التربية القانونية
المحامية شيرين خميس عثمان المعاضيدي
خير ما استهل به موضوعي هذا مما جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى ((ونفس وما سواها الهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها)).
حركة الحياة اليومية للمجتمع بما تنطوي عليه من تشابك للمصالح والحقوق بين افراد المجتمع تطلبت خضوع النشاط الانساني لقواعد تلزم الافراد اتباعها في حياتهم اليومية, وقد تكون هذه القواعد عرفية او قوانين وتشريعات وضعتها الدولة التي تحكم ذلك المجتمع. فالقواعد العرفية والقوانين بمختلف مراتبها التشريعية يتحتم على الافراد اتباعها والالتزام بها واحترامها, وياتي هذا الاحترام لعدة اسباب اما عن اقتناع بضرورة تلك القواعد والقوانين او خوفا من العقاب الذي يقرره القانون او خشية احتقار المجتمع لمن لم يلتزم بالقواعد العرفية.
لذلك فالقانون يعد ضرورة اجتماعية لاغنى عنها في اي مجتمع مهما كان مستوى تطوره. اذ ان القانون هو الذي ينظم العلاقات بين الدولة والافراد او بين الافراد فيما بينهم, وهو – اي القانون – اساس لكل تقدم واستقرار, ولهذا وجبت الاحاطة بأحكامه من جانب كل فرد في المجتمع ولا يقتصر امر الاحاطة به على المختصين بتطبيق القانون. ولهذا نجد ان الفقهاء المسلمين اهتموا بوضع المفاهيم الاخلاقية والدينية والنفسية ووضعوا المعايير التيتحدد المحاذير الشرعية التي يجب على الانسان المسلم معرفتها ليبتعد عن طريق خرق الاحكام الشرعية حيث بين الفقهاء المحاذير الشرعية التي تبعد الانسان عن خرق حدود الله ولاتوقعه تحت طائلة العقاب الدنيوي من حدود او تعازير او العقاب الاخروي الذي قرره الله تعالى لمنتهكي حدوده او من ظلموا اخيهم الانسان.
عرف الفقهاء المسلمون الجريمة ((هي فعل ما نهى الله عنه او عصيان ما امر به)) فالجريمة على وفق هذا المفهوم قد تشمل القيام بفعل حرمه الله تعالى او ترك امر اوجب الله تعالى القيام به. ولم تأت العقوبة في الشريعة الاسلامية السمحاء الا لمصلحة المجتمع واصلاح منتهك الاحكام الشرعية واعادة تاهيله ليعود فردا فاعلا مفيدا لنفسه وللمجتمع وبالتالي تخليص المجتمع من الاذى الذي يلحقه امثال هؤلاء به.
ولهذا نجد ان مفهوم العقوبة في الفكر الاسلامي يتجه نحو هدفين : تحقيق المصلحة العامة وحماية المجتمع تحقيق الزجر والاصلاح للمتهم ولغيره من افراد المجتمع مع ضمان العدالة بينما نجد ان الجريمة في القوانين العقابية الوضعية محددة بنص القانون ((اذ لاجريمة ولا عقوبة الا بقانون)) وقد عرف قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 الجريمة بأنها ((هي كل فعل او امتناع يجرمه القانون)) . من هذا المدخل اصل الى اهمية التربية القانونية والتثقيفبها , بل ان الثقافة بشكل عام مهمة في محاربة الجريمة وخرق القانون وقد قيل (( كل مدرسة تفتح يقابلها سجن يغلق)) , ونجد ان المشرع الروماني (بولين) كان قد قال ((ان كل شيء خال من العقيدة ذنب وان السلوك المضر يلحق مرتكبه ابتداءا قبل ان يلحق غيره )) ويقصد هذا المشرع بالعقيدة الايمان الاخلاقي والديني والايمان بالقيم الاجتماعية. ان جهل الناس بالقواعد القانونية يعد كارثة عظمى على المجتمع ولهذا نجد ان الفيلسوف اليوناني (افلاطون) يقول : ((الناس بدون قوانين لايختلفون عن أشد الحيوانات ضراوة ووحشية)) .
تتحدد مسؤولية الدولة في تنظيم حياة مواطنيها عن طريق التشريعات التي تحصن المجتمع وتحميه من خلال تلك التشريعات التي يجب ان تقوم على اساس العدل والمساواة . ولهذا كله ادعو لوضع مناهج تهتم بتعريف الطلبة اعتبارا من الصف الخامس الابتدائي بالمباديء القانونية بشكل مبسط تتضمن كل ما يهم الانسان في حياته اليومية تتناسب ومداركهم وتتفق ومفاهيم المجتمع والتطور المنشود .
ان العراق مهد اقدم الشرائع في تاريخ الانسانية , فقوانين لبت عشتار واور نمو وحمورابي علمت البشرية معنى القانون واهمية وجوده في الحياة الانسانية المتمدنة , ولهذا فأن البلد الذي كان مهد تلك الحضارة ليس بكثير عليه اليوم ان يعيد تلك النهضة القانونية بما ينسجم وحاجات اليوم , اذ في ذلك تحصين للمجتمع من الجريمة وتعليم لاهمية الالتزام بالقانون بأعتباره معيار التطوروالطريق الوحيد لسلوك انساني يبعدنا عن الغابة ومفاهيمها . ان اشاعة الثقافة القانونية وتبسيط المفاهيم القانونية يؤدي لغرس تلك المفاهيم في عقول صغارنا فيتعرفوا على اهمية القانون في الحياة واهمية تحقيق العدالة . ان هذا الطريق سيخلق لنا جيلا مثقفا ثقافة قانونية عارفا المنطق القانوني السليم تحركه قيم روحية واخلاقية وانسانية نبيلة سامية, لتكون النزاهة جزأ لصيقا بنفوسهم وعقولهم وافكارهم ((فالتعليم في الصغر كالنقش على الحجر)), وكما قال المرحوم الدكتور نشأت ابراهيم ((القانون هو الذي يوسع الادراك ويهذب المشاعرويصقل السلوك الاخلاقي وينمي روح الابداع والابتكار)) فالمعرفة القانونية تعطي للفرد ذخيرة في كيفية معرفة حقوقه وواجباته وكيف يؤدي واجبه الوطني كفرد في المجتمع ويدافع عن حقوقه في حالة انتهاكها . لقد اضحت الثقافة الانونية ضرورة حياتية ملحة لكل مواطن .
فالقانون هو حصن الناس الذي يتحصنون به للابتعاد عن طريق الشر والرذيلة بما يحقق السكينة العامة ويحفظ النظام العام ويقي المجتمع من الجريمة ومن النزاعات التي تهز كيانه . اكرر دعوتي لادخال تعليم القانون كمادة اساسية في المناهج الدراسية لمختلف المراحل الدراسية من الصف الخامس الابتدائي صعودا الىنهاية الدراسة الاعدادية, بل ادعو لتدريس القانون في بعض الكليات التي هي على تماس بحياة الناس مثل كلية الطب لكييعرف الطبيب مسؤوليته القانونية عن اخطائه المهنية كما يعرف المهندس تلك المسؤولية. ان مجتمعنا لايخلوا من القانونيين المبدعين الذين عركتهم التجارب واختزنوا الخبرات التي تؤهلهم لنقلها لطلبتنا املنا في مستقبل واعد .