عندما بدأ علماء الفيزياء، منذ نحو خمسين عاماً، يفهمون تركيب الذرة فهماً صحيحاً، أيقنوا إنه إذا أمكن تحطيم كميات كافية منها فى وقت قصير، فإنه يمكن توليد قدر كبير من الطاقة بطريقة فجائية. ولكن طريقة تطبيق هذه النظرية علمياً لم تكن واضحة فى ذلك الوقت. غير أن العلماء أدركوا أنه من أجل التوصل إلى هذه النتيجة، فإنه لابد من إجراء سلسلة من هذه التفاعلات التى أمكن توليدها هى التى أجراها أنريكو فيرمى الفيزيائى الإيطالى الأصل و الأمريكى الجنسية.
ولد أنريكو فى روما يوم 29 أيلول ( سبتمبر ) سنة 1901. وكان طالباً متفوقاً حصل على درجة الدكتوراه وهو فى الحادية و العشرين، وكان موضوع رسالته " الأشعة السينية " أو إشعة إكس.
فى عام 1927 أصبح فيرمى محاضراً فى جامعة روما حيث واصل أبحاثه، وفى عام 1929 أنتخب عضواً فى الأكاديمية الإيطالية. وبعد سلسلة من الأبحاث أستمرت عشر سنوات تمكن أنريكو من التوصل إلى أكتشاف جوهرى سنة 1934 : إن من بين الجسمات التى تولدها المواد المشعة هناك
" النوترونات " التى لم يكن وجودها قد أكتشف إلا قبل ذلك بقليل، وهذه النوترونات لا تحمل أى شحنات كهربائية سالبة أو موجبة. وقد وجد أنريكو أنه عند تصويب هذه النوترونات بشكل قذيفة نفاذة نحو أهداف ذات تركيب ثابت أصلاً، فإن المادة التى يتكون منها هذا الهدف تصبح مشعة و تأخذ فى بث إشعاعاتها، و سرعان ما تتحول إلى مادة أخرى. فالحديد مثلاً، عندما يكتسب خاصة الإشعاع صناعياً بواسطة القذف النوترونى، يتحول إلى
" منغنيز ". و بأستخدام هذه الطريقة تمكن فيرمى من أكتشاف نحو ثمانين " نواة " صناعية جديدة.
فى عام 1937 هاجر إلى الولايات المتحدة الامريكية، وبدأ عهده بإلقاء المحاضرات فى جامعة كولومبيا. و أكمل أبحاثه فى المواد المشعة، ومنج جائزة نوبل للعلوم الفيزيائية.
وقد أمر الرئيس الأميركى " روزفلت "، أستناداً إلى إقتراح " أينشتن "، بتشكيل لجنة لأبحاث اليورانيومظن ووضع تحت تصرفها كل التسهيلات و الإمكانات، فبدأت اللجنة أبحاثها بمحاولة تسخير القوة التى تشتمل عليها نواة الذرة، والعمل على تفجيرها. وبعد عامين من الأبحاث المتواصلة، بإشراف أنريكو، ثم إعداد مفاعل لإنتاج الطاقة النووية، وكان ذلك فى شيكاغو سنة 1942. وقد تسلمت الحكومة الأمريكية رسالة بالشيفرة تقول :
" وصل الملاح الإيطالى إلى الدنيا الجديدة ". ثم تواصلت الأبحاث لتطوير هذا الأكتشاف، و أسهم فيها علماء أوروبيون من الحلفاء.
فى 16 تموز " يوليو " تمت أول تجربة لتفجير القنبلة النووية فى الصحراء القريبة من " ألبوكركى " فى " نيومكسيكو ". ثم أستخدمت أول قنبلة نووية فى الحرب، تلك التى أسقطت على " هيروشيما " فى عام 1945. وقد أدرك العلماء الذين أنجزوا ذلك المشروع أن القنبلة ينبغى ألا تستعمل.
وفى عام 1945 أصبح أنريكو مواطناً أمريكياً، وفى 19 آذار ( مارس ) 1946 منحه الكونغرس الاميركى ميدالية الاستحقاق عرفاناً منه بإنجازاته العلمية. وعاد أنريكو إلى أبحاثه الخاصة، وبصفته أستاذاً فى معهد الدراسات النووية، واصل تجاربه على الإشعاعات المنبثة من المواد التى أمكن تحويلها صناعياً إلى مواد مشعة. وقد توفى فى 28 تشرين الثانى ( نوفمبر ) عاك 1945، وكان عمره 53 سنة.
أستمرت الأبحاث العلمية قرابة خمسين عاماً قبل التوصل إلى إختراع القنبلة النووية. ففى سنة 1897 أكتشف " طومسون " الالكترون، وفى عام 1910 واصل رذرفورد تجاربه على الجسمات الدقيقة التى أستنتج منها أن الذرات ذات مركز موجب ثقيل، تحيطه جزيئات سالبة أطلق عليها أسم الكترونات. وفى عام 1919 أنجز " رذرفورد أول تفاعل نووى. وقد تمكن " تشاديك عام 1932 من أكتشاف النترونات، وفى عام 1942 أنتج أنريكو تفاعل تسلسلياً للأنشطار النووى، وفى عام 1945 تم تفجير القنبلة النووية.