فلنقُد .. ببطئ ...
البارحة وانا متوجهةً الى عملي كالعادة .. لكن هذه المرة كنت قد تأخرت في النهوض مبكراً للاستعداد للخروج ... ركبت السيارة وقدتها ببطئ كعادتي .. الشوارع مليئة بالسيارات .. وضوضاء المزامير التي تريد ان تسابق الريح ..ليصل كل واحد منا الى مرادهُ
قررت ان اسلك طريقاً مختصر .. توجهت الى داخل الحي القريب من الشارع العام .. لكن كل نظري متوقف على عقارب الساعه التي تقول لي في حركاتها المستمرة :لقد تأخرتي،
سرت وانا حازمةً امري بالإسراع .. أخذت سرعتي تزيد وحماستي تقودها , لم افكر سوى بالوصول في الوقت الذي يمضي ولا يمنحني فرصة للتفكير ، تخلصت بالطرق الفرعية ورجعت للشارع العام لكن الزحام قد خف في هذه الجهة ، استمريت بزيادة السرعه دون تفكير ماذا سيحصل ؟! وحصل ما لم يكن بحساباتي ، ظهر رجلاً وامرأة كبيران السن وهما يهمان بعبور الشارع ، ويأشرون لي بتخفيف سرعتي للسماح لهما بالعبور ، لكن وكما يعلم جميعكم من اتخذ طريقاً للسرعه لا يعرف الإبطاء فجأة، لذا أخذت اردد : استر يارب ، استر يارب ، ياربي إسترها بحق حبيبك محمد ، وكالمجنونة اصرخ ، واذا الرجل والمرأة تمسكا بيدي بعضهما كانهما قررا الرحيل سوياً ، وبشجاعة انطلاقا يركضان سريعاً وسط الطريق وصولاً للجهة الاخرى ، لم تكن المسافة بيني وبينهما سوى لحظات كانت لتسلبني حياتي كلها وتنخص علي عيشي وااهدم مستقبلي ، واعيش بذنب هذان الشخصان ، خففت سرعتي والله اعلم بحالتي وقتها كان الدم متجمداً في عروقي ويداي مثل سعفتا نخيل في آذار ترتجفان ،الله حماني من دقائق الشئم هذه، كأن دعوات امي قد استجابت لها السماء حين اخرج تقول : ودعتك بالله الذي يحميكي من خطر الطريق . المهم لم اعلم كيف اجتزتهما بسرعتي المجنونة، لكنهما عبرا والرجل يصرخ : ليش ليش بويه هيج ليش . واخيراً خففت سرعتي وأخذت جانباً من الطريق وانا ابكي من خوفي ونظري معلقاً بالمرأتي لأتأكد من سلامتهما ، رجعت للخلف ووقفت امام الرجل وكان يحدق اليه بنظرة ندمت لها واخذت ماخذاً مؤلماً في نفسي وخجلت منها، نزلت واعتذرت لكنهما فاجأني بقول : لا بأس نحن من اخطأنا ، ما كان لازم نعبر من الطريق العام كان لازم نستأجر تكسي من ذيج الجهة بس الحجي الله ايسلمى مياخذ بكلامي ايعاند , هذا ما قالته المرأة الكبيرة بكل براءة لم يسبق لي ان شاهدتها ، لكن الحجي أخذ موقف الفاهم العاقل وقال : حجيه منا اسهل مو تصير فره عالسايق ، بس ثم استدار نحوي موجهاً كلامهُ لي : بويه انتي بايعه عمرج ، شنو هذي السرعه بالشوارع المدينة الداخلية قابل احنه عالخط السريع بيها مجال ، زين بويه اذا مافكرتي بينا فكري بنفسج لا سامح الله لو صاير بيج حادث وانتي شابه بمقتبل العمر ومبين عليج مثقفة وتفتهمين ، ليش بباتي بايعه عمرج، والله وصدقوني هزت كياني كلماته كانني كنت محتاجة لهذا النصيحة كانها وقفت اليوم في دربي لتنير لي الغد ، تمسكت بيدي الحجية وقبلت جبينها واعتذرت منهما واتصلت بزميلتي في العمل :سوف أتأخر شويه ، عفيه اخذيلي إجازة زمنيه . حل الامر بهذه البساطة . طلبت ان اوصلهما لكنهما بخجل لم يقبلا لكني فتحت الباب وانا مصرة ، قلت : لوين حجي تريد ، قال : والله بنيتي اريد للولايه مو احنه جنه كاعدين هناك بس الولد من كبرو كالو بابا هذي المنطقه صغيرة وانريد انشيل للأحياء الجديدة ، سمعت كلامهم بس والله يبنيتي الي يعوف اهله وناسه وجيرانه وعشرت العمر مو بسهوله يلكاهم، أيدت كلامهُ الحجيه كانهما قيثارة هو الأوتار وهي النغم ، احببتهما جداً واحببت طريقة مناقشة كلامهما معاً تمنيت في داخلي بان يحفظهما ربي وان لا احسدهما ، قلت له: حجي ممكن سؤال ؟ رد:تفضلي بنيتي ولو احنه اليوم ثقلنا عليج عذريني اذا صيحت والله جنت خايف عالحجيه مو علا روحي ليصيرلها شي هههه . قالها واطرق خجلاً ضحكت الحجيه قائلةً لهُ: يايحجي عندك سوالف فشله من اليبنيه كاعده ههه،لكنها استطرقت مفكرةً بكلامهُ واكملت : وشتسوالي الدنيه بعدك يحجي فدوتك الحجيه ، يمه والله ما ابقى دقايق بيها المن تخليني لولدك ايذلوني . رد عليها : حجيه فدوتج والله واني شمبصبرني عليهم ولدج غير انتي . كانت اجمل محاورة بين زوجين حملا هموم الدنيا وكبرا سوياً ممسكان بيدي بعضهما يريدان اما حياةً معاً او مماتاً سوياً. حقيقة انار شيًء من الأمل داخلي بان للوفاء وجود . ابتسمت في نفسي متأملةً بان اجد هذا الشيء الجميل في مستقبلي. أشار الحجي الى فرع صغير واقتربنا من منزل قديم كمنزل أجدادي زكي الرائحة، عطراً باجمل ذكريات الطفولة والبراءة واللعب مع اولاد الخالة والخال، توقفنا أمامه ونزلا وهما يتأبطا بعضهما لإسناد احدهما الاخر، اقتربا مني باجمل ابتسامه عفويه وطلبا مني الدخول لشرب الشاي وأكل الكليجة . لكني اعتذرت لهما لانشغالي ولم يعد لدي وقت اقترب الحجي وقال: بويه نصيحة من والد، مو اي واحد اتوصلي انتي بنيه خاف ميطلعون اولاد حلال ، هذا زمنا كلشي بي وينخاف منه . نزلت دمعتي اردت ان يحضنني تمنيت لو كان ابي ، لكنهُ كان عابر سبيل ، جاوبته وانا محرجة : والله ياعمو أني عادةً ما أوصل احد بس حبيت ان اعتذر عن تصرفي وأنتو وجوهكم طيبه والزينين مبينين سيماههم في وجوههم بس أريدكم تدعولي .اقتربت الحجيه مني وقالت : ندعيلج يمه بس اتفضلي والله حبيتج أني احب المره الي تسوق وتعتمد على نفسها . ضحكت من طيبتها لا تعلم أني ليس لدي احد ليعينني على قهر الحياة معي . قلت لها: والله وحده العالم شكد حبيتكم وارتاحيت الكم والله لوصايرلكم شي جان ماسامح نفسي . ضحكو كانهم يريدون طمأنتي بانهُ لم يحدث شيء واذا أنا اهم بالرحيل خرجت مرأة كبيرة السن ترتدي الشيله البيضاء وثوب اسود وهي تقول : هله هله وينكم ياابو علي تأخرتوا عليه . توجهوا نحوها وهم يضحكون : حجيه دطبي للبيت واحنه نسولفلج ، ثم استدار الرجل نحوي قائلاً : شايفه هذا البيت جان بيتنا الي بعته والله مو بعقلي جنت عفت هيجي جيران وأهل ، هذي الحجيه ام هاشم جارتنا متعودين نجي يمها كل خميس ونطلعها للزيارة لان خطيه ماعدها احد ابنها هاشم استشهد بالحرب وعافله ولد صغير عمره اشهر ، ومن كبر وربته بيبيته راح سافر هو وامه للخارج لكندا لان العراق بعد ميعجبه . قالها بصوت حزين كانهُ يتمنى لو كان شاباً قوياً لدمر كل من أذى امهُ واختهُ وجارهُ. ودعتهم وانا شاكرةً لله علا سلامتهم وسلامتي وفي طريقي دفعت صدقة لرجلاً أعمى كان جالساً علا بساط متهريء يستجدي من الصباح لايجاد لقمة العيش .
هذا اليوم لن انساه في حياتي . وكم ندمت في طريقي الذي أرجعني لإكمال مشواري الروتيني وان أتسأل في نفسي .. ماذا لو حصل لهما مكروه بسبب تهوري ؟!! وما كان لتفعل هذه المرأة المسكينه التي تجلس في باحة المنزل وبيديها سبحه قديمه ترتفع بالدعاء لمن يسأل عنها او يصلها؟!! قررت ان لا اتهور لان ارواح البشر اغلا واهم من الامور الدنيويه التي نتسابق للحصول عليها مهما كانت الأساليب والطرق .
احببت ان أشارك في هذه القصة القصيرة لكي اقول لكم : لنقُد .. ببطئ . في حياتنا لاننا لا نعلم ما تدفع السرعه بنا وما يخبأ لنا القدر من مفاجأت مفرحة او حزينه .
ودمتم سالمين
بقلم شمس الدرر