ميراث المرأة من ذوي الأرحامبعد أن ذكرنا في المطالب السابقة حالات ميراث المرأة عندما تكون صاحبة فرض اقره القرآن الكريم وعلى وفق ما أشرت إليه ، لكن توجد حالات اختلف فيها فقهاء المسلمين ولم يعالجها النص القانوني النافذ ، وهذا انعكس على حقوق المرأة، لأنها أصبحت رهينة الاجتهاد، فترى قرار قضائي يحكم باتجاه تعضيد حق المرأة، وفي قرار آخر ينقص حقها ولحالة واحدة، وفي تطبيقات القضاء العراقي حالات تصدى لها في تفسير النص باتجاه تعضيد حقوق المرأة وسأعرض لحالتين صدرت فيها أحكام قضائية من القضاء العراقي وعلى وفق ما يلي: ـ
القاضي سالم روضان الموسوي
أ-عندما يتوفى شخص ويترك أبناء وبنات أخ أو أخت، فان القانون العراقي لم يتطرق إلى تلك الحالة، وإنما تركها إلى ما كان معمول به قبل نفاذ قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل ، بمعنى الرجوع إلى الأحكام الفقهية للمذاهب ، وفي إحدى الحالات توفى رجل وترك ابن أخت وبنت أخ فقط، فصدر القسام الشرعي الذي ورث الذكر (ابن الأخت) سهمين والأنثى (بنت الأخ) سهم واحد على قاعدة للذكر مثل حظ الأنثيين وتم الاعتراض على ذلك القسام أمام أحدى المحاكم التي كنت أتولى القضاء فيها ، فأصدرت قرار يقضي بمنح البنت ضعف الذكر على وفق مسوغات قانونية وشرعية استنبطتها المحكمة من خلال آراء فقهاء المسلمين والأخذ بالتفسير المتطور تجاه إنصاف المرأة، الذي يشكل أهم المبادئ التي نادت بها الشريعة الإسلامية السمحاء[43].
ب-وفي حالة وفاة امرأة تركت من بين ورثتها عمة وأبناء عم وهم على المذهب الحنفي ، فان فقه المذهب المذكور يأخذ بنظام العصبات بمعنى ان الذكر يعتبر عصبة حيث تعرف كلمة عصبة الرجل في اللغة هم بنوه وأقاربه ومأخوذة من عصب القوم بفلان عصبا إذا أحاطوا به ، وتنقسم العصبة إلى قسمين الأول عصبة نسبية وهي ما كانت من جهة القرابة الحقيقية مثل الابن والأب أي بنت الابن ترث، لأنها ترتبط بالمتوفى عن طريق الابن والثاني عصبة سببية وهي ما كانت من جهة القرابة الحكمية الآتية من العتق وهذا النوع من العصبات اندثر ولم يبق منه إلا ما موجود في كتب التراث[44] فإذا اجتمع مع أنثى ذكر فانها اما ترث معه بالتعصيب اذا كانت تدلي الى المتوفى بذكر مباشر او انها تحجب لكونها ليست بعصبة ، هذا على مستوى الفقه الاسلامي اما المشرع العراقي فانه خص نص المادة (89)على الوارثون وجعلهم في مراتب ففي المرتبة الاولى الابوان والأولاد وان نزلوا وفي الثانية الجد والجدات والأخوة والأخوات وأولاد الأخوة والأخوات والثالثة الأعمام والعمات والأخوال والخالات وذوي الأرحام .
وكان يفهم من هذا النص أن المذكورين في المرتبة الأولى يحجبون منهم في الثانية وهكذا لكن محكمة التمييز وبعض شراح قانون الأحوال الشخصية فسروا النص بطريق مختلف واعتبروا إن المادة (90) من ذات القانون أعادت العمل بما كان عليه قبل نفاذ قانون الأحوال الشخصية وفي مبررات ساقها من اعتنق هذه الفكرة وصدرت قرارات من الهيئة العامة في محكمة التمييز التي تعتبر أعلى جهة قضائية في العراق تؤيد ذلك المسعى وان كان هناك قرار أو قرارين اتجها نحو الأخذ بفكرة المرتبة الأولى تحجب ما يليها لكن تم الرجوع عن تلك القرارات ، ومن تطبيقات القضاء الحديثة قرار لمحكمة الأحوال الشخصية في حي الشعب التي أتولى القضاء فيها في الوقت الحاضر، حيث أصدرت قراراً بان اعتمدت على مسوغات قانونية في تفسير نص القانون باتجاه أنصاف المرأة من حيث إعطائها حقوقها كاملة غير منقوصة ، وملخص القضية بان توفت امرأة وتركت عمة وأولاد عم وهم على المذهب الحنفي فان فقه المذهب الحنفي لا يورث العمة لوجود العصبات الذكور أبناء العم، إلا إن نص القانون إذا فسر باتجاه اعتبار أخذه بنظام الطبقات أو المراتب فإنها سترث وتحجب البقية حتى وان كانوا عصبة وهذا القرار أثار ضجة في الأوساط القانونية والفقهية وهو الآن محل نظر وتدقيق من قبل الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية، واعتقد إن الأجواء السائدة في محكمة التمييز تميل إلى نقضه والعودة إلى ما استقر عليه العمل باعتماد العمل على وفق المذهب الذي تدين به المتوفاة وحجب العمة من الإرث كونها ليست عصبة وأرفق نص القرار طي الدراسة لتعميم الفائدة[45] .