إشكالية نص المادة 89 من قانون الأحوال الشخصية
القاضي سالم روضان
عندما صدر قانون الأحوال الشخصية عام 1959 كان محطة متقدمة في طريق النهوض بواقع المرأة والأسرة واعتمد القانون على التفسير المتطور للشريعة الإسلامية واخذ من مجموع المذاهب التي تنسجم وروح العصر ، إلا أن عدم النص على ما ورد فيه تجاه حصة المرأة في الإرث، فتح الباب نحو الاجتهاد القضائي بالرجوع إلى فقه المذاهب التي كان العمل سائدا بها قبل نفاذه ورجع القضاء بهذا التطور إلى الوراء بدلا من التقدم نحو الأمام، ففي بعض القرارات التي صدرت اعتبر القانون بأنه قد اخذ بمبدأ الطبقات بمعنى إن الورثة من الطبقة الأقرب إلى المتوفى يحجبون البقية ممن هم في الطبقة الأدنى، بدون التفريق بين أعضاء هذه الطبقة سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، ثم رجع القضاء عن هذا المبدأ باعتماد ما كان سائد في فقه المذاهب ، بان تقسم تركة المتوفى على وفق المذهب الذي يعتنقه ، فإذا كان على المذهب الجعفري يتم العمل بمبدأ الطبقات، أما إذا كان على المذهب الحنفي فان التركة تقسم على وفق مبدأ العصبات الذي يمنع المرأة أحيانا من الإرث، حتى وان كانت تتساوى مع الوريث الأخر الذكر في طبقة واحدة ، وبطبيعة الحال كل فقه له من المسوغات الشرعية التي يعتقد بصحتها، وهذا التباين ناجم عن القراءات المختلفة للقضاء فكل قاض يفسر النص باتجاه ينسجم ومخزونه المعرفي وفي قرار لمحكمة الأحوال الشخصية الذي ذكر في الهامش 45 من هذه الدراسة أشارت إلى مفهوم التفسير للنصوص القانونية وذلك على وفق ما ورد في نص القرار ( ومن خلال الرجوع إلى أحكام القانون النافذ تجد المحكمة إن المادة (89) من قانون الأحوال الشخصية النافذ ، جاء في صدرها ما يلي (الوارثون بالقرابة وكيفية توريثهم ) ومن ثم حددت هؤلاء الوارثين وجاء في البند (3) من تلك المادة (الأعمام والعمات والأخوالوالخالات وذوي الأرحام ) وهؤلاء من المرتبة الثالثة في تسلسل المادة (89) وهم الذين ينتمون إلى جد المتوفاة وهم الأعمام والعمات والخالات على الإطلاق، ويستدل من هذا القول إن المشرع العراقي كان يقصد وضع النص بصيغته الحالية وانه قد اختار الكلمات بعناية مقصودة وليست عارضة، حيث أشار إلى ترتيب الأقارب بمراتب وكل مرتبة حدد فيها مجموعة منهم ، وجعل المذكورين في المرتبة الأولى هم الأقوى من المرتبة الأخرى وهكذا وجعل كل من ذكر في المرتبة وارث مع الأخر وعلى وفق الأقوى والأقرب هو الذي يرث المتوفى ومن ملاحظة المواد القانونية التي تنظم المواريث في الباب التاسع المواد (86-91) كان المشرع واضح القصد في وضعه لمفردة القرابة وليس العصبات، ويرى المختصون في تفسير النصوص بان صيغة النص يقصد بها التعبير بالألفاظ عن الصور الذهنية وهي المعاني، فاللفظ هو القالب الذي يتجسد فيه المعنى المراد إيصاله .

وحيث إن القاعدة القانونية من صفاتها العموم فان اللفظ في النصوص القانونية تكون عامة لجميع الأفراد . كما يرى بعض الفقهاء (ما من عام إلا وقد خص)[49] والمراد بذلك قصر العام على بعض ما تناوله اللفظ المعبر عن إرادة المشرع) ،وهذا الأمر أدى إلى التمييز بين النساء المسلمات من مذهب إلى آخر . وهو ما يتعارض مع المبدأ الدستوري بالمساواة بين المواطنين الوارد ذكره في نص المادة (14) من الدستور النافذ[50].