تقول مجلة "فورين بوليسي" ان الهجمات الاخيرة التي قامت بها اسرائيل ضد سوريا هي التطور الدراماتيكي الاحدث في صراع انفلت من عقال السيطرة عليه. وجاء ذلك في تقرير نشرته المجلة ان الطائرات الاسرائيلية استهدفت حسبما ذكرت الانباء الايام القليلة الفائتة صواريخ ارض – أرض ايرانية كانت في طريقها الى حزب الله، وصواريخ سورية في قاعدة عسكرية قرب ضواحي دمشق. الا ان اسرائيل تخاطر برد الفعل وزيادة عدم الاستقرار في الدولة المجاورة، باساليب قد تعود لتقض مضجعها. وفيما يلي ما جاء في هذا المقال:
تشعر اسرائيل بالقلق بصفة خاصة مع خروج اكثر الاراضي السورية من ايدي قوات بشار الاسد، ومن سقوط الاسلحة الكيميائية والاسلحة المتقدمة في الايدي الخطأ، سواء كانت ايدي المتشددين في المعارضة السورية مثل "جبهة النصرة" او حزب الله، الحليف اللبناني للاسد وايران. وخلافا لما يدعيه نظام الاسد من ان القصف الاسرائيلي اثبت مساندتها للمعارضة، فان اسرائيل لا تضع ثقلها في الجانب المناوئ للاسد.
وعلى وجه العموم، فان القصف الاسرائيلي كان يهدف الى تعطيل العلاقة بين ايران – سوريا – وحزب الله. وقد اسهمت ايران بتوفير مئات الملايين من الدولارات لحزب الله (ولا تعرف الكمية الحقيقية وربما انها تتأرجح بشكل ملحوظ) وبنطاق واسع من الاسلحة، بما فيها صواريخ مضادة للدبابات وصواريخ طويلة المدى. وظلت سوريا تقوم بدور الوسيط، بالسماح للقوات الايرانية بالانتشار داخل لبنان، وللاسلحة الايرانية بالمرور عبرها.
كانت عمليات القصف مغامرة لثلاثة اسباب رئيسية؛
الاول القناعة ان سوريا لن ترد. فقد واصلت اسرائيل لفترة طويلة القيام بدور العصا للانظمة العربية التي تعاني من مصداقية داخل حدودها. ومثل والده فان بشار الاسد وقف الى جانب حزب الله وحماس ومجموعات ارهابية اخرى تحت اسم "المقاومة" على أمل ان يكسب نقاطا مريحة داخل بلاده وفي انحاء العالم العربي – في ذات الوقت الذي يُبعد فيه الاهتمام عن طغيانه وفشله الاقتصادي. وفي بداية الانتفاضة السورية حاول نظام الاسد في خلق ازمة بدفع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا للعودة الى اسرائيل لتحويل الانتباه عن اجراءاته المتشددة. وقد فشل، لكن القصف الاسرائيلي اوجد فرصة لمحاولة ذلك مرة اخرى.
وفي ظن القادة الاسرائيليين ان هناك حدودا لهذه الالعاب. فعندما قصفت اسرائيل المفاعل النووي السوري في العام 2007، التزم الاسد واتباعه الصمت ولم يردوا. واليوم يخاطرالاستراتيجيون الاسرائيليون بان الاسد منغمس في القتال بحيث لن يخاطر بالتصعيد. فقواته العسكرية ضعيفة ومتوزعة، تواجه معارضة داخلية عنيفة ومن دون قوة جوية فاعلة. وسيؤدي المزيد من الخسائر امام اسرائيل وقواتها الجوية الى حرمان النظام من حاجته اليائسة للقوات المختارة.
وقد اظهر القصف الاسرائيلي ان بالامكان انتهاك السيادة السورية من دون رد، وتتهم المعارضة السورية الاسد بانه لا يستطيع حماية سوريا من اسرائيل. وتقول انها "تحمل نظام الاسد المسؤولية كاملة في اضعاف الجيش السوري بانهاك قواته في معركة خاسرة ضد الشعب السوري".
ولكن قد تتغير حسابات الرئيس السوري اذا افلت المزيد من السلطة من بين يديه. وكما قال خبير الشرق الاوسط كينيث بولاك فان الاسد لا يزال يعتقد ان بامكانه ان يفوز، ولكن اذا اصابه اليأس فانه سيكون كثر استعدادا للتهور باستخدام كل مستودعاته للوقاية من الهزيمة. ومهاجمة اسرائيل خطوة يائسة، ولكن الاسد رجل يائس.
والمغامرة الاسرائيلية الثانية هي ان حزب الله لن يرد. اذ منذ الحرب الدموية في العام 2006، ظلت حدود اسرائيل مع لبنان هادئة الى حد كبير، ولعلها الاهدأ منذ اجيال. اذ بعد ذلك الصراع القاتل والحاسم، اسكت حزب الله مدفعيته، وهو يخشى ان تؤدي اثارة اسرائيل الى اشتباك دموي اخر يتحمل الحزب اللوم بشأنه. ويقف الحزب الان بين فكي الرحى. فقوات حزب الله تقاتل جنبا الى جنب مع الاسد، وقد فقدوا شعبيتهم في لبنان وفي انحاء العالم العربي. وفيما ارتفعت اعلامهم كابطال في مواجهة اسرائيل، فانهم الان يلامون للوقوف الى جانب قاتل ضد شعبه.
من ناحية اخرى فان الحرب السورية تثير توترا طائفيا داخل لبنان، حيث يندد المتشددون السنة بحزب الله والشيعة بوجه عام، ويقل الاهتمام بادعاءات حزب الله بانه نصير كل لبنان وليس الشيعة فحسب. الا ان قصف اسرائيل لجواهر تاج حزب الله وهو الاسلحة المستوردة فان عدم الرد يلحق الضرر بمصداقيته. وقد يكون الاغراء باستعادة تلك الشهرة مكلفا جدا.
اما المغامرة الاسرائيلية الثالثة فانها تشترك فيها مع قطر والمملكة السعودية وتركيا، وربما الولايات المتحدة الاميركية – من ان ارتفاع مستوى التدخل من الدول المجاورة سيؤدي الى انهيار سوريا. وفي نظر اسرائيل، فان الفوضى في سوريا اسوأ من بقاء النظام في سوريا، بحيث يتمكن حزب الله من الاستيلاء على مخزون سوريا او تتمكن الجماعات الجهادية الموالية لـ"القاعدة" (مثل جبهة النصرة) من الاستيلاء على السلطة في قطاعات من الاراضي السورية. وفي مثل هذه الحالة، فان سوريا ستقوم بتفريخ جهاديين على حدود اسرائيل، بالقدر الذي تخشى فيه اسرائيل من الحال الذي اصبح عليه جنوب اسرائيل في سيناء.
ومن الممكن ردع حزب الله على الاقل، لكن مجموعات القاعدة الرحالة ليس لها عنوان محدد، ولا تهتم بحماية السوريين العاديين من انتقام اسرائيل، ما يجعل ردعهم اكثر صعوبة. ويمكن للجهاديين ان يستخدموا الصواريخ ذات الدفع الذاتي (البالستية) ومخزون الاسلحة الكيميائية في سوريا ضد اسرائيل، ما يضطرها الى الرد باقتحامها او على الاقل تكرار الهجمات. وتصبح منطقة حدود اسرائيل مع سوريا التي عم فيها الهدوء لفترة طويلة ساحة حرب من جديد.
وتعد اسرائيل نفسها لكل هذه الاحتمالات بزيادة عمليات جمع المعلومات وتعزيز دفاعات الحدود. اذ اعيد تركيز مراكز الحراسة القديمة على الجولان، وقامت القيادة الاسرائيلية الشمالية اخيرا بتدريبات لكل كتائب الاحتياط بعمليات الدعوة في حالة الطوارئ المخادعة. كما نشرت بطاريات القبة الحديدية المضادة للصواريخ، بل واقفلت موقتا فضاءها الجوي.
سولا برس