الاستخدامات التي تناولت مفهوم المجتمع المدني من قبل العلماء والمفكري الغربيين خلال تلك
المرحلة التاريخية توضح لنا التطور في استخدام المفهوم. فنجد فلاسفة العقد الاجتماعي
تعاملوا مع العلاقات التعاونية بين الأفراد باعتبارها علاقات منشئة للمجتمع وحافظة لاستقراره
فيما تطور المفهوم على يد هيغل الذي ميز بي المجتمع المدني كشبكة من التفاعلات التلقائية
القائمة على العادات والعرف والتقاليد، وبين الدولة بوصفها مجموعة من المؤسساات السياساية
والقانونية التي تمارس في إطار شبكة من العلاقات السابقة. إلا أن هيغل أكد إ ن المجتمع المدني
لا يقوم إلا عبر الدولة المؤهلة لحل اشكالياته الداخلية وتأمين استمرار وتطوره بصورة نمطية .
لذلك وجب خضوع المجتمع المدني إلى سلطة الدولة فالعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني
بنظر هيغل، تعتمد على نوع من التباين والاعتماد المتبادل، وعلى الرغم من استقلال الأخير إزاء
الدولة، إلا انه يفترض حدودا معينه لهذا الاستقلال من جانب الدولة. حاجة المجتمع المدني
إلى الدولة، هي أكثر من منطقيه، إنها حاجة واقعية وحتى أخلاقية، فالمجتمع المدني لا يمكنه أن
يصبح مجالا أخلاقيا ويظل مدنيا إلا إذا تم تنظيمه سياسيا وأخضع للإشراف الأعلامى للدولة
وهيمنتها. إذ يستحيل على المجتمع المدني وفق تصورات هيغل أن يوجد من دون الدولة ثم
اخذ المفهوم شكله النهائي وليتفق اغلب المفكرين فيما بعد على أن المجتمع المادني هو تلك
الهيئات الاجتماعية الوسيطة. والمؤسسات المستقلة عن السلطة السياسية التي تستطيع أن تنظم
شؤونها الخاصة وتديرها بمعزل عن سلطة الدولة ولاكن رغم هذ الجذور التاريخية للمفهوم
إلا أن استخدامه بشكل مكثف في أدبيات السياسة المقارنة ارتبط بعقدي الثمانينيات والتسعينيات
من القرن الماضي حيث احتضن مفهوم المجتمع المدني من قبل المفكرين والمجموعات السياسية
المختلفة ورفع شعارا للديمقراطية والحقوق المدنية، ولقد تعامل هؤلاء مع الفكرة وفق مفاهيمهم
وتفسيراتهم المتباينة واستثمروها بما يتفق مع أفكارهم ومعتقداتهم ومصاالحهم و خرجاوا منهاا
حسبما يرغبو ويريدو ، لقد فسر مفهوم المجتمع المدني بالعلاقة مع كل شئ بدئا بالتعدديات
الاجتماعية وحقوق الإنسان والخدمة العامة والمواطنة الفعالة وتجزئة السلطة والمشا ركة
الاجتماعية والسياسية. وبذلك أتخذ هذا المفهوم عبر مسار تطور دلالات مختلفة وصورا ومعاني
متباينة وفق المنظور الفلسفي والفكري والعقائدي والذاتي الذي عومل به وفسر على أساساه
وبالطريقة نفسها تعامل المفكرين العرب مع المفهوم فقد عرف الدكتور محمد عابد ا لجابري
المجتمع المدني على انه المجتمع الذي تنتظم فيه العلاقات بي أفراد على أساس الديمقراطية
ويعرفه الدكتور محمد عبد الفضيل على انه مجموعة المؤسسات والفعاليات والأنشطة التي تحتل
مركزا وسيطا بين العائلة باعتبارها الوحدة الأساسية وبين الدولة