إن الله عز وجل خلق الإنسان وعلمه البيان فسبحانه يخلق ما لا تعلمون، فلكل زمن اكتشافه وتطوراته، فإما أن تكون وسائل بناء وعطاء وإما أن تكون وسائل هدم وخراب، فبعد ظهور الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة أصبح العالم قرية صغيرة واستطاع أفراده من كل الشعوب أن يتواصلوا ويتحاوروا مباشرة دون قيد أو شرط، ولساعات طويلة، وبأقل تكلفة، وأصبح هناك مفاهيم عديدة لابد أن ندركها وهي الثقافات عابرة القوميات، وهي إما أن تكون بطريقة منظمة ومدروسة أو بطريقة فردية، فلكل مجتمع عاداته وقيمه وأمثلته الخاصة به، وهي تشكل الركيزة الثقافية التي يعتمد عليها، فإما أن تنطلق به إلى القمة وتحلق به إلى الفضاء أو تهبط به إلى القاع، ولهذا كلما كانت القيم سامية والعادات فاضلة والأمثلة صحيحة وقوية تبعث في الإنسان الوعي والإدراك والفكر والإبداع والاستقامة والهمة العالية، فإن وسائل التقنية الحديثة وهذه الاختراعات العجيبة التي ولع به الشباب والشيوخ لتعد من وسائل النهضة والرقي، التي غلبت على حديث الناس الذين يبحرون في مواقعها، ويتجولون في جنباتها بالساعات الطوال يتعلمون ويبحثون، يقول الله تعالى: "وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" (إبراهيم:24) لذا يعتبر الانترنت لدى البعض ضرورة ومطلبا وحقا لكل شخص كالماء والهواء ويعتبره البعض مجرد مضيعةٍ للوقت، وإهدارٍ للعديد من العادات المهمة، وسوف نتعرض لهدي الدين الحنيف في الاستفادة من كل جديد، وسبل عديدة لتحقيق النفع والبعد عن الضرر، فلقد فتن الشباب اليوم بالإنترنت وولعوا به ولعاً شديداً فأصبح جل حديثهم عنه وعن ارتياد مواقعه والإبحار فيه، والجلوس في صحبته الساعات الطوال دون كلل أو ملل، وهذا يدعونا للتأمل في محاسنه ومفاسده حتى نكون على بصيرة من أمرنا، فنعم الله كثيرة ومنها العلم والمال والذكاء، وهي أشياء لا تعاب ولا تكره إلا إذا امتزجت بجحود أو اقترنت بضلال ومعصية وبعد عن الهدف، وامتلأ صاحبها بالعجب والتيه فتؤدي به إلى الضلال وتورده المهالك، وتكون سبباً في خلوده في النار والعياذ بالله. إن الذي يتطاول بعلمه أو يتكبر بماله أو يغتر بذاته؛ دائما يبتليه الله بنكبات لا مخرج منها إلا بجهود خاصة تناسب عبقريته وفطنته، فقد وكله الله لنفسه، ومنعه الارتواء عن بستان قلبه؛ فلا سند له ولا ظهير، فهو برأسه يدبر حاله كما كان يظن أنه ملك الدنيا، وبيده زمام الأمور فإن الله تعالى يوكله إلى نفسه،أما من ستر نفسه برداء الطاعة فقد دخل حصن الله الحصين ونوره المبين الذي من دخله كان من الآمنين، فالذين يطلقون العنان لشهواتهم وملذاتهم الدنيوية بغير شعور، ودون وعي لعاقبة ذلك، فربما تؤدي بهم إلى المهالك، وتوردهم المصائب والنكبات وتحيد بهم عن الجادة، فهذا الشعور الدخيل الذي لا يمت لطبيعة الإنسان الجوهرية بصلة مع أنه وثيق الصلة بشخصية الإنسان السطحي، وتفكيره القاصر، وتبختره الساذج، كالطاووس الزاهي الألوان يتعالى بالكبرياء والعنفوان، فليتذكر كل عاقل أن لدى الأعداء بضاعة يقدمونها ويصدرونها إلى الضعاف، وهي كل ما يسلب الأخلاق ويدمر القيم ويذل الأمة ويخدر شبابها ويميع أبناءها، فهم يقلدون غيرهم في كثير من أمور الحياة والاستهتار والانحلال وفي التخلي عن الروابط الاجتماعية والجرأة على المحرمات الشرعية، إن غزوهم شامل في جميع مناحي الحياة، فعلينا ـ أمةَ الإسلام جميعاً ـ أن نكسر هذه الأغلال ونحطم هذه القيود، فديننا الإسلامي ثري بتعليماته وآدابه وقيمه، مما يحقق لنا الرفعة والكمال، يقول تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله" (الأنعام:153). فلتكن أيها اللبيب حذراً.. خُلُقُك القرآن ولا تكن مقلداً أعمى، فيوردك ذلك إلى ما لا تحمد عقباه، ولتكن مميزا في كل شؤون حياتك تظهر عليك علامات الإسلام، وأمارات التقوى، وصفات المسلم الذي يعتز بالقرآن وآدابه، ويكون مثله وقدوته سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن ما نشهده اليوم من تخلف بين صفوف المسلمين، وتنكرهم لرابطة الإيمان المتينة، قد تسربت إلى مجتمعاتهم في صورة سموم وآفات، فاشتغَلوا بما لا ينفع، وأضاعوا أوقاتهم فيما لا يفيد، فتخلفوا عن ركب الحضارة وصاروا تابعين لا متبوعين، فالأمم الأخرى تسعى إلى طمس الهوية الإسلامية، أما المسلم الحق الفعال فيسعى لتزويد أفراد الأمة بالقيم السليمة، ومحاربة جميع المظاهر السلوكية المنافية لقيم الإسلام وتعاليمه، لذا فهو يحرص على نفع الناس في مجتمعه، ودفع الأذى عنهم، فيصبح عنصراً بناء، إن الأنترنت وسيلة للإرسال والاستقبال دون رقابة او تحكم من اية جهة، فمن الصعب وضع ضوابط لضمان استخدامها بطريقة سليمة بمعزل عن الوازع الديني والاخلاقي والثقافي والتربوي.. ووعي المستخدمين هو الذي يمكن ان يعول عليه. فلا بد من التأكيد على ضرورة تحصين الشباب من خلال التربية السليمة والاسرة الواعية والدعاة الذين يعرفون واجبهم، فالغارة على العالم الإسلامي استهدفت شخصية المسلم ومناهله الفكرية والروحية.