القاضي عواد حسين ياسين العبيدي
إن دلالة اللفظ على المعنى هي من الأمور التي شغلت أفكار أهل الكلام وعلماء أصول الفقه الإسلامي والفلاسفة ويروى أن (( فُولْتير voltair)) () كان يبدأ المناقشة دائما بقوله (( حدد ألفاظك )) (( فالعلم بمعاني ألفاظ علماً صحيحاً لا يستغني عنه التفكير الصحيح ولا الحكم الصحيح )) () .
ورد في بحث الدكتور كايو عن (( سلطان الألفاظ )) أن أحد الأمراء الصينيين أستفتى فيلسوف الصين ((كونفشيوس kenfoshiyos )) فيما يصلح دولته بعد ان استبدت بها الفوضى والاضطراب فقال الفيلسوف إن الدولة تصلح (( بوضع الألفاظ في مواضعها )) وأضاف حين لا توضع الألفاظ في مواضعها ((تضطرب الأذهان وحين تضطرب الأذهان تفسد المعاملات )) () .
إذا كان هذا الحال في علوم المعرفة المختلفة فأن الأمر أشد وطئاً في مجال العمل القانوني وأكثر ضرورة لتحديد معاني النصوص القانونية ومن المسائل التي بحاجة إلى وقفة جدية ومناقشة وتحليل هي اتجاه المشرع العراقي باستعماله مصطلحي ((الإقرار )) و ((الاعتراف )) فقد ورد مصطلح (( الإقرار )) في قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 المعدل المواد (( 59-70 )) الباب الثاني ((طرق الإثبات)) الفصل الثاني (( الإقرار)) كما أن المشرع العراقي استعمل مصطلح الإقرار في قانون (أصول المحاكمات الجزائية رقم (23) لسنة 1971 المعدل في المواد (( 127 و 213 ، و 217 و 218 و 219 )) في حين استعمل مصطلح ((الاعتراف)) في المادة (181، د) الأصولية . وإزاء اتجاه المشرع العراقي فإن السؤال الذي يطرح نفسه بشدة هل أن ((الإقرار )) و(( الاعتراف)) هما من الألفاظ المترادفة ؟ على اعتبار أن الترادف هو عبارة عن ((الاتحاد في المفهوم )) ؟ أو بعبارة أكثر دقة اعتبار الترادف هو ((توالي ألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتباره واحداً )) () ؟.
أم إن ((الإقرار)) و (( الاعتراف)) هما متفاوتان في دلالتهما وحجيتهما في الإثبات مدنيا وجزائيا ً ؟ لغرض الوصول عن إجابة لهذا السؤال المهم آثرنا اختيار موضوع (( الإقرار والاعتراف قراءة في ثنائية المصطلح وحجية الإثبات مدنياً وجزائية )) وتناولنا هذا الموضوع وفق خطة بحث تتكون من مقدمة ومبحثين وخاتمة حوت أهم النتائج والتوصيات .
التعريف بالإقرار وشروطه وحجيته في الإثبات المدنيوسلطة المحكمة في تقدير الإقرارالتعريف بالإقرارلغرض إعطاء فكرة واضحة عن الإقرار لابد من تعريفه في اللغة وفي الفقه الإسلامي وفي القانون وهذا ما سنتناوله تباعاً .
الإقرار لغة :-
يقال : أقر يقر إقراراً بمعنى وضح الشيء في قراره . ويقال أقررت الكلام لفلان إقراراً أي بيّنه حتى عرفه ، وتقرير الإنسان بالشيء : جعله في قراره . وقررت عنده الخبر حتى استقر () والإقرار : إثبات الشيء ، وأقر بالحق أعترف به وأثبته على نفسه () .
قال تعالى :{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ }() .
أما الإقرار في الفقه الإسلامي فقد عُرِف عدة تعريفات إلا أن التعريف الذي نميل إلى الأخذ به هو التعريف الذي ذهب إليه جمهور فقهاء المسلمين فقد عرفوا الإقرار بأنه (( إخبار الإنسان عن ثبوت حق للغير على نفسه )) ( ) .
أما الإقرار في قانون الإثبات العراقي فقد عرف المشرع العراقي الإقرار في المادة (59) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979() بعد أن ميّز بين الإقرار القضائي والإقرار غير القضائي فقد نصت المادة المذكورة أعلاه على (( الإقرار القضائي هو إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه لآخر والإقرار غير القضائي هو الذي يقع خارج المحكمة )) يفهم من المادة المذكورة أن الإقرار القضائي هو الإقرار الذي يقع أمام المحكمة أما الإقرار غير القضائي فهو الذي يقع خارج المحكمة ((خارج مجلس القضاء في غير الدعوى التي أقيمت بالواقعة المقر بها))().
عرفت المادة (91) من قانون البينات السوري الإقرار بأنه (( إخبار الخصم أمام المحكمة بحق عليه لآخر )) وعرفت المادة (103) من قانون الإثبات المصري الإقرار بأنه (( اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة )) .
وهذان التعريفان يقتصران على ((الإقرار القضائي)) الذي يصدر من أحد الخصمين أثناء النظر في الدعوى أما التعريف الشامل للإقرار القضائي وغيره فقد عرفه شراح القانون بتعريفات مختلفة فقد عرفه الدكتور عبد المنعم فرج الصدة ((بأنه اعتراف شخص بواقعة من شأنها أن تنتج آثاراً قانونية مع قصده أن تعتبر هذه الواقعة صحيحة في حقه )) وعرفه الدكتور رزق الله أنطاكي بأنه (( اعتراف شخص بحق الآخر سواء قصد من هذا الاعتراف ترتيب الحق بذمته أم لم يقصده )) () .
إلا أن التعريف الأقرب لحقيقة الإقرار في نطاق الإثبات المدني هو التعريف الذي أورده الدكتور سليمان مرقس حيث عرف الإقرار بأنه (( اعتراف شخص بحق عليه لآخر بقصد اعتبار هذا الحق ثابتاً في ذمته وإعفاء الآخر من إثباته))().
التعريف الأخير هو الذي نميل إلى الأخذ به لكونه محتوياً على كافة شروط صحة الإقرار كما إنه شاملاً للإقرار القضائي وغيره .