نشأة النقائض :
نتج بسب الخلاف بين القبائل في الجاهلية، وتعصب بعض الشعراء لقبائلهم، إذ كانوا ينتصرون لقبائلهم بالشعر فيرد عليه شاعر آخر،
أ. لم تكن الأشعار تأخذ صورة النقائض بعناصرها وشرائطها، فكان مجرد رد، ونقض بعض المعاني، كقول امرئ القيس متوعداً بني أسد لقتلهم أباه حجر .
ب. ثم تطورت قليلاً، فحققت بعض قواعد وأصول المناقضة، وذلك كما كان بين ابن الطفيل وزيد بن الخليل، حينما أصيب زيد بسبب حادثة وقعت بينه ومن كان في صحبته، فعند عودته لقومه لم يكن قد تشافى بعد، فدار حوار حول ذلك، فأنشأ يقول : - ورد عليه عامر ، وقد حوى نقضاً للمعاني، والتزم بالموضوع ووحدة الوزن .
ت. وصلت النقائض كمالها ونضجها الفني مع نهاية العصر الجاهلي، ومنه ماكان بين طريف وبني ربيعة .
الملامح الفنية لمرحلة نشأة النقائض :
1. نقض المعاني .
2. أهم فنونها الفخر والهجاء والحديث عن مقومات الحياة الجاهلية ومافيها .
3. بعدها عن الفحش ووقوفها عند الجبن والبخل و..
4. لم يكونوا يلتزمون به، بل كانوا يقبلون عليه بين الحين والآخر .
لقد اعتمد الإسلام على هذا النوع من الفن، خاصة في النزاع بين شعراء مكة والمدينة، وقد تغيرت النقائض قليلاً فيه، من حيث :
أ. الغاية ، فصارت الدفاع عن العقيدة .
ب. الاسلوب : وتراوح بين القوة والجزالة والضعف والاضطراب .
ت. وبعض المعاني والألفاظ: دخلت الألفاظ الإسلامية.
ومن الأمثلة ماكان بين ابن الزعبري وحسان بن ثابت، ص 278
أما العصر الأموي، فقد ازدهر فن النقائض، فصار الشعراء أكثر إقبالاً عليه، وتعددت أسباب النقيضة، فكان السبب السياسي بارزاً، كما كان للعصبية التي أذكتها بني أمية وهيئت لها الحرية الواسعة دور كبير، فساد بين القبائل الإسلامية كما بين الكوفة والبصرة نزاعات، ألهبت عصبيتهم وزادت من شدة تناحرهم . وقد وصل إبداع النقائض مداه في عهد الفرزدق وجرير والأخطل، فقد كان لهم دوراً في محكاة الشعراء لهم .
إن النقائض في زمنها الأول كانت تحركها السياسة، ومدارها التحزبية والقبلية، ولن يكون هذا موضع دراستنا .
موقف شعراء هذا العصر من هذا الاسلوب :
لأن بني أمية كانت تهيئ المناخ للتعصبات والنزاعات، فقد وجد الشعراء أنفسهم مضطرون للتعامل مع هذا النوع من الفن، ولكنهم انقسموا إلى نوعين :
أ. اشتغل بالنقائض التي ارتبطت بالمناسبات فقط، وسرعات مايمارس فن آخر من فنون الشعر، ومن شعراء هذا القسم : هدبن بن خشرم، الرقاشي . انظر ص 282
ب. فريق تخصص وامتهن في النقائض، وقد بلغ رموز هذا القسم قمة الإبداع، ومنهم ( جرير، الفرزدق، الأخطل )، انظر ص286 .
نقائض جرير والفرزدق :
لم تنشأ النقائض بينهما بداية من أجل المنافسة الأدبية، بل هي مزيج من النعرات السياسية والقبلية .
كيف صارت النقائض مشتعلة بينهما : لعلنا نعلم أنهما ينحدران من نسب واحد يعلو حتى يصل لقبيلة تميم، لكن الفرزدق من بني مشاجع، وجرير من بني يربوع، وقد حدث نزاع بين الأقارب من بني يربوع، بين ( بنوالخطفي-رهط جرير، وبين جحيش )، فأخذ بني الخطفي يهجوهم، ولم يكن في بني جحيش شاعرا، فلاذوا بغسان ابن ذهيل، فجا بني الخطفي دفاعاً عن بني عمومته، فركب جرير وهجا بني سليط، فلج الهجاء وتوثق، فأخذ أسلوب المناقضة، انظر ص 287-288
وبعدها شكي جرير إلى البعيث - الذي كان يقربهم من أمه – فدارت بينهما مناقضة، حتى انتهوا، فظهرت أصوات تقول بأن الفرزدق أحق من البعيث في الذوذ عن بني مالك، فاستغاث البعيث بفحل بني مشاجع ( الفرزدق )، وقيل أن الفرزدق قد ربط نفسه والتزم بالقرآن، وتعاهد بأن لايقارب الشعر، لكنه لم يجد بداً إلا أن فك وثاقة ودخل هذه المعركة الكلامية.