أكد القاضي الجرجاني على أن استعانة الشاعر المحدث بنصوص الأوائل ظاهرة طبيعية بل ضرورية في العملية الإنتاجية، ذلك أن العمل الأدبي لا ينطلق من العدم أو من الفراغ، وإنما يستند دائما إلى التجارب السابقة والمعاصرة، ويعتمد على المعاني التي تشكلت في ذاكرة الشاعر بفعل الحفظ والرواية، ولكن دون أن يكون قصده مجرد التبعية؛ لأنه في هذه الحالة سيقع -حسب القاضي الجرجاني- في السرقة القبيحة، غير أن الشاعر قد يعدل ويتلطف في نقل المعنى واللفظ فيغيرهما ، ويعرضهما في عبارة جديدة أو أن يعدل بهما إلى موضوع آخر؛ كأن يأخذ المعنى من الغزل إلى المدح، أو من المدح إلى الرثاء، يقول القاضي الجرجاني:" إن الشاعر الحاذق إذا علق المعنى المختلس عدل به عن نوعه وصنفه وعن وزنه ونظمه، وعن رويه وقافيته، فإذا مر بالغبي الغفل وجدهما أجنبيين متباعدين، وإذا تأملهما الفطن الذكي عرف قرابة ما بينهما، والوصلة التي تجمعهما"(178) فالسرقة من هذا النوع تعد ضربا من الفنية، وصاحبها فنان، فوحده الحاذق الذكي يقتدر عليها ويكشف احتيال الشاعر فيها. فالجرجاني هنا يتحدث عن نوعين ومفهومين لطبيعة السرقة: أحدهما ظاهر والثاني خفي (غير ظاهر)
فأما الظاهر فلا يحتاج إلى إجهاد الفكر للوصول إليه، بل هو لا يخفى على الجاهل الغفل، لأنه استعانة مباشرة لعبارة الشاعر ومعناه دون نقل أو تغير أو تعديل، وهذا النوع مستنكر ومستهجن لانعدام الفنية فيه ومن ثم لا يدخل في السرقة الفنية لانتفاء سمة الإبداع فيه.أما الخفي أو العميق فيتم إنتاجه بفعل مجموعة من القوانين التحويلية عبر عنها الجرجاني بمصطلحات مثل : القلب والنقل، تغير المنهاج والترتيب، الزيادة والتأكيد...إلخ. والسرق كلما كان على درجة كبيرة من الخفاء كلما عسر الوقوف عليه، فهو غير مُتبيّن إلا لمن حذق وتمرس بالصناعة الشعرية وكان له علم بالشعر ماهرا وذكيا فيه. ووفقا لهذا المفهوم، فإن القاضي الجرجاني لا ينكر على الشاعر المحدث\ اللاحق هذا النوع من السرقة مادام يمارس نوعا من حسن التصرف مع ما يأخذه من شعر القدماء. وعلى هذا الأساس، قام الجرجاني بضبط وتقنين السرقةبشكل يدعو فيه إلى حتمية التأثر والنقل والتداخل والتسرب في المعاني والألفاظ على السواء.
لعمل الأدبي لا ينطلق من العدم أو من الفراغ، وإنما يستند دائما إلى التجارب السابقة والمعاصرة، ويعتمد على المعاني التي تشكلت في ذاكرة الشاعر بفعل الحفظ والرواية، ولكن دون أن يكون قصده مجرد التبعية؛ لأنه في هذه الحالة سيقع -حسب القاضي الجرجاني- في السرقة القبيحة، غير أن الشاعر قد يعدل ويتلطف في نقل المعنى واللفظ فيغيرهما ، ويعرضهما في عبارة جديدة أو أن يعدل بهما إلى موضوع آخر؛ كأن يأخذ المعنى من الغزل إلى المدح، أو من المدح إلى الرثاء، يقول القاضي الجرجاني:" إن الشاعر الحاذق إذا علق المعنى المختلس عدل به عن نوعه وصنفه وعن وزنه ونظمه، وعن رويه وقافيته، فإذا مر بالغبي الغفل وجدهما أجنبيين متباعدين، وإذا تأملهما الفطن الذكي عرف قرابة ما بينهما، والوصلة التي تجمعهما"(178) فالسرقة من هذا النوع تعد ضربا من الفنية، وصاحبها فنان، فوحده الحاذق الذكي يقتدر عليها ويكشف احتيال الشاعر فيها. فالجرجاني هنا يتحدث عن نوعين ومفهومين لطبيعة السرقة: أحدهما ظاهر والثاني خفي (غير ظاهر)
فأما الظاهر فلا يحتاج إلى إجهاد الفكر للوصول إليه، بل هو لا يخفى على الجاهل الغفل، لأنه استعانة مباشرة لعبارة الشاعر ومعناه دون نقل أو تغير أو تعديل، وهذا النوع مستنكر ومستهجن لانعدام الفنية فيه ومن ثم لا يدخل في السرقة الفنية لانتفاء سمة الإبداع فيه.أما الخفي أو العميق فيتم إنتاجه بفعل مجموعة من القوانين التحويلية عبر عنها الجرجاني بمصطلحات مثل : القلب والنقل، تغير المنهاج والترتيب، الزيادة والتأكيد...إلخ. والسرق كلما كان على درجة كبيرة من الخفاء كلما عسر الوقوف عليه، فهو غير مُتبيّن إلا لمن حذق وتمرس بالصناعة الشعرية وكان له علم بالشعر ماهرا وذكيا فيه. ووفقا لهذا المفهوم، فإن القاضي الجرجاني لا ينكر على الشاعر المحدث\ اللاحق هذا النوع من السرقة مادام يمارس نوعا من حسن التصرف مع ما يأخذه من شعر القدماء. وعلى هذا الأساس، قام الجرجاني بضبط وتقنين السرقةبشكل يدعو فيه إلى حتمية التأثر والنقل والتداخل والتسرب في المعاني والألفاظ على السواء.