الألفاظ الجزيرية (السامية الحامية سابقا) في اللهجات العربية
توجد في لهجات الجزيرة العربية والعراق والشام ومصر والمغرب الكبير كلماتٌ كثيرة ذات أصول حميرية وبابلية وسريانية وعبرية ومصرية قديمة وقبطية وأمازيغية وغير ذلك من اللغات القديمة التي كانت مستعملة قبل الفتح الإسلامي للعراق والشام ومصر والمغرب الكبير، لا تزال حتى اليوم تستعمل في اللهجات المحكية دون الفصحى. إن معظم تلك الكلمات مستعمل في اللهجات العامية فقط، لكن بعضها تم تفصيحه أو تفصيح بعض مشتقاته مثل كلمة (فُوطَة) (1)، وهي كلمة دخيلة في العربية من المصرية القديمة، ومثل كلمة (شَلَلِيَّة) المشتقة من (شِلَّة)، وغيرهما كثير.
سنحاول في هذه الصفحة جرد ألفاظ نستعملها في اللهجات العربية المختلفة، تنحدر من اللغات القديمة التي كانت تستعمل في العراق والشام ومصر والمغرب الكبير قبل الفتح الإسلامي لهذه البلاد. ونتمنى أن يشاركنا الزملاء المهتمون بمثل هذه المواضيع، فنجعل من هذه الصفحة مرجعًا عامًا للموضوع.
1. (الشِّلَّة).
ونبدأ بكلمة (شِلَّة) التي تبدو لنا دخلية في العربية من البابلية أو من العبرية. وإذا شئنا الدقة أكثر قلنا: إنها ليست عربية، وإنها من بقايا اللهجات الجزيرية التي كانت تستعمل في بلاد الشام قبل تعريبها بعد الفتح الإسلامي، ولكننا لا نستطيع في هذه الساعة الجزم فيما إذا كانت من البابلية أو من العبرية.
تستعمل هذه الكلمة دائمًا في سياق سلبي إذ أنها تطلق للدلالة على المجموعة من الناس التي يجتمع أفرادها على الخير والشر وينصر بعضهم بعضًا في الخير والشر. إلا أن استعمالها في السياق السلبي أعم وأشهر، فيقال: (شِلِّة زِعْران)، و(شِلِّة حرامِيِّه)، و(شِلِّة سَرْسَرِيِّة) و(شِلِّة سِكِرْجِيِّة) .. وكل ذلك للدلالة على المجموعة التي تضم وضيعين يقومون بأعمال غير شرعية كالسطو أو محرمة كالكبائر وما أشبه ذلك.
والكلمة بهذا المعنى مشتقة من البابلية /شَلالُ/ "نهبَ، سطا" أو من الجذر العبري: שלל: /شلل/ الذي يعني فيها أيضًا "نهبَ، سرق، سطا، غنم". ونميل إلى اعتبارها من العبرية والدليل على ذلك هو أن المجانس التأثيلي العربي لحرف /الشين/ في العبرية هو /الثاء/ في أكثر الحالات (مثلاً שלג: /شِلِج/ الذي يجانسه في العربية /ثلج/ وفي السريانية ܬܠܓܐ /تَلْجا/)؛ والسين في أقلها (שלל: /شلل/ "سلَّ" الذي يجانسه في العربية /سلل/ "سلَّ السيف ونحوه").
ولا شك في أن بين (شِلَّة) في البابلية والعبرية، وبين الجذر العربي الأصلي (نَشَلَ) خطًا دلاليًا لطيفًا يربطُ بينهما.
ونحن إذا أعملنا هذا القانون الصوتي (/الشين/ العبرية يجانسها تأثيليًا في العربية كل من /الثاء/ و/السين/، استخلصنا بسهولة أن المجانس التأثيلي العربي لكلمة /شلة/ هو /ثُلَّة/ وهي في الأصل مجموعة من البهائم ثم توسَّعت العربية فيها دلاليًا لتدل على المجموعة الكثيرة من الناس. وفي القرآن الكريم (الواقعة 13-14): (ثُلَّةٌ الأولين. وقليلٌ من الآخرين).
وهي كذلك في الحميرية: /ثلل/ وتعني فيها أيضًا: "نهبَ؛ سطا".
ومن (شِلَّة) اشتقت كلمة (شَلَلِيَّة) للدلالة على التحزب السلبي المنغلق.
وعليه نستخلص بأن (شِلَّة) ليست عربية بل دخيلة في اللهجات العربية من البابلية/العبرية أو هي من بقايا الاستعمال اللغوي العبري/البابلي الممتد في اللهجات العربية المشرقية دون الفصحى.
ــــــــــــــــــ
(1) قال صاحب اللسان في باب (فوط). الفُوطَة: ثوب قصير غليظ يكون مئزراً يجلَب من السِّند، وقيل: الفُوطَة ثوب من صوف، فلم يُحَلَّ بأَكثر، وجمعها الفُوَط. قال أَبو منصور: لم أَسمع في شيء من كلام العرب في الفُوَط، قال: ورأَيت بالكوفة أُزُراً مخطَّطة يشتريها الجمَّالون والخدَم فيتَّزرون بها، الواحدة فُوطَة، قال: فلا أَدري أَعربيّ أَم لا.