المرأة والوصية الواجبة ا
لقاضي سالم روضان
في هذه الفرضية فإن الزوجة التي يتوفى زوجها قبل والده ثم يتوفى ذلك الوالد، لا ترث شيء على اعتبار إنها ليست من ورثة والدا زوجها المتوفى قبل أبيه وان الرابطة منقطعة بينهم، والقاعدة الفقهية والقانونية إن الحي يرث الميت فقط ، وهذه القاعدة لا تورث حتى الأحفاد، إذا كان أبيهم متوفى قبل جدهم ، وهو مذهب جميع أهل الفقه في المذاهب الإسلامية، ووجد المشرع العراقي مثل بعض القوانين العربية وجوب الأخذ بمبدأ الوصية الواجبة لهؤلاء الأحفاد وهو رأي يتيم لفقه المذهب الظاهري دون بقية المذاهب، فأخذ به المشرع العراقي وهو مسعى محمود لصيانة حقوق الأحفاد من ضرر لحق بهم جراء قدر من السماء لم يكن لهم فيه يد، وعلى وفق نص المادة (74) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل[46].
وبذلك حفظ حقوق هؤلاء الأحفاد سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً وبمقدار حصة أبيهم المتوفى قبل والده لكن على أن لا يتجاوز حدود الثلث، أما والدة هؤلاء الأحفاد فلا تستحق من هذه الوصية شيئاً ، وعند الوقوف على مسوغات تشريع هذه المادة وهو لإنصاف الأحفاد ، والسند الشرعي لفقهاء المذهب الظاهري في التأسيس لها هو نص الآية الكريمة(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ)[47]، كما إن بعض فقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا الوصية الواجبة، بأنها الوصية التي تفرض للوالدين و الأقربين الذين لا يرثون لمانع أو لحاجب[48]، ومفسري تلك الآية لم يحددوا بان الأقربين هم الأحفاد فقط، بل ورد في تفاسير الطبري وابن كثير والقرطبي ، إن الأقرباء الذين لم يرثوا هم الأقربون المشار إليهم في نص الآية الكريمة، وإنما تأويل النصوص القرآنية وتفسيرها هو الذي حصر ذلك بالأحفاد ، والسؤال الذي ينهض لماذا تحرم أم الأحفاد من الشمول بهذا الحكم الوارد في المادة (74) من قانون الأحوال الشخصية ، وهي زوجة الابن المتوفى قبل أبيه، وهي ترث من زوجها ابن الجد المتوفى،خصوصا إذا ما امتنعت عن الزواج وبقيت على رعاية أولادها وليس لها معيل أو مورد مالي ، وارى إن ذلك يشكل تمييزاً سلبياً تجاه المرأة في هذا الوجه من أوجه استحقاقها في الإرث ، ولا يشكل خللا شرعيا لان المشرع العراقي اخذ به لكونه تلمس المصلحة العامة وكذلك في حال ميراث البنت الواحدة والأخت الشقيقة وعدد مرات الطلاق وغيرها مما جاء في نص القانون المذكور ، وهذا المسعى لا يعد مخالفة للأحكام الشرعية على وفق ما يرى البعض لان هذه الأحكام من المسكوت عنها في القران والسنة، واختلف فيها فقهاء المسلمين مما يتيح لولي الأمر المتمثل بالمشرع الذي يصدر القوانين المنظمة للحياة العامة في البلاد أن يختار ما يراه مناسباً لمتطلبات الحياة وظروف تطورها، وفي رأي للمحكمة الدستورية العليا في مصر بقرارها المرقم 201 لسنة 2002 عند تصديها للطعن بعدم دستورية قانون الخلع المصري رقم 1 لسنة 2000 وكان الطاعن يرى انه يخالف الأحكام الشرعية ، ورد الطعن وكان من بين هذه الحيثيات التي بررت بها دستوريته هو سلطة ولي الأمر في أن يختار ما يراه مناسباً من الأحكام الفقهية وعلى وفق ما يلي ( لا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها فهذه الأحكام وحدها هي التي لا يجوز الاجتهاد فيها إذ تمثل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً. ومن غير المتصور بالتالي أن يتغير مفهومها تبعاً لتغير الزمان والمكان. وعلى خلاف هذا، تأتى الأحكام الظنية سواء في ثبوتها أم دلالتها أم فيهما معاً.
فهذه الأحكام هي التي تنحصر فيها دائرة الاجتهاد، ولا تمتد إلى سواها، حيث تتغير بتغير الزمان والمكان لضمان مرونتها وحيويتها، وعلى أن يكون هذا الاجتهاد واقعاً في إطار الأصول الكلية للشريعة الإسلامية بما لا يجاوزها، متوخياً تحقيق المقاصد العامة للشريعة بما يقوم عليه من صون الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

ولئن جاز القول بأن الاجتهاد في الأحكام الظنية حق لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتاً لولى الأمر يستعين عليه في كل مسألة بخصوصها، وبما يناسبها بأهل النظر في الشؤون العامة. وأية قاعدة قانونية تصدر في هذا الإطار لا تحمل في ذاتها ما يعصمها من العدول عنها وإبدالها بقاعدة جديدة لا تصادم حكماً شرعياً قطعياً، وتكون في مضمونها أرفق بالعباد، وأحفل بشئونهم، وأكفل لمصالحهم)، ومن ذلك العرض نأمل أن يلتفت المشرع العراقي ليكون صاحب السبق في إنصاف المرأة ، وإدخالها مع المشمولين في أحكام الوصية الواجبة بمقدار حصتها الأرثية في حصة زوجها بما لا يتجاوز الثلث من تركة والد الزوج المتوفى.