الشخصية المتدينة الروتينية
الشخصية المتدينة الروتينية :
لا يقصد بالشخصية المتدينة الشخصية الإسلامية الفكرية الحركية، وإنما هي شخصية تنتمي إلى ألإسلام ولكنها تأخذ جانباً او وجها محددا من الإسلام، وتجعله موضع اهتمامها وتركيزها، كالجانب التعبدي(الشعائر التعبدية، حفظ القرآن مجرداً من المعاني والتكاليف، المواعظ والأذكار، وغير هذا) وتتجاهل أو ترفض ما دون هذه الجوانب، وتنتحل هذه الشخصية مظهراً معيناً في ملبسها وهيأتها وكيفية أحاديثها، وفي كيفية أخذها لأمور الحياة العامة والخاصة،
حتى أصبحت معلومة عند المجتمعات المسلمة، وأصبحت تكتسب مسمى معين، ففي كثير من البلدان الإسلامية يطلقون على أشخاص كهؤلاء اسم متدين، أو ملتزم، أو شيخ، أو مطوّع (في دول الخليج)، وغير ذلك.
فالشخصيات المتدينة، والألفاظ التي تُطلق عليهم من خلال واقعهم اصطلاحا، لم تكن موجودة في القرون السابقة على ألإطلاق وليسوا هم أو مسمياتهم أصلاً من إفرازات النظام الإسلامي .
هذه النوعية من الأشخاص وَجَدوا في الجانب الشعوري التعبدي مبتغاهم، حيث حاجة كل إنسان في هذه الدنيا إشباع غريزة التدين، فالشعور بالرضا والطمأنينة، والشخصية المتدينة تؤدي ما يغلب على ظنها "الخاطئ في نظر البعض"أن ما تفعله يشكّل أوجب الواجبات وأتم ألفرائض وفي الحقيقة لا تتعدى أعمالهم الشعائر ألتعبدية ولا تتجاوز بعض السنن.
الشخصية المتدينة، تكونت من خلال الأفكار التي قد ذكرنا، والتي قد اُرضعت لأصاحبها وللمجتمع منذ نعومة أظفاره إرضاعاً، ومنذ تلقي تعليمه في المدرسة، ومنذ بدء نشأته في البيت، وبعد خضوعه لواقع سياسي واجتماعي، لم يجد بُداً من الخضوع إليه والاستسلام له، بالرغم من حبه للإسلام ورغبته العيش به.
ولقد كانت هناك عدة ظروف ساعدت على نشوء وانتشار شخصيات كهذه :
1) أن الدول العلمانية أو الاستعمارية نجحت في إحراف مفاهيم العقيدة الأساسية، وصرف الناس عن مقتضى الشهادتين والحكم بالإسلام، أو الاشتغال بالدعوة للحكم بالإسلام، ووضعت كل المحاذير لمن يفكر بهذه الأمور، وملأت سجونها بمن يقع في هذه المحاذير، وما زالت، ووقفت في وجه مصالح العلماء الربانيين وأصحاب الدعوة الصادقين الرسالين، وتعرضت لكل شؤون حياتهم بالمكيدة والدسائس، وبحرمانهم من السفر والتنقل، وبحظرهم تولي مناصب قيادية أو عسكرية أو تعليمية أو تربوية،،
هذه الأعمال الإجرامية كانت مؤشراً لبعض محبي الإسلام أن يتخذ جانباً آمناً للسير تحت مظلة الإسلام كما يظنون، وذلك بالالتزام بالجوانب التعبدية التي لا تُسخط السلطان، ولا تعرضهم ولا مصالحهم للخطر، وتُكسبهم حباً واحتراماعند السلطان وعند من يوالونه، وهكذا كان .
2) مظهر صاحب هذه الشخصية مظهر مَهيب، فهو يتخذ لنفسه غالباً مظهر العلماء والأتقياء والفقهاء والزّهاد، ولذلك فالشخصية المتدينة تجتذب أنظار الناس، وتستوجب احترامهم وتوقيرهم، وتدعو الناس لخفض جناح الذل لهم تعظيماً وتكريماً، فالشخصيات المتدينة أعلنت للناس بمظهرها أنهم هم أصحاب شأن، وهم أهل التقوى والصلاح، وهم أهل العلم، وهم أهل الإتباع، وهم المستأمنون على الأموال والأعراض، وهم القدوة الصالحة الحسنة في الناس، ولذلك وجدت الشخصيات المتدينة في تدينها بهذه الكيفية مرتعاً خصباً، تنمو فيه وتتكاثر ويعلو شأنها، بل ويصبح لها عند السلطان وأعوانه شأن، عوضاً عن حرب السلطان لأمثالها.
وقد وجدت الشخصيات المتدينة، في حب المسلمين وتعلق قلوبهم بعلمائهم وشدة احترامهم لأتقيائهم أو من يتصل بهم بصلة، جوهراً أو مظهراً، وجدت ضالتها من الاحترام والتوقير، ووجدت المرتع الخصب لأن تظهر وتتكاثر وتتمسك بهذا المظهر، والحصول على الفرصة لتتصدر المجالس والأحاديث .
3)تسهيل مصالح الشخصيات المتدينة في الدوائر الحكومية وفي المعاملات التجارية، كانت دافعاً قوياً لنشأة الشخصيات المتدينة، ولتمسك أمثالهم بهيأتهم، في وقت تدنت فيه المعيشة وتعثرت فيه مصالح الناس.
4) رضى جميع حكام العالم الإسلامي الخائنين أو العلمانين عن شخصيات كهذه، ونعتها بالرجال الصالحين، وتقديمهم على باقي الناس بتوليتهم بعض مصالح الناس المتعلقة بدينهم، وتصدرهم لهذه المصالح، أدى هذا الفعل إلى بروز هذه الشخصيات وتعاظمها واستكبارها، بل وإلى أن يقوم بعضهم بتكوين جماعات، يتبادلون المنافع فيما بينهم دون غيرهم، ومع كل من يتصف بصفاتهم، وينتهج منهجهم .
كان لا بد من هذه الشخصيات في دواخل نفسها أن ترتضي فكراً معيناً لها، يتسم بسمة شبه إسلامية، يخرجها من مآزق التكاليف الشرعية لتستطيع العيش، ولتستطيع التحرر من عذاب الشعور بالذنب، فكان لابد لها أن ترتضي وتدعو لفكرة معينة، حتى يكون هؤلاء، بالنسبة للشخصيات المتدينة، شماعة تعلق عليها كل أخطائها وانحرافاتها الشخصية، وليكونوا شماعة تفسر ترك الشخصيات المتدينة لواجبات طلب العلم الشرعي، والدعوة للإسلام، وتركها الدعوة للمطالبة بإقامة الله الشرعية، وشماعة للاستسلام للعلمانية تارتا أو للمستعمر أو لليهود. والاستسلام لأمريكا والغرب والشرق بذريعة ولي الأمر وطاعة ولي الأمر الذي تدعوا لها فقهاء الولاة والحكام، وشماعة لمواصلة السير والعيش بنفس الأفكار والمنهج التديني.
صفات الشخصيات المتدينة :
كما ذكرنا من الصفات في تميزها بمظهر معين، بثوب بالغ القصر ولحية مطلقة، فإن هذه الشخصية المتدينة لا تجدها غالباً تؤمن بنظام دقيق في الحياة أو بفكر منظم، ولذلك فهي تعيش كما يعيش عامة الناس بعشوائيتهم، وقبولهم بالأمر الواقع واستسلامهم له، والتعايش معه، اللهم شدة الالتزام بالشعائر التعبدية والغلو فيها وبكثير من السنن، والغلو في مسائل فقهية اجتماعية معينة لا يتجاوزونها .
هذه الشخصية لا تؤمن كذلك بتغيير الواقع، وإنما تؤمن بالإصلاح، من منطلق أن الواقع صحيح وتكتنفه بعض الأخطاء الطفيفة القابلة للإصلاح، وهذا ما يفسر اشتغال الشخصيات المتدينة بالمسائل التعبدية، البعيدة عن الدخول في تهذيب مجتمعات وأحكام السياسة ومحاسبة الحكام، أو الحديث عنها لخطورتها على صاحبها .
هذه الشخصية بالكيفية التي ذكرنا هي مخالفة لأمر الله، ومخالفة لقواعد الدعوة للإسلام وطلب العلم الشرعي، وتنقل للناس، عن علم أو غير علم، صورة للإسلام مغايرة لما جاء به رسول الأمة محمد صلى الله عليه واله وسلم، ومخالفة للشخصية الإسلامية الحقيقية المأمورين ببنائها، وهي تعين على تعطيل الأمة للنهوض بإسلامها كما جاء، وكما عاش به الائمة الاطهار ومن تبعهم من المصلحين.
قال الله في سورة آل عمران ((إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب))
وقال سبحانه في سورة المائدة 48 ((وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون))