كنت أتبادل أطراف الحديث مع خالتي على الهاتف، وكنا نتكلَّم عن أهمية اللغة العربية وكيف أن بعض العرب في زماننا هذا لا يلقون لها بالاً ولا يعيرونها اهتماماً، وإذا بها تذكر لي موقفاً حدث معها وتقول: كنت أحضر مؤتمراً في أحد الأيام وجميع الضيوف المتكلمين "العرب" قاموا بإلقاء كلماتهم باللغة الإنجليزية، حتى أن بعض العرب وضعوا سماعات على آذانهم ليسمعوا الترجمة، إلا أحد الضيوف المتكلمين قرر قراءة كلمته باللغة العربية، واستمرت قائلة: عندما بدأ بالقراءة استغرب الحضور بأنه ألقى الكلمة باللغة الإنجليزية، وخاصة أن مقدمة الحفل عندما قدمت هذا الضيف ذكرت أنه سيلقي ورقة عمله باللغة العربية، مبدية فخرها بقراره، لذلك دُهشنا عندما بدأ بالقراءة باللغة الإنجليزية، وتساءلنا هل غير رأيه بهذه السرعة؟ ثم أدركنا أن هذه المقدمة لم تكن إلا ملخصاً لما سيقوله في ورقة العمل التي ألقاها كما وعد باللغة العربية، ليفهم "الأجانب" عن ماذا سيتحدث بالضبط؛ فلربما أراد أن يبين للحضور "غير العرب" بأنه يتقن اللغة الإنجليزية ويستطيع أن يقرأ بها، لذلك احترمهم عندما ذكر لهم وبلغتهم ملخصاً لما سيناقشه في الوقت الذي احترم لغته الأم ولم يستبدلها بأية لغة أخرى.
أعجبني موقف هذا الشخص، واحترامه الكبير وحبه الأكبر للغته، وتمنيتُ أن جميع "العرب" يحبون لغتهم بنفس الدرجة ويحترمونها كما يحترم الكثير من الشعوب لغاتهم، أذكر أنني عندما سافرت إلى سويسرا قبل سنتين، احترمت في هذا الشعب تقديسهم للغتهم، فهم لا يتكلمون إلا بها، وكذلك الفرنسيون الذين ما إنْ تكلمهم باللغة الإنجليزية حتى يجيبوك بلغتهم الفرنسية، وأجزم أن بعضهم يعرف الإنجليزية ويستطيع أن يرد بها ولكنه يحب لغته ويحترمها ولا ألومه في ذلك، وإنْ تكلمتُ عن الإسبانيين فهم كالسويسريين والفرنسيين وربما يفوقونهم في حبهم الكبير للغتهم حيث إنهم يكادون لا يفقهون لغة غير الإسبانية ولا يتكلمون إلا بها، حتى أنك في بعض الأحيان تجد صعوبة في التواصل مع هذا الشعب وتغضب أحياناً من عدم إتقانهم للغة الإنجليزية.
أين العرب من كل هذا؟ وأين هم من لغتهم العربية واحترامهم وحبهم لها؟ بتنا في كل مكان لا نسمع إلا اللغة الإنجليزية، حيث أصبحت هذه اللغة وكأنها فرضاً علينا، ففي العمل تُبعث الرسائل البريدية بين الموظفين "العرب" باللغة الإنجليزية، وفي بعض الاجتماعات تجد أن جميع الحضور من العرب ومع ذلك لغة الاجتماع هي الإنجليزية، وأكثر ما يُغيظني حقاً عندما أحضر اجتماعاً أو دورة تدريبية وجميع الحضور من العرب إلا واحداً فتنقلب لغة الخطاب إلى الإنجليزية؛ من أجل هذا الواحد متجاهلين الأكثرية، وأما في مواقع التواصل الاجتماعي فحدث ولا حرج يتناقش البعض باللغة الإنجليزية، وأحياناً يستخدم البعض في حياته اليومية لغة "الرطانة" وهي التكلم باللغة العربية قليلاً وإدخال بعض الجمل باللغة الإنجليزية، فحتى السلام بين العرب يبدأ بكلمة "هاي" وينتهي بكلمة "باي" متناسين أن تحية الإسلام هي "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وما يُثير الضحك أن البعض يعتبر نفسه قمة في "التحضر" و"الرقي" عندما "يرطن" باللغة الإنجليزية غير مدرك ـ هذا المسكين ـ أن التحضر لن يكون يوماً في التبرؤ من اللغة الأم وتفضيل لغة أخرى عليها.
وحتى لا يُفهم كلامي بشكل خاطئ لا أعني هنا عدم تعلم لغة أخرى غير لغتنا، فمن المعروف أن من تعلّم لغة قوم أمن شرهم، ولكنني قصدتُ عدم تفضيل لغة على لغتنا لغة القرآن الكريم، فلا ضير من إتقان اللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات ولكن ليس على حساب لغتنا الأم، حيث يجب أن يكون للغتنا العربية دوماً الأولوية والأهميّة.
أمنيتي دوماً أن نرى رقينا وتحضرنا بإتقاننا لغتَنا وأن نفتخر بها لا أن نخجل منها، أتمنى والأمنيات عند الله لا تموت، أن تكون لغتنا العربية أهم من أي لغة أخرى وأن لا نفضل عليها ولا نستبدلها بكل لغات العالم، وأن نتحدث بها ونُظهر مدى حبنا لها أمام غير الناطقين بها، وأمنيتي الكبرى أن تكون لغة القرآن يوماً هي اللغة الأولى في العالم وكما اضطررنا يوماً أن نتعلم لغة غير لغتنا للدراسة أو للعمل أتمنى أن يضطر الأجانب يوماً أن يتعلموا لغتنا إنْ أرادوا العمل في الدول العربية إذ أن معظمهم يتوق للعمل فيها.
مـــــــــــــــــــنقول