تعديل قانون الخدمة الجامعية رقم (23)لسنة 2008
المحامية شيرين خميس عثمان المعاضيدي
التشريع في عصرنا الحاضر وسيلة مهمة من وسائل تطوير الأنظمة القانونية بل يعتبر اليوم أهم الوسائل في إنشاء القوانين الجديدة الراقية التي تنسجم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية ومتطلبات الحياة وروح العصر وتطوير قواعد القانون يعتمد على معرفة النظم القانونية التي أثبتت التجربة صلاحها لدى المجتمعات المتقاربة حضارياً مع مجتمعنا . المشرع يسن قانوناً جديداً بالكامل فهو حين يسن القانون ليس بوسعه مهما كان بارعا لا يستطيع أن يتنبأ ليسن قواعد قانونية جديدة خالية من كل نقص وليجد لكل قضية حلاً مناسباً .فالتشريع وسيلة فعالة ومباشرة لتحقيق العدالة التي تعتبر مصدراً أساسيا من مصادر الأحكام القانونية الخاصة والعامة وتعد عاملا من أهم عوامل تطوير القوانين. علم التشريع يهدف إلى تنظيم مظاهر الحياة في المجتمع نحو الأفضل وذلك بتطوير الأنظمة القانونية بواسطة السلطة التشريعية التي تمتلك حق التشريع وتطوير القوانين . واجب المشرع الشرعي والقانوني والأخلاقي والحضاري والإنساني مراجعة القوانين السابقة وتكييفها وفقاً لأحكام الدستور يعتمد على معرفة النظم القانونية ويتطلب أن يكون صانع القوانين ملماً بقواعد الفقه الإسلامي وعلوم اللغة العربية في النحو والصرف والبلاغة وعلم المنطق وفن الصياغة يتطلب إلغاء النصوص التشريعية الخاصة بالنصوص الملغاة بما ينسجم وأحكام القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 استناداً لنص المادة (10) منه، تعتبر النظم القانونية في الدولة الديمقراطية مطلباً أساسياً في جميع الدول رغم اختلافاتها في نظمها السياسية والاجتماعية ورغم تباينها في سلم التقدم والرقي الاجتماعي . الدولة أياً كانت تهدف اعتيادياً إلى أن تكون قراراتها وسياساتها وخططها مصاغة على أسس علمية عصرية ومنفذة بصورة دقيقة حيث أن ضمان تحقيق ذلك يعني ضمان تحقيق أهداف الدولة وتنفيذ سياساتها. الدولة القانونية عرفها الفيلسوف الألماني (ميركه) (هي التي تخضع نفسها للقانون فهي ليست تلك التي تسمو على القانون وتضع نفسها فوقه) وهذا ما يعبر عنه بمبدأ المشروعية الذي يعني خضوع جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وما تباشره من أوجه نشاط مختلفة لمبدأ سيادة القانون. أما الأستاذ (روبيه) فإنه يحدد اهداف القانون بأكثر من هدف واحد فأهداف القانون عنده ثلاثية: (الطمأنينة القانونية والعدالة والرقي الاجتماعي).
[FONT=`Simplified Arabic`] لقد أصاب احد فقهاء الغرب حين قال: (لا يمكنك أن تصنع القانون صنعاً ولكن عليك أن تبذره فهو ينمو مع الزمن يجب أن تكون أحكام القانون عادلة ومنطقية وموافقة للعقل.) إن الأساتذة الجامعيين يعدون مفخرة في نشر العلم بل ترقيته، إن رقي الأمة يقاس برقي أساتذتها ومفكريها وعلماءها وباحثيها، فالمهمة الملقاة على عاتق الأساتذة الجامعيين شاقة ودقيقة وحساسة وخطرة فإذا قارنا المهام (الواجبات) التي يقوم بها الأستاذ مع الراتب الأسمي (الأساسي) الذي يتقاضاه نجد انه لا مجال للمقارنة والقياس مع هذه المهام الجسام التي لا يمكن أن تقدر بثمن فالأستاذ هو الذي يجمع بين وظيفتي التعليم والبحث العلمي يجب أن يكون قادراً على أدائهما معاً . فإن الاتجاه المعاصر في تدريب الأساتذة الجامعيين يميل إلى إعدادهم ليكونوا معلمين وباحثين في وقت واحد والى منحهم رتباً علمية تنطق بجدارتهم وكفاءتهم ومقدرتهم على الجمع بين هاتين المهارتين اذ يهدف التعليم العالي إلى نشر العلم الراقي بين نوابغ الأمة وعباقرتها بقصد إعدادهم لخدمة الأمة فالهدف من هذا التعليم هو إعداد القيادات الفكرية في مختلف نواحي الحياة ليديروا البلاد ويسيروا إلى الإمام لتشييد صرح العلم وبنيانه. إن التعليم العالي شيء مقدس قد أسبغت عليه صفات هائلة وممتازة لان البحث عن العلم للعلم وأعداد الشباب لهذا الهدف الخالص الطاهر المقدس فلا يقتصر واجب الأستاذ على نشر العلم بل ترقيته وتقوم هذه الترقية على الأبحاث والدراسات المعمقة التي يجريها الأساتذة والطلاب بغية المساهمة الفاعلة في تعزيز التراث الثقافي والحضاري لان التعليم في جميع فروعه في تطور مستمر وكل يوم يمر تصدر كتب وتظهر نظريات ويتوصل إلى اكتشافات (اختراعات) جديدة ويبرز علماء. التدريس الجامعي بمستوياته المختلفة يشكل النواة الأساسية للمفكرين والموهوبين والمبدعين واللامعين والعلماء والفلاسفة فإن مهنة التعليم من اشرف المهن ومن أعظم الوظائف العامة في الدولة إنها وظيفة الأنبياء والرسل وهي رسالة ولذا فإن الممارس لها لابد أن يكون على وعي وإدراك بعظمة هذه الرسالة وسمو قدرها وعلو منزلتها شواهدها القرآن الكريم بقوله جل قدرته تعالى (شهد الله انه لا اله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط)[FONT=`Simplified Arabic`] بدأ سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بأهل العلم وناهيك بهذا الشرف والفضل والنبل وصدق الرسول العظيم المعلم الهادي محمد (ص) (مثل الذي يعلم الناس وينسى نفسه كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه) إن الأستاذ الغارس الذي يغرس في الأمة سمو الخلق وحسن التربية ونور العلم والمعرفة. وقول الإمام علي (ع) (اعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه) وفي هذا الصدد يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق (تشرشل) (بريطانيا مستعدة للتنازل عن عظمتها وجبروتها وتاريخها الطويل بالفتوحات والحروب ولكنها غير مستعدة للتنازل عن قصيدة واحدة لشكسبير). ويقول الأستاذ الفيلسوف الشهير (فرانسوا دي) (لو وضعت كل تيجان أوربا تحت تصرفي على أن أتخلى عن كتبي ودراساتي لركلت التيجان ووقفت بجوار كتبي) ويقول الأستاذ (رونبص) (التفكير الخلاق يستطيع أن يقلب وجه العالم وهو الذي يرفع الإنسان من أسفل دركات الجهل والهمجية إلى درجات العلم والمدنية) ويقول الأستاذ (بارتويني) (بدون الكتب يصمت الضمير وتنام العدالة وتقف الطبيعة جامدة وتعرج الفلسفة وتصاب الآداب بالصميم وتطوي الظلمة سائر الأشياء) فالكتب كالمنارات العالية في بحار العلم الواسعة تشع الضوء في كل اتجاه والكتب هي مخازن المعرفة وهي معدات الذكاء لها طاقة هائلة على التخزين فان الكتب تحوي في طياتها عصارة أفكار العباقرة والفلاسفة والأستاذ الجامعي يشعر بسعادة عالية لا مثيل لها عندما يضع يده على كتاب نادر أو نسخة فريدة تلمع عيناه في أشد الأماكن ظلمة. إن تكريم الأساتذة الجامعيين والاهتمام الجدي بهم ورفع مستواهم المعيشي وتعزيز ألقابهم العلمية الرفيعة في كيان الدولة يؤدي الى رفعة شان العلم وعلو مكانته . ورائعة كلمات الأستاذ محمود علي الداود – أستاذ القانون الدولي الخاص المنشورة في مجلة التشريع والقضاء حين قال بشأن قانون الخدمة الجامعية : (إن أول ضحايا هذا القانون هم الصفوة من النخب العلمية من الكفاءات العلمية المتميزة فالكثير منهم يحملون ألقاباً رفيعة جداً ويشار إليهم بالبنان في المحافل العلمية عراقياً وعربياً وعالمياً وذنبهم الوحيد إنهم خدموا بلدهم لعشرات السنين ولكنهم لم يخدموا (25) سنة كاملة في التعليم العالي علماً إنهم الآن يحتلون مراكز مرموقة في الجامعات وقد منحوا من قبل هذه الجامعات ألقاباً علمية رفيعة) إن الحياة الجديدة تتطلب نظماً جديدة فمن الحق علينا أن نساير التطور الاجتماعي وأن نقتبس من نظم العالم وقوانينه ما يصلح لنا ونحتاج إليه في إسعاد الأساتذة الجامعيين الكرام رافعين اسم العراق عالياً في المحافل الدولية بما يحملونه من ألقاب علمية وأبحاث راقية ومنهم من منح لقب أستاذ متمرس وهي أعلى درجة علمية تمنح بعد الأستاذية وتوطيد حياتهم على أساس العدل الاجتماعي ولقد أصاب الأستاذ الكبير المرحوم عبد الرحمن البزاز – عميد كلية الحقوق سابقاً حين قال: (فمن قيم وخلق الرجولة الجرأة في الحق وصدق المشورة والتمسك بالعدل إلى أقصى حدود التمسك والصلابة في الحق والصدع بالعدل دون وجل أو محاباة كونوا قوامين على الحق ما حييتم وأمنوا به والله هو الحق ولا تأخذكم بالحق لومة لائم إن الذي يقيم الحق ويعلي لواءه قبل كل شيء دعاة الحق ورواده . ) نسال الله أن يهبنا جميعاً جرأة في نصرة الحق.[/FONT] [FONT=`Simplified Arabic`]خلاصة القول:[/FONT] [FONT=`Simplified Arabic`]1. [FONT=`Simplified Arabic`]إعداد سلم رواتب جديد للأساتذة الجامعيين يتناسب ويتلائم مع جهودهم العلمية في نشر العلم بل ترقيته اذ من المؤلم حقاً ان ساوى المشرع بين حملة شهادات البكالوريوس وحملة الشهادات العليا (الماجستير والدكتوراه) وحملة (الألقاب العلمية) وقيل قديماً (رتبة العلم أعلى الرتب) بشمولهم بقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 التي نصت المادة (9) – ثانياً – (يستمر منح الموظف في المرتبة (11) من الدرجة الأولى علاواته السنوية بما لا يتجاوز راتب الحد الأدنى للدرجة العليا (ب) . ) ان المشرع لم يكن موفقاً بإخضاع الأساتذة الجامعيين لسلم رواتب موظفي الخدمة العامة . ان القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة (1951) بموجب أحكام المادة (7) منه حرم التعسف حتى في استعمال الحق. ويقول الفيلسوف الفرنسي الشهير (بلانيول) (ينتهي الحق حين يبدأ التعسف) وهذا ظلم وإجحاف وغبن وطغيان وتسلط وتعسف نقترح شمولهم بجدول وظائف ذات الدرجات الخاصة (أ) لمن يحمل لقب أستاذ متمرس وأستاذ والدرجة العليا (ب) لمن يحمل لقب أستاذ مساعد تكريماً لجهودهم العلمية.[/FONT][FONT=`Simplified Arabic`][/FONT][/FONT] [FONT=`Simplified Arabic`]2. [FONT=`Simplified Arabic`]إعداد مشروع قانون تقاعد جديد للأساتذة الجامعيين المستمرين في الخدمة والمحالين إلى التقاعد بغية توحيد تلك التشريعات المتناثرة وإلغاء ذلك التمييز لتحقيق الإنصاف والعدالة للأساتذة الجامعيين الذين أحيلوا إلى التقاعد في فترات سابقة تقديراً وتكريما لجهودهم العلمية واحتراماً لألقابهم العلمية.[/FONT][FONT=`Simplified Arabic`][/FONT][/FONT] [FONT=`Simplified Arabic`]3. [FONT=`Simplified Arabic`]أهمل المشرع بالكامل الألقاب العلمية للأساتذة الجامعيين عبر مسيرتهم الجامعية في القانون رقم (23) لسنة 2008 كما اغفل قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم (40) لسنة 1988 ذلك حين حدد في نص المادة (24) لسنة 1988 الهيئات التدريسية في الجامعات الأساتذة والأساتذة المساعدين والمدرسين المساعدين والمدرسين واغفل أهم وأعلى مرتبة علمية بعد الأستاذية هم الأساتذة المتمرسين وهذا نقص تشريعي واضح . إن الفقرة (2) من المادة (38) من قانون الوزارة منعت المحاكم من النظر في دعاوي منح الألقاب والشهادات العلمية والفخرية . وحين صدر القانون رقم (17) لسنة 2005 القاضي بإلغاء النصوص القانونية والقرارات التي تمنع المحاكم من سماع الدعاوى عدا القوانين والقرارات المتعلقة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والضرائب استناداً لأحكام المادة (3) منه التي نصت – (تستثنى قوانين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية والضرائب من هذا القانون) وهذا المنع والاستثناء يتعارض مع أحكام الدستور العراقي لسنة 2005 في نص المادة (13) – ثانياً – (لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الأقاليم، أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه) ونصت المادة (19) – ثالثاً – (التقاضي حق مضمون ومكفول للجميع) ونصت المادة (100) (يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن) تمثل القوانين المرتبة الثانية للدستور من حيث تدرج القانون لذا يجب أن يتقيد القانون بإحكام الدستور ولا يخالفها وإلا عُد القانون باطلاً وغير دستوري، إن العبرة ليست بالدستور بل بطريقة تنفيذه. القضاء المظهر العملي للقانون فهو التطبيق الحي للقانون وطغيان الشكل على الحق فيضيع الحق بسبب الشكل فلا يجوز إصدار قوانين تسلب من الأساتذة الجامعيين حقهم في التقاضي وتمنع سماع دعاواهم أمام المحاكم نقترح تشكيل لجنة عليا مختصة في مختلف الاختصاصات العلمية من كبار حملة الألقاب العلمية كالأساتذة المتمرسين والأساتذة مشهود لهم بالكفاءة والجدارة والعفة والنزاهة والمهنية والحيادية والأمانة العلمية في تقييم البحوث العلمية تعتمد على ضوابط ومعايير وشروط تحددها الوزارة لكي لا يضيع الحق. اذ من وظائف الوزارة الأساسية إقامة العدل بين الأساتذة بحيث يتمكن كل أستاذ من الوصول إلى حقه.[/FONT][/FONT]
[/FONT][/FONT]