عراقيات يخترن الانتحار حرقًا ليغسلن عار العائلة
قبل قتلهن بالرصاص أو خنقًا
يتزايد عدد العراقيات المنتحرات حرقًا بسبب وصمهن بالعار، وتسببهن به لعائلاتهن، وذلك قبل أن يقدم فرد في العائلة على قتلهن بالرصاص أو خنقًا. وليس السبب عدم رغبتهن في الحياة بعد اتهامهن بشرفهن، إنما السبب رغبتهن في غسل عار العائلة.
تتزايد حالات انتحار النساء العراقيات حرقًا، ما يثير التساؤلات عن جرأة المرأة على فعل ذلك وعن دوافع استخدامها هذه الوسيلة للتخلص من حياتها.
ففي الاسبوع الماضي، حرقت فتاة في الحادية والعشرين من عمرها نفسها في محافظة بابل، نتيجة مشاكل عائلية. وبحسب الباحثة الاجتماعية علياء جعفر، فإن عبارة مشاكل عائلية مصطلح فضفاض يحتمل الكثير من التفسيرات.
لا تقتصر حالات الانتحار حرقًا بين الشرائح الفقيرة في المجتمع فحسب، بل تشمل الطبقات الغنية أيضًا، كما أن تفاقمها في السنوات الاخيرة يحتاج إلى دراسة جدية، تتناول الدوافع بالرغم من تحسن الظروف الاقتصادية للمجتمع والانفتاح الاجتماعي والإعلامي.
وأعلنت الأمم المتحدة في العراق الاثنين الماضي وقوع 53 حالة قتل ومحاولة انتحار لنساء عراقيات خلال فترة ثلاثة أشهر. وبحسب وزارة الصحة بإقليم كردستان، سجلت أكثر من 740 حالة انتحار لنساء أحرقن أنفسهن خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.
وتؤكد بحوث جعفر الميدانية أن الانتحار حرقًا مردود في غالبية الحالات إلى مسألة غسل العار بعد اتهام الفتاة بشرفها، "في حين أن لحالات الانتحار بالوسائل الاخرى اسباباً أخرى كثيرة".
وتشير جعفر إلى أن قرار المرأة حرق نفسها يُتّخَذ في لحظة حرجة، حيث تُتهّم المرأة بأنها غير شريفة، وبأنها صارت عارًا على أهلها وأسرتها، ما يدفعها في تلك اللحظة إلى حرق نفسها، حيث تسجّل أغلب الحوادث لدى الجهات المعنية في فئة القضاء والقدر، أو ترد لأسباب مختلقة.
وترى أن الانتحار بهذه الطريقة هو الاسهل والأسرع بالنسبة إلى فتاة تجد نفسها محاصرة في البيت أو الغرفة، على الرغم من أنها طريقة انتحار بشعة, وهي تفصح عن معاناة كبيرة للمرأة المعنّفة من قبل الاسرة والمجتمع.
الحرق ولا القتل
تؤكد النائبة هازه سليمان، رئيسة لجنة حقوق المرأة في البرلمان، أن أعداد النساء اللواتي أحرقن أنفسهن خلال الأشهر الثمانية الماضية أقل مقارنة بالسنوات الماضية، مشيرة إلى التستر على غالبية الحالات لأسباب اجتماعية. وفي اغلب الاحيان، تدرك الأسرة الاسباب الحقيقية وراء انتحار الفتاة لكنها تتكتم عليها، ويسعون إلى اختلاق قصص وهمية حول دوافعها إلى ذلك.
يؤكد الطبيب النفسي كريم العتبي إحدى القصص البشعة لحوادث حرق النفس وأسبابها. فقد احرقت فتاة نفسها في مدينة الديوانية بنهاية العام 2012، لكنها نجت من الموت بأعجوبة ليتبين في ما بعد أن الفتاة التي اقامت علاقة حب غير شرعية مع شاب وحملت منه، وكان أخوها سيقتلها ثأرًا لشرفه، منتظرًا اللحظة المناسبة للإجهاز عليها، ادركت ذلك، فأشعلت النار في جسدها.
وفي الريف، حيث تكثر حوادث جرائم الشرف، القتل بالمسدس هو وسيلة التخلص من الفتاة المشكوك في سلوكها، في حين أن عمليات التخلص من الفتيات في المدينة اكثر صعوبة، مما يستدعي الانتظار لتنفيذ الجريمة، وهذا يمنح الفتاة فرصة الهرب بعيدًا عن الاهل والأقارب. وإذا لم تجد الفرصة لذلك تحرق نفسها.
وتشير الباحثة الكردية بيان صالح إلى أن الانتحار حرقًا خيار مر للمرأة الكردية، في ظل سيطرة مجتمع ذكوري يمارس العنف النفسي والجنسي بحقها.
تقول: "الموت حرقًا يريح الفتاة اليائسة من حياتها البائسة في مجتمع تهيمن فيه العادات والتقاليد البالية والقيم العشائرية، ونخشى أن يكون هذا الانتحار غطاءً لفعل إجرامي، يختبئ خلف مسمى عار العائلة".
الخلاص من العار
تُرجِع جعفر دوافع حرق المرأة نفسها إلى يأس كبير، يضغط على المرأة ويدفعها إلى التخلص من حياتها. وتعتقد علياء أن أغلب الناجيات من الحرق يعترفن بأن الدافع وراء عملهن ليس التخلص من الحياة بقدر ما هو تخليص الاسرة من العار الذي الحقته هي بها، كما يتصور الاهل.
تقول: "نجت تماضر محسن من الموت بعدما سكبت النار على ثيابها وأشعلت عود الثقاب في نفسها، وأُدخِلت المستشفى، ليتبين أن دافعها كان ما قاله والدها من أنها سببت العار للأسرة". وكانت تماضر قد اتهمت بإقامة علاقة عاطفية مع شاب في الجامعة، لكن الايام اثبتت أنها علاقة بريئة، وأن الشاب كان على وشك أن يتقدم لطلب يدها.
تضيف جعفر: "تعرضت تماضر لتشوهات كبيرة في الجسد والوجه، فصارت فتاة معوقة جسديًا ومريضة نفسيًا". ولا تؤيد فكرة أن الاهل هم من يقومون بحرق الفتاة التي يشكون في سلوكها، مؤكدة أنه في مثل هذه الحالات فإن الاهل لا يلجأون إلى حرق الفتاة بل إلى قتلها رميًا بالرصاص أو خنقًا.
ويشير ضابط الشرطة محمد طارق إلى تزايد حوادث انتحار الفتيات أو قتلهن، حيث أن ما يشجع على ذلك انحسار الحماية القانونية من قبل السلطات، والدور الكبير للعادات والتقاليد المحافظة والتقاليد العشائرية. ويذكر رجل الدين كريم المظفر بحرمة قتل النفس، "فهي من الكبائر بحسب الفقه الإسلامي، وقد قال تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) - البقرة :195".