ا لإمام علي الهادي ،
هو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت ، ولد سنة 212ﻫ واستشهد سنة 254ﻫ وعمره الشريف 42 سنة. هذا الإمام العظيم تعرض إلى محنة قاسية هي ضغوط السلطات الظالمة المستبدة، فالإمام نقل من المدينة المنورة حيث ولد، وحيث كان يعيش، وكان الناس يستفيدون من علومه ومعارفه، لكن المتوكل العباسي نقله سنة 234ﻫ من المدينة إلى سر من رأى (سامراء اليوم)، التي كانت عاصمة لخلافته ، عشـرون سنة عاشها الإمام تحت الإقامة الجبرية، مطوقاً بالأجهزة الأمنية للحاكم، وتحت إشرافه، ممنوعاً من الاتصال بقواعده ومحبيه، لم يكن هذا الوضع سهلاً، فمن الصعوبة بمكان أن يعيش الإنسان في إقامة جبرية لا يخرج ولا يدخل عليه أحد إلا بعلم السلطان، كما أن القواعد الشعبية تتأثر بغياب القائد الموجه لحركتها.

في هذه العجالة نريد أن نسلط الضوء على جانب مما تعرض له الأئمة من الوشاة، نحن نعلم أن السلطات الحاكمة آنذاك كانت سلطات مستبدة ظالمة، تريد من الناس الخضوع لها، وتريد من العلماء والفقهاء وشخصيات المجتمع أن يبثوا في الناس ثقافة الخضوع والخنوع ، لكن أئمة أهل البيت ما كانوا ليسمحوا لأنفسهم أن يقوموا بهذا الدور, بل على العكس من ذلك فما عندهم من معارف دينية كانت تنبه الناس، وترشدهم إلى حقوقهم، وإلى ما يجب أن تكون عليه حياتهم السياسية والاجتماعية، وهنا محل التناقض بين السلطات، وبين أئمة أهل البيت ، الأئمة لم يكونوا طلاب سلطة، ولا طلاب مناصب، كانوا يعملون على نشر الوعي والمعرفة وتربية الناس على تعاليم الدين، وما كانوا متوجهين بشكل أساس للصدام السياسي مع السلطات، كان يمكن للسلطات أن تقبل من الأئمة مثل هذه الحالة بشكل أو بآخر، وبعض الحكام قبل بهذا الأمر، لكن الوشاة كان لهم دور آخر، كان هناك من يحرِّض الحاكمين على الأئمة، يكتبون التقارير، ويقدمون الوشايات، ويخوّفون الحاكم، ويثيرون القلق في نفسه تجاه الإمام، طبعاً احتراف الوشاية والتحريض أمر موجود على المستوى السياسي في كل العصور والأزمنة الى يومنا هذا والى نهاية العالم، حتى أننا نجد في أزمنتنا من يحترف التحريض على الآخرين، إما بسبب الحسد والمنافسة، أو الحصول على الأطماع والمكاسب، أو بسبب الحقد لتغاير الرأي والاتجاه، لهذا نقرأ في سيرة الأئمة أنهم عانوا من مثل هذا الأمر. ينقل التاريخ أنه في عهد الإمام موسى الكاظم كان من أشدّ الوشاة والمحرضين عليه هو ابن أخيه: (علي بن إسماعيل بن جعفر)، هذا الرجل كان له توجهات مصلحية، دخل على هارون الرشيد، وقال له: ما ظننت أن في الأرض خليفتين حتى رأيت عمي موسى بن جعفر يسلّم عليه بالخلافة، وإن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب.علي بن إسماعيل بن جعفر، ابن أخ الإمام!! ومع ذلك يقوم بهذا الدور القذر، الحاكم في حدِّ ذاته منزعج من وجود الإمام، لأن الإمام لا يخضع له، ثم تأتيه هذه الوشاية فيكون لها دور التحريض على الانتقام من الإمام.وكذا نقرأ في سيرة الإمام الهادي ، كيف أن عبد الله بن محمد الذي أقامه المتوكل في يثرب واليًّا على إقامة الصلاة، وسائر الشؤون الحربية، أثاره التفاف الناس حول الإمام علي الهادي، فكتب إلى المتوكل يحذّره من خطر الإمام على حكمه, لكن الإمام الهادي كتب رسالة إلى المتوكل لتطمينه، وأنه لا يريد له وللسلطة أي سوء. وفي ذلك درس لضرورة الانتباه لدور المحرضين وإفشال مسعاهم. وقد ذكر المسعودي في مروج الذهب ج 4 ص 11 أنه: «سُعي بأبي الحسن علي بن محمد إلى المتوكل، وقيل له: إن في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، فوجّه إليه ليلاً من الأتراك وغيرهم مَن هجم عليه في منزله على غفلة ممن في داره، فوجده في بيت وحده مغلق عليه وعليه مدرعة من شعر، ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصـى، وعلى رأسه ملحفة من الصوف متوجهاً إلى ربه يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فأخذ على ما وجد عليه، وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يشـرب وفي يده كأس، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي في يده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط، فأعفني منه، فعافاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للأشعار، فقال: لا بد أن تنشدني فأنشده:

باتوا على قلل الجبال تحرسهم غ الرجال فما أغنتهم القلل


إلى آخره. قال: فأشفق كل من حضـر على علي، وظن أن بادرة تبدر منه إليه، قال: والله لقد بكى المتوكل طويلاً حتى بلت دموعه لحيته، وبكى من حضـره، ثم أمر برفع الشراب، ثم قال له: يا أبا الحسن، أعليك دَينٌ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه، ورده إلى منزله من ساعته مكرماً». الحذر من الوشاة:__ حينما يكون الحاكم عاقلاً فإنه لا يأخذ هذه الوشايات بعين الاعتبار، الحاكم يعلم أن عند الناس اختلافات، وعند بعضهم أطماع، لذلك لا يسلم عقله وقراره للتحريض، لأن البعض يريدون أن يحرضوه على طائفة، يكتبون التقارير، ويرفعون الأخبار، وينشرون المعلومات، هم لهم مصالح في التحريض، ولكن الحاكم العاقل هو من يلتفت إلى مصلحة حكمه، وأن من مصلحة حكمه التوازن والعدل والاستقرار، وليس الاستجابة لهؤلاء المحرضين على هذه الفئة أو تلك، فإن ذلك يسبب زوال الاستقرار، ويسبب اضطراب الأمور، ويوقع الحاكم في المزالق، يحتاج الحاكم إلى من يلفت نظره حتى لا يقع في فخ المحرضين والوشاة، في بعض الأحيان يتوفر للحاكم أشخاص يلفتون نظره إلى هذا الأمر، وفي أحيان أخرى لا يوجد هؤلاء، وإنما تكون الساحة للمحرضين، يحتاج الحاكم أن يكون من حوله من أهل الرشد والعقل ليكونوا ناصحين وليس محرضين، لقد ابتلي أئمة أهل البيت بمثل هؤلاء المحرضين، و للأسف أولئك الحكام العباسيون كانوا يستجيبون لهذا التحريض، ويلاقي هوى في نفوسهم، لذلك تعاملوا مع أهل البيت بتلك الصورة القاسية، تأتي وشايات للمتوكل ضدّ الإمام الهادي ، ويأمر بأنيدخلوا عليه منزله من على السطح، ويفتشوا البيت، لعلهم يجدون فيه أسلحة أو أي شيء مما يدين الإمام ، فلا يجدون شيئاً، لا يجدونه إلا جالساً على مصلاه، لقد تحمل الإمام هذا العناء، وهذا الاضطهاد في سبيل الله، واحتسبه عند الله، حتى مضـى شهيدا محتسبا، فسلام الله عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيًّا. اللهم اجعلنا من محبيه وممن تبعه.