الحالة الاجتماعية والتنظيم السياسي للمجتمع الروماني
نشاة مدينة روما : ليست هناك رواية معتمدة خالية من الشك حول نشأة مدينة روما فنشأة هذه المدينة مسألة يحيط بها الشك والغموض من كل جانب وقد يرجع ذلك إلى فعل الزمان وقد يرجع ذلك إلى تعمد المؤرخين الرومان التحفظ في سرد تاريخهم الأول . وعلى اية حال وبعيدا عن مجال الأساطير فمن المرجح تاريخيا ان الشعوب التي تكونت منها مدينة روما كانت تقطن تلال اللاتيوم في حوالي القرن الثاني عشر ق . م في منطقة خصبة تتميز بترتبها البركانية التي كانت مصدر سعادة وخطر لهم .
وقد تعرضت روما للغزو أكثر من مرة ولكنها ظلت صامدة ومتألقة 00 ومع القرن السابع الميلادي وصل مجتمع روما إلى درجة من الاستقرار ورسوخ في الإركان مما دفع المؤرخين إلى الاعتقاد بأن مدينة روما قد أنشأت في هذا التاريخ .
العصر الملكي :- ويطلق المؤرخون على المرحلة القديمة لتطور المجتمع الروماني المرحلة الملكية أو القيصرية ورغم الغموض الذي يحيط بهذه المرحلة إلا انه من الممكن الوصول من الاثار التي تحت ايدي الباحثين إلى مجموعة من الاستنتاجات عن الأحوال الاجتماعية والسياسية العامة لهذه الفترة .
ولقد حافظ المجتمع في ذلك الوقت على العلاقات القرابية كاساس للتنظيم الاجتماعي فالتنظيم الاجتماعي للمجتمع الروماني في ذلك الوقت كان يقوم على اساس الوحدات الأبوية . والاب هو راس العائلة وممثلها وله في داخلها سلطة مطلقة على الأشخاص والأشياء .
ويرى الباحثون ان مدينة روما في هذا الوقت كانت تتكون من ثلاثمائة سلالة وان كل عشر سلالات كانت تتحد في تجمع أكبر هو العشيرة . وقد تميز المجتمع الروماني في العصر الملكي بكونه مجتمعا محدود العدد مغلقا في علاقاته الخارجية مع المجتمعات الآخرى بدائيا في نشاطة الاقتصادي .
وطبيعي ان تنعكس هذه الخصائص كلها على نظام الحكم في ذلك الوقت كان الملك هو الرئيس الأعلى المنتخب للمدينة الذي يتولى الحكم مدى الحياة . وبهذه الصفة يتمتع الملك بسلطات سياسية ودينية وقضائية فهو القائد الأعلى للجيش وهو الرئيس الإداري الاعلى وهو الكاهن الأكبر الذي يقوم بأعباء العبادة العامة في المدينة.
وكان مجلس الشيوخ يختص بالنظر في الشئون الهامة للجماعة ويتكون هذا المجلس من رؤساء السلالات الثلاثمائة التي تتكون منها مدينة روما . وبجانب مجلس الشيوخ وجدت المجالس الشعبية او مجالس العشائر وهي مجالس تمثل العشائر الثلاثني التي وجدت في روما وقد اختلف المؤرخون حول اختصاصات هذه المجالس فبينما يرى البعض انها كانت اختصاصات واسعة تتمثل في اصدار القوانين وانتخاب كبار المسئولين بما في ذلك الملك .هذا عن التنظيم السياسي للشعب الروماني 00
كيف اثرت طبقة العامة على صياغة شكل التنظيم السياسي في المرحلة الملكية ؟ ثمة رويات يرويها المؤرخون عن ان القرون الاولى لإنشاء مدينة روما قد شهدت قلاقل اجتماعية ادت إلى تحلل الشكل العشائري القديم لتنظيم المجتمع ورغم انه لا تتوافر معلومات دقيقة عن تاريخ هذه القلاقل على وجه التحديد وعن مجريات احداثها إلا نه من المرجح ان ثمة صراعات قد حدثت بين طبقة العامة من ناحية وسكان روما الاصلاء من ناحية ثانية الامر الذي ادى إلى تدخل الملك الروماني قبل الآخير سرفيوس توليوز .
قسم سرفيوس تولويز روما إلى دوائر اربع لا تمت بصلة إلى التقسيم القرابي القديم وفي هذه الواحدات الأربع اندراج كافة سكان روما كل في الدائرة التي تقع فيها ارضه دون نظر لما إذا كان من العامة أم من الأشراف .
ومن ناحية اخرى قسم سرفيوس توليوز سكان روما من الرجا عامة كانوا ام اشرافا إلى طبقات خمس على اساس الثروة التي يملكها افراد كل طبقة .
وقد كان لهذا التقسيم اهميته العسكرية00 فضلا عن أهميته السياسية فمن ناحية قام الجيش الروماني على اساس من التقسيم الجديد للطبقات الرومانية إذا التزمت كل طبقة بتقديم عدد من الكتائب للجيش وتضم كل كتيبة مائة شخص فتلزم الطبقة الأولى تقديم 80 كتيبة من جنود المشاة و81 كتيبة من الفرسان ، أما
الطبقة الخامسة فتقدم عشرين كتيبة من كتائب الأسلحة الخفيفة .
وتبدو الأهمية السياسية لهذا التقسيم في ان الكتيبة أو وحدة المائة لم تتكن مجرد وحدة عسكرية ، بل كانت كذلك وحدة سياسية .
تأتي بعد ذلك إلى الحديث عن طبيعة الحياة الفكرية والثقافية في العصر الملكي لقد كانت الثقافة الرومانية في هذا العصر لا تخرج عن كونها تعبيرا عن واقع المجتمع الزراعي المغلق الذي مازالت علاقة به كثير من بقايا وملامح المجتمع القبلي القديم .
المرحلة الجمهورية :-
يحدد المؤرخون بداية هذه المرحلة بعام 509 ق .م وقد اختفى النظام الملكي في ظروف تاريخية تبرز وسط الغموض المحيط بها من كل جانب احداث الصراعات العسكرية بين روما وبين القبائل المجاورة لها وعلى أي حال فقد تميزت هذه المرحلة بانتقال سلطة الملك باستثناء الوظيفة الكهنوتية إلى اثنين من الحكام يسمون القناصل لكل منهما حق الاعتراض على قرارات الاخر ينتخبان سنويا بواسطة مجلس الكتائب أو المئات وعندما زادت اعباء القنصلين بدءا في الاستعانة بعدد من الموظفين بعاونهما في مباشرة شئون الحكم والإدارة والقضاء وكان هؤلاء الموظفين يخضعون بداية الأمر خضوعا وظيفيا كاملا للقنصلين وبمرور الزمن استقل هؤلاء الموظفين عن القنصلين وأصبحوا يختارون بواسطة مجلس الكتائب ويمارسون مع القنصلين مسئولية الحكم وهؤلاء الموظفين هم الرقيب والمحقق وحاكم الأسواق والبريتور . ووظيفة الرقيب أنشأت عام 435 ق . م00 ليشغلها شخصان على غرار وظيفة القنصل ويختص شاغل هذه الوظيفة بإحصاء الأشخاص والأموال .
أما المحقق00 فقد كان في بداية الأمر مساعدا للقنصل لإدارة المالية العامة وتولي النظر في القضايا الجنائية ومنذ عام 240 ق .م استقلت وظيفة المحقق عن التبعية للقناصل واصبح عدد المحققين اربعة يختارهم مجلس الكتائب .
اما عن وظيفة حكام الأسواق00 يتولاها شخصان ينتخبان لمدة عام واحد من اختصاصات هذه الوظيفة إدارة بوليس المدينة ، والإشراف على الأسواق .
ووظيفة البريتور 00هي وظيفة قضائية كانت اعباؤها مناطة اصلا بالقناصل ثم انسلخت واستقلت عنهم فيما بعد وعمل البريتور ليس الفصل في النزاع ولكنه سابق على ذلك إذ يستمع البريتور إلى ادعاءات كل من الطرفين ويتحقق من مراعاة الشكل المطلوب قانونا ثم يحيل الطرفين إلى القاضي او الحكم الذي يختار أنه أو يختاره البريتور .
هذا عن حكم روما في العصر الجمهوري ماذا عن المجالس النيابية التي وجدت في هذه المرحلة ؟
ومن الثابت تاريخيا انه مع بداية العصر الجمهوري اصبح مجلس الشيوخ الجهاز الرئيسي للجمهورية الرومانية 00 ينظر المؤرخون إلى عام 287 قبل الميلاد على انه تاريخ نهاية الصراع بين العامة والأشراف هذا الصراع الذي ادى إلى أحداث تغيرات جوهرية في البناء الاجتماعي للمجتمع الروماني ومنذ ذلك الوقت بدات تتكون في المجتمع الروماني طبقة جديدة هي طبقة النبلاء التي تضم صفوة كل من العامة والأشراف بعد ان بدأ هذا التقسيم في التلاشي واكتسب اصطلاح العامة مدلولا جديدا فاصبح لا يطلق إلا على الطبقات الدنيا من سكان المدينة والريف .
تلك هي ملامح الحياة السياسية والاجتماعية في الجمهورية الرومانية تعدد مناصب الحكام من ناحية وبروز سلطة مجلس الشيوخ من ناحية ثانية وظهور العامة على سطح الحياة السياسية نتيجة نضالهم المستمر في مواجهة الأشراف من ناحية ثالثة ، على ان أهم سمات الدولة الرومانية في العصر الجمهوري تتمثل في اتساع هذه الدولة اقليميا نتيجة الفتح والغزو لتشمل ايطاليا ثم اغلب حوض البحر الأبيض المتوسط.
وأول هذه الأثار ان اجهزة الحكم الجمهوري00 لم تعد قادرة على استيعاب هذه الإمبراطورية مترامية الأطراف . وتشهد الطريقة التي اتبعها الرومان في حكم الأقاليم الجديدة على مدى تأخر اجهزة الحكم الرومانية فيهي طريقة تدل على عدم التنسيق والترابط وعلى فقدان الوحدة في اسلوب الحكم والإدارة .
أما عن النظام القانوني الروماني في هذه المرحلة فقد تخفف من شكليته المفرطة إذ لم يعد من المقبول التمسك بهذه الشكلية في مرحلة جديدة من التوسع الإقليمي والتفتح الثقافي إلا ان هذه المرحلة لم تشهد تغيرات جذرية في النظام القانوني وان لعب البريتور بواسطة منشوره دورا هاما في الاستجابة للمتغيرات الاجتماعية .
مرحلة الإمبراطورية العليا :-
يؤرخ الباحثون بداية هذا العصر بعام 27 ق.م عند\ما انفرد اوكتفيوس بالسلطة أثر انتصاره على منافسه انطونيو في معركة حربية عام 30 ق .م . بمجرد انتهاء الحروب والفتن واجهت المجتمع الروماني مجموعة من المهام الحالة اولها إعادة النظام والاستقرار إلى المجتمع الذي مزقته الحروب .
وقد درج المؤرخون على تسمية نظام الحكم في القرن الأولى لنشأة الامبراطورية الرومانية بنظام الحكم الفردي .
ويبدو ان هذه التسمية تشير إلى مضمون حقيقي من الحكم المطلق والفردي في جوهره ن الديموقراطي في مظهره فرغم الاحتفاظ بمناصب الحكام في ذلك العصر ورغم ما يتردد عن زيادة سلطة مجلس الشيوخ الا ان السلطة الحقيقية والفعلية كانت في يد الإمبراطور .
حقيقة أن كافة هذه السلطات كانت ترد من الناحية النظرية إلى إرادة الشعب ممثلا في مجلس الشيوخ ولكن هذا المجلس كان من الناحية الفعلية في قبضة الإمبراطور وهذا لا ينفي ان مكانة مجلس الشيوخ قد ارتفعت في ذلك العصر بالمقارنة بالمجالس الشعبية .
وأخذت السلطة تنتقل فعليا بالتدريج من المجلس إلى الإمبراطور00 إلى ان وصل المجتمع إلى مرحلة الإمبراطورية السفلى حيث الحكم الاستبدادي السافر . وقد انقسم المجتمع في ذلك العصر إلى الطبقات التالية ، الشيوخ ثم الفرسان ثم العامة ثم الرفيق .
وناتي بعد ذلك إلى الحياة الثقافية في المجتمع الروماني في ذلك العصر يشهد التاريخ على ان الفترة من وفاة الإمبراطور اغسطس حتى وفاة الإمبراطور ماركوس ايريليوس وكانت فرة مجد وازدهار ثقافي وعلمي في المجتمع الروماني . وقد انعكس ذلك كله على مجال القانون فشهد الفكر القانوني نهضة علمية مجيدة سواء في مجال الفقه او القضاء مما حد بمؤرخي القانون إلى أن يطلقوا على هذا العصر العلمي للقانون الروماني .
مرحلة الإمبراطورية السفلي :-
يحدد المؤرخون هذه المرحلة بالفترة الواقعة بين تولي الإمبراطور دقلديانوس وفاة الإمبراطور جستنيان. وثمة علامات بارزة ثلاثة تميز00 هذا العصر اولاها تحول نظام الحكم إلى نظام مستبد صريح في استبداده وثانيتها انقسام الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية بشرقية وإمبراطورية غربية وثالثها انتشار المسيحية .
وخلف هذه السمات البارزة الثلاثة00 تعدد وتشابكت مجموعة من العوامل تضافرت وسارت بالإمبراطورية الرومانية نحو تصدعها وتحللها . وقد اختلف المؤرخون وتضاربت اتجاهاتهم في تفسير عوامل الانحلال التي ادت إلى تدهور الإمبراطورية الرومانية فبينما أرجعها البعض إلى التغيرات الاجتماعية التي حدثت نتيجة اختلاط الغزاة الرومان بشعوب الأقاليم المفتوحة ارجعها البعض الآخر إلى مجرد تغيرات في المناخ وخصوصا شح الأمطار الذي ألحق أضرارا بالغة بالحياة الاقتصادية .
وثمة مظهر هام من مظاهر سوء الحال في الإمبراطورية في هذا العصر يتمثل في عدم وجود اسلوب واضح ومستقر عليه ومعترف به لانتقال سلطة العرش في الدولة الرومانية . وانفجر الصراع من جديد حول السلطة بين الحكام ونوابهم الذين كانوا يشاركونهم فيها ومرة اخرى اندلعت الحروب الأهلية .
ولقد أدت الحروب الأهلية التي اندلعت في الإمبراطورية بين الحين والحين إلى جانب الغزوات المتكررة التي تعرضت لها حدود البلاد أن اكتسب الجيش اهمية قصوى ومنذ القرن الثالث الميلادي اصبح باديا كما لو كان الجيش قد فقد كل إمكانية لضبط وربطه والتحكم فيه فصارت الاطماع الشخصية هي التي تحرك الجنود للحروب دون اعتبار لمبدأ الولاء للإمبراطورية .
فقد أدت المتطلبات المتزايدة لكل من الجيش والآباطرة المستهترين إلى تحمل خزانة الدولة بأعباء جسام ومن ناحية اخرى ادى انتشار الفقر في انحاء الإمبراطورية إلى ان اصبحت جباية الضرائب من اشق الأمور على الحاكم والمحكوم ومن ناحية اخرى اولى الأباطرة اهتماما كبيرا لتعزيز جهاز الموظفين في العاصمة وفي المقاطعات من اجل جباية اكبر قدر ممكن من الضرائب . ورغم اثر غزوات البرابرة في التعجيل بنهاية الإمبراطورية إلا ان هذه الغزوات لم تكن هي العامل الوحيد في الانهيار فلا شك ان ضعف الحكومات وانشغال الجيش عن الحرب بالسياسة وعموم الفوضى والمظالم الاجتماعية كلها امور جعلت من الإمبراطورية صيدا مهكا لا يصعب الايقاع به على جيوش غير متحضرة .