حجية الإقرار في الإثبات المدني وسلطة المحكمة في تقديره
حجية الإقرار في الإثبات المدني
يُعدّ الإقرار حجة قاطعة وقاصرة على المقر ، أي يُعدّ حجة كاملة إذا صدر مستوفياً لشروطه القانونية فلا يحتاج إلى ما يؤيده أو يدعمه في الكشف عن الحق أو الواقعة المدعى بها فالمقر به يصبح ثابتاً وهذا الثبوت يلزم كل من المقر والقاضي() . وقد نصت المادة (68/ أولاً ) من قانون الإثبات على هذا الحكم (( يلتزم المقر بإقراره )) وليس للمقران يقدم دليلاً لإثبات عكس ما أقر به .
عليه يبقى المقر ملزماً بإقراره ما لم يثبت كذبه بحكم وهذا ما نصت عليه المادة (68 / أولاً ) من قانون الإثبات (( أولاً : يلتزم المقر بإقراره إلا إذ كذب بحكم )) . كما أن المادة (68/ ثانياً ) جاء بحكم آخر وهو (( لا يصح الرجوع عن الإقرار )) فالأصل عدم جواز الرجوع عن الإقرار لأن الإقرار إخبار بحقيقة واقعة تمت قبل صدوره لذلك لا يجوز للمقر أن يحجب هذه الحقيقة بعد أن ظهرت واضحة سواء كان ذلك قبل صدور الحكم المبني على الإقرار أم بعد صدوره () .
إلا أن الأحكام المذكورة ليست مطلقة وآية ذلك إن للمقر أن لا يلتزم بإقراره إذا كُذِب ذلك الإقرار بحكم ((المادة 68/ أولاً)) من قانون الإثبات كما أن للمقر أن يرجع عن أقراره إذا كان الإقرار مبنياً على غلط أو تدليس أو إكراه أو إذا كان الإقرار صورياً أو إذا صدر عن المقر وهو ناقص الأهلية ولابد من الإشارة إلى هذه الأمور بشيء يسير من التفصيل .
إن رجوع المقر عن إقراره نتيجة وقوعه في غلط فما هو الغلط الذي يبيح للمقر الرجوع عن أقراره هل هو (( الغلط في الواقع )) أم هو (( الغلط في القانون )) ؟ لقد أختلف فقهاء القانون حول هاتين الحالتين أما فيما يخص (( الغلط في الواقع )) فذهب رأي إلى أن الغلط الذي يبيح للمقر الرجوع عن إقراره هو الغلط في الواقع وعزز قوله بان الفقه والقضاء يسلم بالرجوع عن الإقرار (( لغلط في الواقع )) ويمكن الأخذ به دون نص صريح تطبيقاً لقواعد العامة () .
في حين هناك رأي يذهب إلى عدم جواز الرجوع عن الإقرار لغط في الواقع واستخلص هذا الحكم من صراحته المادة (68 / البند الثاني ) من قانون الإثبات ().
أما فيما يخص رجوع المقر عن إقرار نتيجة وقوعه في ((غلط في القانون )) فيتجاذب هذا الاتجاه رأيان :-
الرأي الأول / لا يجيز للمقر الرجوع عن إقراره إذا صدر نتيجة غلط في القانون لأن الغلط في القانون لا يبرر الرجوع عن الإقرار ولأن ((الجهل بالقانون ليس بعذر )) .
الرأي الثاني / يعتد برجوع المقر إذا كان إقراره بالمقر به يستند إلى غلط في القانون لأنه لم يرد نص قانوني صريح باستثناء الغلط في القانون من جواز العدول عن الإقرار وبذلك يجوز الرجوع عن الإقرار سواء كان نتيجة غلط في الواقع أم غلط في القانون () .
أما إذا صدر الإقرار نتيجة تدليس أو إكراه أو صدر عن المقر وهو ناقص الأهلية أو كان الإقرار صورياً فبعدّ إثبات ذلك بالطرق القانونية فان للمحكمة أن تبطل الإقرار لا على اعتبار أن الإقرار يصح العدول عنه بل لأنه إقرار ثبت كذبه() .
نخلص مما تقدم بان حجية الإقرار في الإثبات المدني هي حجية كاملة متى جاء الإقرار مستوفياً للشروط القانونية لأن الإقرار حجة قاصرة على المقر حسب نص المادة (67) من قانون الإثبات العراقي .



سلطة المحكمة في تقدير الإقرار
لقد سبق القول أن الإقرار حجة قاصرة على المقر ويعدّ حجة كاملة إذا صدر مستوفياً لشروطه القانونية فلا يحتاج إلى ما يؤيده أو يدعمه في الكشف عن الحق أو الواقعة المدعى بها فالمقر به يصبح ثابتاً وهذا الثبوت يلزم كل من المقر والمحكمة.
إلا أن الإقرار لا يأتي على شاكلة واحدة وإنما هناك أنواع عدة للإقرار فالإقرار ثلاثة أنواع هي () :-
الإقرار البسيط : هو الذي يقتصر على إقرار مجرد بما يدعيه الخصم دون تعديل أو إضافة ولا محل للبحث في التجزئة لأنه ينطوي على تقرير موحد يتمخض كله لصالح الدائن .
الإقرار الموصوف : وهو الإقرار بالواقعة المدعاة ولكن مع وصفها بوصف آخر يعدل منها أو إضافة ظرف يكون من شأنه أن يغير من طبيعتها فالمسألة تتعلق هنا بظرف يضيفه المقر إلى الواقعة كمن يقر بالدين ويدعى أنه معلق على شرط أو مضاف إلى أجل أي أن الذي تجب مراعاته في الوصف هو أن يكون مقترن بالدين وقت نشوئه لا أن يكون حادثاً جد بعده. والأجل والشرط وصفان يقترنان بالدين وقت نشوئه ، لا يجدان بعده ومن ثم يكون الإقرار موصوفاً وحكم الإقرار الموصوف أنه لا يتجزأ على صاحبه () .
الإقرار المركب : وهو الإقرار الذي يعترف فيه المقر بالواقعة المدعى بها دون تعديل ولكنه يضيف إليها واقعة من شأنها أن تخلق دفعا لصالحه ضد ما يدعيه خصمه ، فالواقعة المضافة لا تقترن بالواقعة الأصلية بل تجد بعدها فالإقرار المركب يتكون من واقعة المديونية وهي الواقعة الأصلية وواقعة الوفاء اللاحقة ولكنها مع ذلك تؤثر على النتائج القانونية الأصلية المقر بها () .
ذهبت محكمة التمييز في أحد قراراتها إلى القول (( إن إقرار المدعى عليه بالمبلغ المدعى به ودفعه بالتسوية والتسديد هو إقرار مركب أما أن يُقبل برمته أو يرفض وبما أن المدعي قد رفض هذا الإقرار ولم يؤيده فيكون عليه عبء إثبات الادعاء )) () .
حيث أن الإقرار هو واقعة مادية وان الإقرار يمكن الركون إليه والأخذ به بعد أن تتوافر فيه شروط معينة تسمى ((شروط صحة الإقرار )) ومن ثم لابد من خضوع الإقرار لسلطة المحكمة ولابد من وجود رقابة قضائية لغرض التحقق من توافر تلك الشروط في شخص المقر والمقر له وفي ( محل الإقرار ) أي المقر به .
وتجنباً للغوص في تفاصيل الإقرار وجزئياته المتشعبة والتي لا مجال لبحثها في الموضع من الدراسة لكونه مخصص لاستعراض أحكام المحاكم وبيان مدى سلطة المحكمة في تقدير الإقرار لذا سوف نقتصر على استعراض التطبيقات القضائية .
فقد ذهبت محكمة التمييز في قرار لها إلى (( إذا اقر المدعى عليه أثناء المرافعة ودون أقراره في محضر الجلسة فأنه ملزم بهذا الإقرار ويتعين القضاء بالمقر به)) () .
ذهبت محكمة التمييز في قراراً آخر لها (( لا يجوز للمحكمة تجزئة الإقرار والأخذ بجزء منه وإهمال الجزء الآخر إذا انصب الإقرار على واقعة واحدة)) () . وذهبت محكمة التمييز الاتحادية في قرار لها (( ... وتبين أن المذكور (الشخص الثالث ) يستغل المساحة الصالحة للزراعة من القطعة والبالغة (90/ 19/ 2) دونم حسب تقرير الخبراء المساحة الثلاثة المقدم في تلك الاضبارة وهذا الإقرار ملزم للشخص الثالث ولا يجوز له الرجوع عنه حسبما ورد بأقواله في الجلسة المؤرخة 5/8 / 2009)) () .
كما ذهبت محكمة التمييز الاتحادية في قرارها آخر لها إلى (( إذا اقر وكيل المدعى عليه بانشغال ذمة موكله بالمبلغ المدعى به ودفع بالتسديد فلا يجوز تجزئة هذا الإقرار وعلى المحكمة تكليف المدعي بالإثبات ومنحه حق تحليف المدعي عليه اليمين الحاسمة عند عجزه عن الإثبات)) () .
لقد ذهبت محكمة استئناف بغداد / الرصافة الاتحادية بصفتها التمييزية في قرار لها إلى (( أقرار المدعى عليها بالتعهد الخارجي حجة قاصرة عليها ولا يسري بحق أولادها القاصرين مما يقتضى الوقوف على أقوال ممثل رعاية القاصرين))().
من خلال استقراء أحكام القضاء نخلص إلى نتيجة مفادها أن سلطة المحكمة في تقدير الإقرار في الإثبات المدني هي سلطة محدودة جداً لكون الإقرار إذا ما جاء بشكله الصحيح مستوفياً لشروط صحته فانه يكون حجة على المقر ولا تملك المحكمة حيال ذلك إلا إنفاذ ذلك الإقرار وتأسيس حكمها على ذلك الإقرار باعتباره حجة قاصرة على المقر استناداً لأحكام المادة (67) من قانون الإثبات .
إن أحكام القضاء ما هي إلا ترجمة للأحكام التي جاء بها قانون الإثبات باعتبار الإقرار حجة قاصرة على المقر وان المقر ملزم بإقراره ولا يصح الرجوع عنه فإذا ما أقر الشخص بحق للغير عليه تكون المحكمة المدنية ملزمة بالأخذ بهذا الإقرار وان المقر يصبح ملزماً بإقراره شرعاً وقانوناً () .

منقول