TODAY - January 10, 2011
رجل مسن: كيف لحفيدتي ان تحلم بشغل منصب سياسي في بغداد وهي لا تجيد العربية؟
حاجز اللغة والتطور العمراني يأخذان اقليم كردستان بعيدا عن العراق
مشهد لمدينة اربيل الحالية
بغداد
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الاميركية شهادات لاثنين من مراسليها زارا اقليم كردستان العراق، تضمنت وصفا للحواجز اللغوية التي تسهم بتمييز هذه المنطقة عن العراق، فضلا عن التطور الكبير في ملامحها العمرانية، بشكل لا يمكن رؤيته في بغداد.
وكتبت مراسلة الصحيفة ياسمين موسى تقول انها سافرت مؤخرا الى منطقة كردستان في شمال العراق، "وقمت انا وزملائي كما يقوم كل العراقيين بالسؤال عن الطريق من افراد الشرطة الذين نلتقيهم اولا. وكان سؤالنا بالعربية، وبعدها حولت السؤال بالانكليزية".وتضيف "فهم احد افراد الشرطة الشباب مقصدنا وهذا هو ما كشف لي الحواجز اللغوية التي راحت تظهر ببطء هنا. وهو ما يقسم البلاد ليس لغويا فقط بل على صعيد الاجيال".
وتوضح "نحن كنا في العراق، لذا افترضنا ان العربية بقيت هي اللغة المشتركة، لكن سفرة إلى المنطقة الكردية، وهي الاولى لي منذ ما قبل الحرب، علمتني ان اللغة العربية لن تذهب الى ابعد من هذه المنطقة التي وصلنا اليها الان".
وتقول المراسلة في شهادتها عن الاقليم "انه نمط بدأ بالظهور، فشخص بعد آخر وخصوصا الشباب منهم كانوا يتحدثون الكردية حصريا. وهم يصارعون العربية اذا ارادوا التكلم بها، هذا اذا تكلموا بها اصلا". وتابعت ان "هذا يعود ايضا الى الارث الذي خلفه صدام حسين بعد حرب الخليج 1990-1991 بعد ان قامت المجموعة الدولية بتوفير الحماية للاكراد في الشمال وسيرت الدوريات الجوية في منطقة الحظر الجوي".
وتقول المراسلة انه "اسميا فان المنطقة التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي منذ السبعينيات ايام حكم حزب البعث، بدأت منذئذ بفصل نفسها عن السلطة المركزية في بغداد. واصبح احياء اللغة الكردية جزءا من حركة واسعة نحو الحرية ان لم يكن نحو الاستقلال التام".وتضيف "في الوقت الحاضر ومع مرور الوقت فان الجيل الجديد الذي بدأ بالظهور لايزال يعتبر عراقيا، لكنه لايتكلم اللغة العربية بالضرورة. ويبدو ان الاشخاص الاكبر سنا كانوا يتكلمون العربية جيدأ". وتوصل قولها "على سبيل المثال ففي مكتب حكومي كان مدير البلدية يتحدث العربية في حين لم يكن ذلك بمقدور مساعديه، مثل ذلك الشرطي الشاب الذي بالكاد نطق كلمة عربية واحدة".
ويقول الحاج خديده البالغ من العمر 55 عاما والذي تعلم العربية في المدرسة وتعلم الكردية من عائلته "بعد الحرب لم اسمع كلمة عربية واحدة".
وكانت الى جانب الحاج خديده ابنة اخته البالغة من العمر عشر سنوات التي يقول عنها "انها في الصف الرابع، وبالكاد تدرس درسا واحدا اسبوعيا باللغة العربية، وبقية الدروس كلها باللغة الكردية".
واستغرق مفكرا في مستقبلها ملاحظا ان رئيس العراق جلال طالباني الذي اعيد انتخابه مجددا هو من الاكراد، وقال "ماذا لو فكرت ابنة اختي ان تترشح للبرلمان، كيف سينجح الامر؟".
وتقول المراسلة ان خديدة راح يفكر بصوت مسموع قائلا "بعد كل شي فنحن في العراق".
وتوضح "وجدنا حلا بسيطا لتحديات الحواجز اللغوية المذكورة. لقد بحثنا عن كبار السن، فلقد ارشدنا رجل عجوز الى الاتجاهات الدقيقة التي لم يتمكن الشرطي من تحديدها".
وتقول "في المطاعم قمنا بتجاوز النوادل الشباب وتوجهنا مباشرة لرجل عجوز كان يجلس حتما وراء منضدة الدفع. واليه توجهنا بطلباتنا وقام الشباب بادب وبشكل صامت بجلب طلباتنا التقليدية من التكة والكباب".اما مراسل الصحيفة الآخر، عمر الجاوشي، فتحدث في تقرير له عن الاختلاف بين الحياة في بغداد وبين المنطقة الشمالية من العراق، قائلا "لقد وصلنا الى نقطة التفتيش التي تفصل العراق عن المنطقة الكردية وكنا نعد الثواني للدخول للمنطقة". واضاف "كنا نشعر كما لو كنا في سجن وننتظر ان يُطلقْ سراحنا (لنصل) الى المكان الذي يشعر فيه بقية العراقيين بالحرية من دون خوف".
ويقول الجاوشي "نحن نعيش في بغداد وهي العاصمة. والعواصم في اكثر البلدان تكون هي المدن الاكثر نظافة وتطورا. والان وبعد ثماني سنوات من الاحتلال لانشعر الا بالاحباط، و جعلتنا قلة الخدمات والنقص في الامن فرحين بمغادرة المدينة".
ويواصل حديثه "نحن وان كنا نسافر الى جزء آخر من العراق اي الى المنطقة الكردية في الشمال فاننا كنا نشعر اننا نزور بلادا اخرى".
ويقول الجاوشي ان نقطة التفتيش على الطريق بين كركوك واربيل "تشعرك بانك في منطقة حدودية. وانك وان كنت لست في حاجة لتأشيرة، لكنك بالمقابل لن تستطيع العبور، والسلطات الكردية تفتش كل شخص خصوصا العرب القادمين من بقية انحاء العراق".
وتوصف المنطقة الفاصلة بين العرب والأكراد في العراق في كثير من الأحيان بانها نقطة اشتعال محتملة و"خط التماس" في صراع لم يحل بعد. ويقول الجاوشي "إنها أكثر من كونها حاجزا سياسيا، انها حاجز عرقي واجتماعي ونفسي".
وينقل المراسل عن أحد زملائه في هذه الرحلة قوله ان "نقطة التفتيش تلك تبدو لي انها الخط الفاصل بين الفردوس والجحيم".
وتابع "عبرنا الى داخل كردستان وبدأنا بوضع الخطط مثل السياح. ولم نرد اهدار لحظة واحدة والتقطنا صورا لكل شيء".
ويقول الجاوشي ان "أحد اكثر الاشياء تميزا في اربيل كان مركز التسوق، انه مركز مجيدي للتسوق الذي افتتح حديثا وهو ما لا يمكن تصوره في بغداد تقريبا، اذ ان المركز يبدو وكأنه في اميركا او في اوربا وبكلمة اخرى انه من بلاد اخرى". ويضيق "قال زميلي: يبدو وكأننا في حلم، فالاضاءة والارضية والمحلات كلها مختلفة حتى الناس مختلفون".
واشتكى، ليس تعبيرا عن الحزن، ولكن بسبب السلع المعروضة للبيع، والعديد منها من تركيا، وقال" لقد شدت انتباهي وسلبت مني نقودي".
ويقول الجاوشي ان مراكز التسوق جديدة على العراقيين. وفي بغداد وعلى الرغم من التحسن الامني فان مركزا مثل هذا سيكون هدفا للهجوم.
ويضيف ان "الكثير من العراقيين يتمنون العيش في الوقت الذي سيبنى فيه مثل هذا المركز في بغداد. واخبرني صديق آخر عاد للوطن انه طالما حلم بمكان يمكنه ان يذهب فيه مع صديقته لمشاهدة فيلم سينمائي واكل الذرة الصفراء (الشامية) مثل اي رجل في العالم".
ويختم الجاوشي شهادته بقوله "ربما سيأتي ذلك اليوم. وحتى ذلك اليوم فان اربيل موجودة. وفي طريق العودة لبغداد وعندما كنا نقترب اكثر فاكثر من نقطة التفتيش تلك كنا نشعر بالحزن مع شوق بان نعود في مرة لاحقة".