TODAY - January 09, 2011
تجاهلها يؤدي إلى حالة من التوتر وعدم التركيز
الطقوس اليومية تمنـح النفس شعوراً بالأمان
الخلل الذي ينتاب الطقوس اليومية يتسبب في عدم الأمان. غيتي
هناك قاسم مشترك بين احتساء فنجان من القهوة في الصباح وقراءة كتاب قبيل الخلود إلى النوم، فكلاهما طقس. وصحيح أنهما طقسان صغيران، إلا أن عدم أهميتهما تكون ظاهرية فقط؛ فالمرء لا يلاحظ مدى أهمية طقوس الحياة اليومية، إلا عندما يتعذر عليه فعلها. فعلى سبيل المثال يتعكر مزاج الكثيرين طوال اليوم عندما لا يتسنى لهم قراءة الجريدة صباحاً، كما أنهم يشعرون بأن شيئاً ما ينقصهم إذا لم يقرأوا كتاباً في الفراش ليلاً.
ويقول اختصاصي علم النفس، مايكل شيلبرغ: «إذا حدث خلل بإيقاع طقوس الحياة اليومية، فسوف يشعر الإنسان بعدم الأمان وعدم الرضا».
ويفسر ذلك بأن الطقوس تمنح النفس شعوراً بالأمان. وتتمثل سماتها المميزة في ما يلي: تحدث دائماً وفقاً لقواعد ثابتة، لا يتحكم فيها الإنسان بنفسه، إنما يتم التحكم فيه، غالباً ما تكون لحظات للتأمل والوقوف مع النفس، يسرح فيها الإنسان بأفكاره.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك طقوساً اجتماعية كبــيرة، على سبيل المثال في المراحل الانـتقالية في الحـــياة، كما هو الحال في حفــــلات الزفاف والجــنازات.
ففي كل ثقافة وطبقة اجتماعية وأسرة ودائرة أصدقاء لديهم طقوس خاصة.
وهذه الطقوس لا تمنحهم شعوراً بالأمان والطمأنينة فحسب، بل أيضا شعوراً بالانتماء.
وفي نهاية المطاف لدى كل إنسان منا طقوسه اليومية التي تنظم يومه وتقسمه إلى مراحل؛ حيث إن كثيراً من هذه الطقوس الصغيرة ترمز الى مراحل انتقالية خلال اليوم، مثل احتساء فنجان من القهوة قبل بدء العمل، والقراءة قبل أن يسدل الستار على اليوم. وأوضح شيلبرغ «لا تستقيم الحياة من دون طقوس، فهي سيناريو يمتلكه كل إنسان».
هيكلية
ولكن لماذا يكون من المهم أن تتم بعض الأحداث بالنسق نفسه دائماً؟ ويجيب عن هذا السؤال المعالج النفسي الألماني بيتر غروس، قائلاً: «العقل البشري يبحث دائماً عن هيكلية، فإذا غابت هذه الهيكلية أو ترنحت، فيؤدي ذلك إلى الشعور بعدم الأمان. ويلاحظ أيضاً أهمية الطقوس مَن لا يلتزم بها، لأنه يثير استياء الآخرين بشكل سريع للغاية، حيث إنهم يشعرون بالدهشة وقد يصل الأمر إلى حد شعورهم بالإهانة، إذا ما ارتدى شخص ما ملابس ذات ألوان زاهية ومبهجة أثناء حضوره إحدى الجنازات. ويرجع ذلك إلى أن الأخلاق والسلوكيات المهذبة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالطقوس».
وأضاف شيلبرغ «الطقوس تعني دائماً علاقة (عندما - حينئذ)؛ فعندما يحدث شيء معين، حينئذ يجب أن يأتي رد الفعل حيال ذلك بالكيفية المحددة». وإذا لم يتصرف الآخر بالطريقة المتصورة، فيمكن بالطبع أن يرجع السبب في ذلك إلى عدم معرفته بالطقوس. ومع ذلك ينطلق أغلبية الأشخاص تلقائياً من أن عدم مراعاة الآخر للطقوس تعكس رغبته في التعبير عن استخفافه بطقوسهم وعدم احترامه لها، هكذا يكون سوء التفاهم مبرمجاً.
ومن حيث المبدأ تُعد الطقوس شيئاً جيداً، وكل شيء يحدث بشكل آلي، فما على الإنسان سوى أن يسترخي ويسرح بأفكاره. فعلى سبيل المثال يكون لكل إنسان تقريباً طقوس نوم خاصة به، فهو يقوم مثلاً بتهوية غرفة النوم، بينما ينظف أسنانه، وبعد ذلك يقرأ بعض الشيء في كتاب قبل أن يضطجع على جانبه الأيمن للخلود إلى النوم.
مواقف
في المواقف التي تكون فيها المشاعر جياشة، كما هو الحال في الجنازات، تتضح أهمية وفائدة الطقوس، لأنها تحدد مسبقاً الخطوات كلاً على حدة. فبذلك يكون لدى الشخص الذي ألمّ به المصاب دليل للتصرف يقدم له يد العون عندما لا يعرف هو شخصياً ما الذي يجب عمله بعد ذلك. وتقول إلكه أوفرديك، اختصاصية علم النفس في مدينة هامبورغ شمال ألمانيا: «تساعد الطقوس أيضاً على طي صفحة شيء قديم كي يمكن بدء شيء جديد». وفي الأوقات غير الآمنة والمحمومة تزداد أهمية الطقوس، حيث يتشبث بها الإنسان. وقد يتضمن ذلك عقد المؤتمر الصباحي في المكتب أو احتساء قدح من الشاي بعد الظـــهيرة، والتي تمثل ركناً ثابتاً في الحياة اليومية ذات الإيقاع المحموم.
وغالباً ما يتضح أيضاً مدى أهمية الطقوس للأشخاص عند بداية التقاعد، حيث يتعين عليهم في بادئ الأمر إعادة صياغة سيناريو حياتهم اليومية من جديد، لأن كثيراً من الطقوس التي اعتادوا عليها بحكم وظيفتهم تسقط من برنامجهم اليومي. وعن خطورة ذلك يقول غروس: «يؤدي هذا إلى عدم استقرار نفسي ويحدث فوضى داخلية».
غير أن الطقوس تمثل مشكلة في حال الرغبة في الالتزام بها تحت أي ظرف من الظروف بغض النظر عما يحدث في البيئة المحيطة. وأوضحت أوفرديك قائلة: «الطقوس يمكن أن تصبح قسرية أيضاً». فحينئذ يكون الإنسان مرتبطاً بها ارتباطاً وثيقاً، ويشعر بأنه مقيد ومغلل من الداخل. وفي أسوأ الحالات يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة بمرض قسري مصـــحوباً بنوبات ذعر وفزع.
ويمكن أن يؤدي ذلك أيضاً إلى شيء أقل خطورة من ذلك بكثير، ولكنه يُشكل عائقاً أمام الإنسان في حياته اليومية، ألا وهو نوع من أنواع التفكير الخيالي، على غرار الاعتقاد التالي «إذا لم احتسِ فنجان القهوة الذي اعتدت عليه صباحاً، فلن أستطيع أن أعمل».