الاستضاءة بسيرة أهل البيت (ع)

الانشداد العاطفي لا يكفي:_ سيرة أهل البيت ، إنها كالقمر الساطع المنير، الذي نحتاج ضوءه لإنارة دروب ألحياة, لكن بعضنا قد ينشغل فكريًّا وعاطفيًّا بجمال وروعة تلك السيرة الطاهرة، فيستغرق في الانبهار والإعجاب بشخصيات أئمة ألهدى(سلام الله عليهم) وينشدّ إليهم بأحاسيسه وبمشاعره لكنه يغفل عن ترسم بطريقهم في ألحياة ويفوته الأخذ بكلامهم وأمرهم لمواجهة ألتحديات وتجاوز العقبات وبلاوي الدنيا ومغريلتها.

ولا شك أن سيرة أهل البيت بروعتها وصفائها فيها ما يغري بالانبهار والعشق، لكن ذلك لا يصح أن يكون عوضاً وبدلاً عن الاهتداء والاقتداء،الحب شيء والامتثال للمحب شيء, بل يجب أن يكون العشق لجمالهم المقدس دافعاً للاقتباس من نور هدايتهم للخلق، ونجد فيما روي عن أهل البيت تأكيداً على أن العلاقة بهم يجب أن تتأسس على قاعدة الإتباع لوامرهم والاقتداء بهم، لا مجرد الانشداد العاطفي إليهم والبكاء دون العمل.

· جاء في كتاب بحار الانوار ج 65, وكتاب ميزان الحكمة: قال رجل للإمام الحسن: إني من شيعتكم فقال:(يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم) .
· وجاء في الكافي للكليني باب الطاعة والتقوى: عن الباقر \: (لا تذهب بكم المذاهب فو الله ما شيعتنا إلا من أطاع الله عز و جل).
وجاء في الكتاب : تسنيم تفسير قرآن كريم المؤلف : آية الله جوادى آملى وعن الصادق \: (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا) .
· وجاء في الكتاب السرائر لابن ادريس عن امامنا العسكري \: (شيعة علي هم الذين يقتدون بعلي)[4] .

إن النظر إلى أهل البيت كلوحات فنية جميلة معلقة على جدار الزمن، نتأمل روعتها وحسنها، ونظهر الإشادة والإعجاب بها، أو كقطع أثرية نادرة تعرض في متاحف التاريخ، نقوّمها بأغلى الأثمان، دون أن يكون لها انعكاس أو تأثير على مسار حياتنا كالبابوية المسيحية في العالم المسيحي، إنما يعني ذلك التنكر والتجاهل لأهم وظيفة ودور أراده الله تعالى لهذه العترة النبوية الطاهرة، وهو دور الإمامة ولهداية في حياة البشر.
إن أهل البيت جديرون بكل مدح وإطراء، وأهل لكل فضيلة ومكرمة ، بل ما عسى أن يقال فيهم بعد ثناء الله تعالى عليهم في كتابه المجيد، وعلى لسان نبيه الصادق الأمين.


·
نعم ايهة الاخوة الاقتداء هو المطلوب:

إن ما يسـرّ أهل البيت ، هو معرفة نهجهم وإتباع أوامرهم لا مجرد الاستغراق في مدحهم وذكر فضائلهم وعمل المئاتم لهم.كما أن الانتصار لظلامة أهل البيت ومعاناتهم من الحاسدين لهم والجائرين عليهم، لا يكون بمجرد سكب العبرات وجرّ الحسرات، وإنما بالعمل على تحقيق أهدافهم العظيمة في إعلاء كلمة الله تعالى، والتدين الحقيقيللفرد وبالتالي للمجتمع, ونشـر العدل، وإقامة الحق.

وحدة الهدف وتنوع الأدوار:___

فأهل البيت لم يكونوا اناس تبحث عن مواقع ومناصب، ولا جماعة تتطلع لمصالح خاصة، بل كانوا حملة رسالة عظيمة، وأصحاب قيم سامية، كرسوا وجودهم وحياتهم من أجل خدمة الرسالة وهداية البشرية ونشر قيم العدل في المجتمعات الظالمة. وقد تنوعت الظروف الاجتماعية والأوضاع السياسية التي عاصروها طيلة قرنين ونصف من الزمن، مما فرض تنوع الأدوار والمواقف في سيرتهم، مع وحدة الاتجاه والهدف.إن المصلحة العامة للدين وبالتالي للأمة هي الهدف الأساس الثابت لأئمة أهل البيت.
أما منهجية العمل والموقف فهي متحركة حسب مقتضيات الواقع الاجتماعي وظروف المرحلة لا جامدة.ذلك أن الثبات ضمن منهجية واحدة دور واحد وموقف محدد لا يستجيب لتغيرات الواقع أمر مخالف لمنطق العقل كونها تتغير, وكما جاء( لكل زمان دولة ورجال),
ومخالف لسيرة الأنبياء ، كما يضـر بالرسالة ، ويفوّت فرص خدمتها.من هنا كان تنوع المواقف والأدوار في سيرة أئمة أهل البيت ، على الصعيد السياسي والاجتماعي. حيث نجد منهم من قام بأعباء الحكم، ومن صالح متنازلاً عن الحكم، ومن ثار في وجه السلطة، ومن هادن ووادع السلطة، ومن قبل منصب ولاية العهد، ومن تحمّل عناء السجون والإقامة الجبرية..ونجد من تصدى للحركة العلمية، ومن ركز على التربية الإيمانية الأخلاقية، ومن اهتم بحاجات الفقراء والمساكين، بمعنى أن تكون هذه الصفة أو تلك هي الأبرز في سيرته وعهده.
لذا فإن علينا أن نقرأ سيرة أهل البيت بموضوعية وشمول، حتى لا نقع في أسر الأُحادية والفهم المبتور القاصر.

· الاجتهاد في فهم الواقع:

وإذا كان تنوع الأدوار والمواقف في سيرة أهل البيت حقيقة تاريخية لا جدال فيها، فإن إسقاط هذا الدور أو ذاك الموقف على واقع اجتماعي سياسي معاصر، يكون مورداً قابلاً للاختلاف وتفاوت وجهات النظر، من حيث تشخيص الواقع الخارجي، وتحديد الموقف الأصلح في التعامل معه.وحين يختلف التشخيص للواقع، فقد يترتب عليه الاختلاف في الموقف المختار، وبإمكان كل طرف أن يجد في سيرة أهل البيت وفي مجمل التراث الديني، ما يستدل به على صحة موقفه ومشـروعيته، لكنه لا يستطيع إدانة موقف الطرف الآخر، ما دام يتفق معه في المبادئ والقيم، ويختلف معه في التشخيص والتقويم.
فالخلاف ليس على مشـروعية الثورة والمعارضة، ولا على مشـروعية المصالحة والمهادنة، فكلاهما له أصل في الدين، وممارسة في سيرة أهل البيت ، إنما الخلاف وتفاوت الاجتهاد في تشخيص وتقويم الواقع الخارجي، واستلزامه لهذا الموقف أو ذاك.

مواقف الأئمة والمعارضون:___
وقد واجه أئمة أهل البيت أنفسهم بعض الاعتراضات على مواقفهم السياسية من قبل معاصرين لهم، فكانوا يجيبون المعترضين، بتبيين رأيهم في تشخيص الواقع الذي اقتضى منهم ذلك الموقف.

كما أجاب الإمام الحسن المعترضين على صلحه لمعاوية، وأجاب الإمام الحسين الناصحين له بعدم الخروج إلى العراق ومواجهة الحكم الأموي، وأجاب الإمام الصادق الداعين له للانضمام إلى حركة الثورات على السلطة.
ففي تلك الإجابات لم يكن النقاش في مبدأ الجهاد ورفض الظلم، ولا في ضرورة مراعاة المصلحة العامة، وإنما الكلام حول مقتضيات الظرف والواقع.

وكمثال واضح ننقل ما رواه الكليني في الكافي ج 5 صفحة 19 عن عبدالملك بن عمر قال: «قلت لأبي عبد الله (جعفر الصادق): إن الزيدية يقولون: ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا أنه لا يرى الجهاد. فقال: أنا لا أراه؟ بلى والله إني لأراه ولكن أكره أن أدع علمي إلى جهلهم».هكذا يحدد الإمام أنه لا يختلف معهم في مبدأ الجهاد، لكنه يعلم من مقتضى الواقع ما يجهلون.