ليس حال العراق بأحسن من دول الثورات العربية التي تعيش أوضاعا مأزومة وغير مستقرة لا تستقيم مع طموحات الشعوب عند تفجر الثورات، فالقاسم المشترك بين جميع الدول العربية غير المستقرة هو الفوضى التي يتسلل منها شيطان التآمر وبيع الأوطان وانهيار المجتمعات.

ولكي نكون واقعيين، فإن فكرة الشرق الأوسط الكبير تنطوي على تقسيم لعدد من الدول العربية إلى دويلات صغيرة متنازعة ولا تملك شروط الاستقرار خدمة للكيان الصهيوني الذي يستفيد من عامل التفرق والشتات، فهو لا يخاف من العصي العربية المتفرقة وإنما المجتمعة، ولذلك سواء نجح في ذلك أو حدث في غفلة من الأمة فهو في صالحه.
العراق يتجه إلى الفوضى بعد أن حقق مقاربة مهمة في التعايش عقب الإطاحة بالنظام البعثي السابق، ويخطئ رئيس الوزراء نوري المالكي إذا اعتقد أن سلوكه السياسي حازم وحاسم في جميع العراقيين والحفاظ عليهم في إطار مظلة وطنية جامعة، بل العكس تماما هو الصحيح في إطار ما يقوم به من تعنت وتمزيق للهوية وتعزيز للطائفية التي تذهب بالعراق في ثلاثة اتجاهات هي حصاد فشل سياسي وتعنّت لا ينسجم مع الحكمة في إدارة شؤون الدولة.
سياسة رئيس الوزراء تهدد السلامة الوطنية وكيان العراق وهويته التاريخية، وهي عبثية ولا تخدم سوى أجندة طائفية تفرز الكيانات العراقية وتجعلها تستعصم ببعضها حتى تواجه تحدي سياساته الفاشلة، وفي الوقت الذي يحذر فيه من الطائفية فإنه في الحقيقة يجعلها الخيار الوطني الأول والمفضل للعراقيين، ويترتب على ذلك فشل الدولة العراقية في احتواء مواطنيها وتفريقهم، وإجبارهم على مقاومة سياساته ومشروعاته وخروج الأوضاع عن السيطرة.
ينبغي أن يكون رئيس الوزراء على مسافة واحدة من جميع المكونات السياسية والاجتماعية العراقية، حتى لا يفقد احترامه، وبناء على ذلك يتجه الجميع لأخذ حقوقهم بأنفسهم، ولا محالة مع هذه السياسات الفاشلة سنسمع ونرى قريبا من ينادي بكيان مستقل هارب في الأساس من تسلط وطغيان وفشل المالكي، وكما تبدو المنطقة الشمالية متمتعة بحقوق ذاتية قريبة من الانفصال ولا تتضرر كثيرا من الفوضى التي يتسبب فيها رئيس الوزراء فإن الآخرين وهم السنّة تحديدا سيلجأون إلى هذا الخيار وينكفئون على أنفسهم مضطرين للابتعاد عن سياسات الحكومة التي تتجه بهم وبمصيرهم إلى الهاوية، وهنا يحصل المتربصون على تقسيم مجاني من صنع عربي خالص، وذلك متوقع في ظل افتقاد المالكي للحكمة في تعزيز مفهوم التعايش والتقارب بين مواطنيه على اختلاف مذاهبهم.