«إن الصبر على حد السيف.. لأيسر علينا مما تدعونا إليه»..
كان هذا جواب الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي رضي الله عنه لرسول معاوية حين جاء يخيره بين القتل والبراءة من علي بن ابي طالب(ع). وكانت تلك العبارة كفيلة بجعل دمه رخيصا عند الأمويين، فقتل بها وهو من أجلاء الصحابة وخيارهم، وفي مدينة «مرج عذراء» التي تشهد له بمكانته وجهاده، اذ دخل اليها فاتحا ضمن قادة كتائب الجيش الإسلامي.
تركت حادثة مقتل حجر أثرا كبيرا في نفوس المسلمين، واخذت دورا مهما في تعرية النهج الأموي الذي لم يراعي صحبته ومكانته، حيث أحل دمه بجريرة الولاء لـ أمير المؤمنين. فبقي ضريحه شاهدا يخاطب الوعي، يضني ويرهق من يبرر السياسة الأموية أو يدافع عنها، حتى انه ارتبط بحكاية شعبية متداولة تشرح اللامنطقية في موقف البعض من هذه الحادثة ومثيلاتها..
مفاد الحكاية أن رجلان كانا يقفان عند ضريحه، فسأل أحدهما الآخر: قبر من هذا؟..
فأجابه: هذا قبر سيدنا حجر بن عدي «رضي الله عنه».. قتله سيدنا معاوية «رضي الله عنه».. لأنه يوالي سيدنا علي «رضي الله عنه»..!
فحوقل الرجل متعجبا وراح يصرخ فيه: أتدعي بأن سيدك قتل سيدك لأنه يوالي سيدك.. وتترضى على الجميع..!!!
لاشك إنه موقف يرفضه العقل والمنطق، لكن يتبناه البعض بحجة عدم الخوض في فتن الصحابة، فتلك «حسب رأيهم» أمة خلت، لها ماكسبت، وعليها ما اكتسبت، ونحن أقل واحقر من ان نقيم مواقفهم او ننتقدها.. وهو توجه عجيب يتعدى قمة المثالية كموقف من القضايا التاريخية، ولا نرى فيه اي تناسب مع أيديولوجيا التيار السلفي الذي يتبناه، وهو التيار الذي يتميز بضيق الصدر عن استيعاب الرأي الآخر في القضايا الفكرية والعقائدية، بينما يتسع هنا صدره ليستوعب القاتل والمقتول في قضايا اتضحت معطياتها وملابساتها!.
هذا التوجه الذي يقدم الحصانة الغير مشروطة لآلاف البشر فيضعهم فوق مستوى النقد وفي مصاف الأنبياء والرسل(ع) يبدو إنه لا يشمل جميع الصحابة على كل حال. فكان قدر الصحابي الجليل حجر بن عدي أن يستثنى من هذه الحصانة، ربما لكونه لم يحظى بامتيازات الرضا الأموي!. فقبل أيام تم هدم ضريحه الشريف ونبش قبره من قبل شرذمة تدعي الإسلام وهي ترتكب جريمة لاتقرها الأديان ولا أعراف البشر. ولم نرى انكارا لهذه الجريمة من قبل من يدعون الغيرة على الصحابة والذود عنهم! وهم الغائبون الحاضرون في ساحات القتال هناك عبر الدعم المادي والمعنوي لتلك الكتائب التي لم تفقد شرعيتها عندهم حتى بعد اعلان بيعتها لتنظيم القاعدة!
لذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصنف هذه الحادثة كتصرف فردي جاء حصيلة الفوضى في سوريا، فلا يخفى على أحد أن مثل هذا التوجه يعد معلما بارزا للتطرف السلفي. فهدم الأضرحة والمقامات يأتي ضمن أولويات اقامة الدولة الاسلامية لديهم، ورأيناها ضمن أولى مطالبهم التي أعقبت سقوط الأنظمة في تونس ومصر وليبيا. فالقضية قضية فكر يعشق الفوضى، لأنه يراها البيئة الخصبة لتطبيق فوضى العقائد.. فلا مجال هنا للمحاولات العبثية الأخيرة من قبل كتائب التكفير في سوريا للتنصل من هذه الجريمة او محاولة نسبتها الى جيش النظام، فمثل هذه الجريمة تشترط في مرتكبها امتلاك صفات خاصة تؤهله لارتكابها، ولا نعرف احدا في هذه الدنيا أهلا لها سواهم.