقته ) أي حرمانها منميراثه . على أن يكون موته في مرضه أو ما تعرّض له من أخطار مهلكة. ومن استقراء آراءالمدارس الفقهية في الشريعة الإسلامية الغرّاء نجد جليّا وبوضوح الشمس في كبدالسماء أن جمهور فقهائها متفقون على وقوع طلاق المريض في مرض الموت ، وعلى حقالمطلقة في ( طلاق الفار ) في ميراث الزوج (المطلق ) ولكنهم اختلفوا في المدة المُسقِطة لحقها في الميراث وكما في الإجمال الآتيلأقوالهم :- 1- قالت المالكية والأباظية ترث مُطْلقاً سواء ماتزوجها في العُدّة أم بعدها . 2- قالت الحنفية ترث إذا مات زوجها قبل انتهاءالعدة . 3- قالت الجعفرية ترث مالم تتزوج ومالم تمضي سنةعلى الطلاق . 4- قالت الحنبلية ترث مالم تتزوج قبل وفاة الزوج . 5- وقالت الزيدية والظاهرية لاترث مطلقا أي أنالطلاق يقع عندهم ولايرث الزوجة أبداً . وبالرغممن اتفاق كلمة فقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية على وقوع الطلاق الفار فان قانون الأحوالالشخصية العراقية رقم 188 لسنة 1959 في مادته (35 ) قد خالفت وبامتياز حكم الشريعةالإسلامية المنعقد على شبه الإجماع على اقل تقدير ونصت على عدم وقوع طلاق الفاروبشكل مطلق وهذه نص المادة 35 (( لايقع طلاق الأشخاص الآتي بيانهم ........ 2 –المريض في مرض الموت )) ويُفهم من هذا المنطوق القانوني إذا كان طلاق المريض فيمرض الموت لايقع فان زوجته باقية على ذمته وإذا مات في مرضه فأنها ترثه حتما .وهذا عيب فاضح ومخالفة صريحة لإحكام الشريعة الإسلامية الغرّاء وللقواعد الدستوريةوالقانونية الموجبة باعتماد الشريعة الإسلامية أساسا للإحكام في الأحوال الشخصيةفي جمهورية العراق بالنسبة للغالبية من المسلمين على اقل تقدير . ونرى من الضروريتَدخّل المشرِّع بتعديل صيغة النص للمادة 35 /2 من قانون الأحوال الشخصية بما يتفقمع الحكم الشرعي ومبادئ الدستور. وخاصة فان القضاء في العراق وكعادته المحمودةوشجاعته المعهودة في قول الحق وتطبيق السليم للتشريعات كان حقا حارسا أميناللشريعة الغرّاء فقد ترك صراحة نص المادة 35/2 من قانون الأحوال الشخصية وقضىبوقوع طلاق المريض في مرض الموت ولكن ترثه زوجته. حيث جاء قرار محكمة التمييز بالعدد255/ موسعة أولى / 1996 في 22/1/1997 ناصراً لدين الله ونصَّ على (( وحيث أنالثابت في آراء الفقهاء أن الزوج إذا طلق زوجته في مرض الموت ثم توفي فان طلاقهيقع شرعا ولكن زوجته ترثه إذ يعتبر الزوج في هذه الحالة فارا من توريثها فيُردعليه قصده )) . ويتضح لنا بان الطلاق أن كان مبنيا على الحديث النبوي الشريف فيوقوعه بغض النظر عن قصد الزوج إرادته للطلاق من عدمه : " ثلاثة جدهن جدوهزلهن جد النكاح ، الطلاق والعتاق " فان توريث الزوجة المطلقة في طلاق الفارمبني على قاعدة المقاصد (( القصد السيئ يُردُّ على صاحبه )) .