(المسموطه )
من آكلات اهل جنوب العراق
المسموطة من الفعل سمط ، وسمط يسمط والشيء المسموط بمعنى المطبوخ ، أي وضع في الماء الحار فتأثر لحمه ، وتأتي هنا نضج واستوى ، وأصبح جاهزا ً للأكل . والمسموطة غذاء اعتاد عليه الناس في جنوب العراق، كوجبة غذاء مهمة وذائعة الصيت في الأوساط الشعبية . تتفنن النساء في طبخها وإعدادها . حيث يجتمع على مائدتها أفراد العائلة وخاصة في أيام العطل كالجمعة ، إذ تتوفر الفرصة للقاء . وهي تحظى بالطقوس ، وجبة السمك الطري المشوي بواسطة ( التنور ) نفسها. إلا أنها تتطلب فقط ، تقديم أطباق من السمك المجفف والمطبوخ بعناية تامة يٌضاف إليها أرغفة الخبز الحار ورؤوس البصل ، الطري ( الأخضر ) أو الجاف . وهي تعد من الوجبات التي يـُكرّم بها الأعزاء من الأقارب والأصدقاء . وقد يتندر الأصدقاء ويراهنون بعضهم ، ويكون ثمن الرهان وجبة من المسموطة ، يدعى لها أولئك الأصدقاء .
ولعل الأسباب التي دعت إلى تجفيف السمك بهذه الطريقة ، هو جانب اقتصادي بحت ، بسبب وفرتها في الأسواق ورخص ثمنها . فالناس يتواصلون بتقديم وجبات السمك الطري ضمن وجباتهم الغذائية كمكمل للوجبة الواحدة وإعداده قليا ً بالدهن الحر، أو شيا بالتنور أو تطبيقا ً مع الرز وتسمى ( مطبكَـ سمج ) . وبسبب هذه الكثرة يعمد الناس إلى التجفيف ، لوقت يندر فيه السمك وهي مواسم وضع الأسماك بيوضها ما يمتنع الصيادون قليلا ً عن الصيد في الأنهار ، فيرتفع سعره ، مما يدفع الناس لتقديم السمك المجفف كبديل مؤقت . لكن سرعان ما ينتهي هذا الموسم ويبدأ موسم التكثير والمسمى بـ (الزرّة ) أي كثرة السمك في الأنهار متزامنا ً مع صعود مناسيب المياه. وأتذكر في خمسينيات القرن الماضي، زادت ( زرّة) السمك وكثـُرت مياه الأنهار ، فكنا نخرج إلى منطقة تسمى ( الموحية ) وهي بحيرة ماء تقع في طرف المدينة الشمالي ، تتزود بالمياه وقت الفيضان أو ازدياد منسوب الفرات . وهي عبارة عن بحيرة مترامية الأطراف ، مجاورة لنهر الفرات في مدينة الناصرية ، تأخذ مياهها من النهر ، كنا نخوض في مياهها التي تصل حد الركبتين . إذ نرى السمك يتزاحم بين أرجلنا صغارا ً وكبارا ً ، فما علينا إلا أن نمدَّ أكفنا إلى عمق الماء ، ممسكين بالسمك وممعنين النظر في حجمه . فإذا كان بحجم متوسط وضعناها في الكيس المصنوع من الخيش المخصص لذلك ، أي تكون السمكة المقبولة بطول ثلاثين سنتمترا ًعلى الأقل . وهكذا نجمع السمك عائدين به إلى بيوتنا ً ، حيث يؤكل بعضه ، والبعض الآخر تُنظّف بطونه وتـُغسل ثم يملح ـ أي يوضع عليه الملح ـ و يـُعلّق على الحبال أو الجدران لغرض التجفيف .
ويستمر هذا العمل لعدة أسابيع ، فتكون حصيلتنا من السمك الكثير الفائض عن الحاجة . وأتذكر في الخمسينيات ، زاد موسم ( الزرّة ) من السمك حتى وصل سعر السمكة بعشرة فلوس ، وعند عدم توفر الاستجابة للشراء خـُفّض السعر إلى خمسة فلوس . ولما لم تتوفر الاستجابة أيضا ًللسعر الجديد أعلن قرار توزيع السمك مجانا ً . ورغم هذا الإغراء في التقديم ، إلا أن الناس لم يستجيبوا لهذا النداء ، ما اضطر عمال البلدية إلى حمله بسياراتهم ورميه خارج المدينة وحرقه أكداسا ً خوفا ً من التلوث وانتشار الرائحة العفنة نتيجة تفسخ السمك . فقد كانت البيوت مليئة حبالها بالسمك ، كذلك الجدران سواء كانت من الطابوق أو الطين أو ـ الخص ـ وهو جدار يبنى من القصب والبواري ويُحفر له خندقا ً في الأرض ، يُثبت فيه كجدار . يترك الناس السمك حتى يـجف تماما ً ، بعدها يـُخزن في أكياس الطحين الكبيرة أو أكياس ـ الخيش ـ القابل للتهوية ويـُعلّق في زوايا البيت أو أركان الطارمات ليكون عرضة للهواء دائما ً .
في موسم الشتاء يـُقدِم الناس وجبات الطعام هذه سواء منفردة أو مع الوجبات الأخرى . وثمة مجموعة من الناس يـُجففون السمك لأجل المتاجرة به في المواسم ، حيث يطرحونه في الأسواق ضمن كل المواد المجففة كالبامياء والثوم والطماطة وغيرها . وبعضهم خصص له دكاكين للعرض . وهي ممارسة مازال الناس يعملون بها . وفي يوم من الأيام زرت الناصرية وتجولت في أسواقها وشاهدت كيف تعرض النساء بضاعتها من السمك المجفف ، على الطريقة التالية : بأن تطرح الكيس الحاوي للسمك إلى جانب بقية المواد المعروضة ، مع طرح أنموذج منها على ظهر الكيس . وهو عبارة عن أجساد لسمك كبير نسبيا ً يتخذ له هيئات مختلفة كالمنحوتات بعيون مفقوءة.
يـُجفف السمك على مختلف أحجامه ، حتى يشمل السمك الصغير ( الحرش ) بعد أن يـُنظـّف ويصنع منع قلائد بخيوط من الخيش وتشد نهاية الخيط ويُعلق على الجدران حتى يجف ، ثم يـُخزن في الأكياس . أما الصغار جدا ً منه ويسمى ـ الزوري ـ فيـُدمج مع عجين الطحين ويـُخبز كما هو طعام اللحم بالعجين الآن أو خبز باللحم
منقووووووووووول