عبد حمود سكرتير واقرب شخص لصدام حسين الذي يخونه ويساهم في القبض عليه







النخيل-رغم أن المؤلف لعب دوراً أساسياً خلال عمليات التفتيش على أسلحة الدمار الشامل في العراق، على النحو الذي استعرضنا جانبا منه في الحلقات الماضية إلا أنه يقدم لنا جوانب مثيرة من لعبة الصراع بين الولايات المتحدة والعراق، في المراحل التالية من خلال تقديم تفاصيل عديدة كان هو طرفا في بعضها أعقبت مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي للبلاد في 2003.
وهنا يذكر دولفر أنه وقبل أن يغادر إلى بغداد لاستكمال مهامه في عام 2004 اجتمع إلى الرئيس الأمريكي بوش وكان ما يشغله هو سؤال أساسي يعبر عن رؤيته بشأن مسيرة التحقيق في قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية وتتمثل في انه لكي يتم التوصل إلى محاسبة دقيقة لنظام صدام كان ـ المؤلف ـ يريد أن يكون لديه السلطة والمرونة التي تسمح له بلقاء المسؤولين العراقيين الكبار في نظام صدام خاصة في ضوء حقيقة أنه شخصيا كان يعرف العراقيين الذين يمكن أن يجيبوا على الأسئلة التي تشغله وتساعده في التوصل إلى ما يريد.
ويبدو من تناول المؤلف في هذا الجزء أنه غاص في المجتمع العراقي ليس فقط على صعيد قيامه بمهمته وإنما على كافة المستويات وهو ما يتضح جليا من تأكيده على أنه كان على صلة وثيقة بأفراد من مختلف الفئات العراقية ومن هنا كان رجاؤه إلى بوش الإبن أن يتيح له الوصول إلى أولئك الذين يملكون المفاتيح الرسمية والذين لديهم المعرفة المفصلة بصدام وبرنامجه للتسلح بأسلحة الدمار الشامل.
وفي تأكيد على أهمية هذا الجانب يذكر أنه تم استجواب صدام إثر القبض عليه بشأن أسلحة الدمار الشامل غير أنه لم يقدم أمرا ذي قيمة بشأن هذه القضية.
وقد كان الرئيس بوش يعرف ذلك ، بل وإنه حتى إذا ما تحدث صدام فقد كانت هناك حاجة لمعرفة مدى صدق ما يقوله، وهو ما كان يتطلب الوصول إلى الحقيقة من خلال المقربين من الرئيس العراقي نفسه.
ولا يعني ذلك التقليل من أهمية صدام، بل العكس على نحو ما سنستعرضه في الحلقة المقبلة، فقد كان هو الهدف الرئيسي، ولكن كان هناك حاجة للمصادر الأخرى لمعرفة كل الخبايا بشأن عمليات التسلح العراقية.
ورغم ما يتمتع به المؤلف من بديهة حاضرة إلا أن القضية الأساسية هنا هي عدم تقديمه لأفق سياسي أوسع في ضوء ما جرى رغم أن الكتاب كما يبدو جرى إعداد مادته حديثا تواكب تطورات هذا العام، وهو ما يشير بشكل أو بآخر إلى أن المؤلف تحرك ويتحرك في شق كبير من مهمته بناء على خلفيته المهنية كخبير تقني في مجال التفتيش على أسلحة الدمار الشاملة العراقية المزعومة.
النفاذ لأقرب المقربين
كان هدفي الرئيسي ـ يقول المؤلف ـ هو الوصول إلى الشخص الذي كان يبدو أنه يلم بكل صغيرة وكبيرة بحكم قربه من صدام وهو سكرتيره عبد الحميد حمود وكان دولفر يعرف حمود من أيام اليونسكوم حيث خاضا في مناقشات مستفيضة بشأن مسار سلسلة من عمليات التفتيش على القصور الرئاسية.
لقد كان الأقرب إلى صدام ومن المرافقين السابقين وكسكرتير رئاسي فقد كان يعرف كل شيء ويتحكم فيما يمكن أن يصل أو يخرج من عند صدام وكان عبد الحميد الرجل الذي يتوق المؤلف إلى الوصول إليه من أجل استكمال مهمته. كان يمكنه أن يجمع قدرا كبيرا من المعلومات من الآخرين للسجل التاريخي.
وعلى هذا راح يذكر للرئيس بوش خلال استقباله له أنه يوجد شخص يمكن أن يكون أساسيا بحكم اقترابه من صدام هو عبد حمود مضيفا: إن مساعدي صدام سيعرفون الإجابات بشأن أسلحة الدمار الشامل وأنه يحتاج إلى الحديث معهم بشكل صريح.
وبدا حديث المؤلف للحاضرين غريبا على ما يذكر وقد كان من بينهم جورج تينيت وكوندوليزا رايس وآخرين وراح تينيت يهز رأسه ناظرا إليه بتمعن ولقد كان الأخير تمكن بموافقة رئاسية واضحة من إقرار برنامج التحقيقات تحت وقع التعذيب بشكل تمكن معه من القبض على قادة القاعدة ويقول المؤلف إنه تحدث بشكل غير رسمي مع البعض من الأشخاص الذين يعرفهم أو لديهم معرفة بشأن هذه الأساليب والآراء لم تكن قاطعة ومع ذلك فإنه في بعض الحالات فإن مثل هذا النوع من الاستجواب حقق بعض النتائج.
ويضيف ربما يكون ذلك مجديا بالنسبة للقاعدة غير أنه ليس الأسلوب الأمثل للتعامل مع الحالة التي يشير إليها بشأن مساعدي صدام. فهم مسؤولون رسميون على مستوى عال وعلماء ورغم أنهم يعتبرون أعضاء في حكومة سلكت سياسات انتابها قدر من الترويع فإنهم يرون أنفسهم باعتبارهم يمثلون النخبة ويضيف دولفر في معرض توضيح فلسفته: إنني أريد الجزرة وليس العصا ولقد كانت الأهداف ـ مسؤولو نظام صدام ـ في السجن مع احتمال تسليمهم إلى حكومة عراقية جديدة ما كان يحد من الدور الأمريكي.
عبد الحميد ورايس
كان دولفر يخشى من أن لا يقدر النظام العراقي الجديد قيمة هؤلاء ويغرق في المعاملة السيئة لهم ، ليس إشفاقا عليهم بالطبع، وإنما خشية من أن يؤدي ذلك إلى عدم تعاونهم وبالتالي عدم الوصول إلى ما يراه حقيقة ويقول في معرض توصيفه لذلك أن كل تغيير في دولة مثل العراق يكون له نتائج كارثية على السابقين.
وكان يريد أن يوفر لهؤلاء وضعا أفضل بدلا من الانتقال من السجون الأمريكية إلى السجون العراقية من أجل حثهم على قول ما يراه حقيقة وعلى هذا راح يقول للرئيس بوش أنه يعرف الناس القريبين من صدام الذين ربما يعرفون أين كانت أسلحة الدمار الشامل؟ وأنه يود لو يؤثر على مستقبلهم إذا ما استطاعوا التعاون معه.
ولقد كان عبد الحميد حسب المؤلف أقرب إلى وضع رايس بالنسبة لبوش وكان من المعتاد أن يظهر في الصور خلف صدام. وعندما قال المؤلف أنه يعرفه بدأت علامات تساؤل على وجه بوش مضيفا أنه يرى في ذلك أمرا مفيدا ومن خلال عمله قبل الحرب كان المؤلف يدرك أن إدارة بوش تعمل على عرض أموال وإغراء بعض مسؤولي نظام صدام حال انشقاقهم على النظام وكان ذلك الأساس الذي يرى المؤلف أنه قد يكون مناسبا مع من يتعاون معه من هؤلاء وكان ذلك ما ينويه عندما التقى عبد الحميد مرة ثانية.
ومن المفارقات التي يذكرها المؤلف وقد يكون محقا فيها بعض الشئ بحكم خبرته على أرض الواقع أنه كان يعرف فريق صدام بشكل جيد أكثر مما يعرفه المقربون من الرئيس بوش..لم يكن لديه شعور بالود أو حتى الاحترام تجاه عبد الحميد ولكنه جعله يشعر بأنهما نظرا عندما التقيا في بغداد وفيما أن الأول الآن في السجن، فإن الثاني ـ المؤلف يجلس مع بوش في صالون البيت الأبيض.
تيسير مهمة الأميركيين
وهنا يوضح المؤلف أنه جمع بعض المعلومات التي استخدمها في الاستجوابات. فناجي صبري الوزير العراقي السابق عرض بعض الإفادات بشأن القرارات التي أدت إلى الحرب وبشأن حالة السخط التي تتزايد لدى بعض العراقيين جراء عجزهم عن التأثير على القرارات الخاصة بالقيادة التي تتركز في صدام والمحيطين به الأربعة وهم طه ياسين رمضان وعزت إبراهيم الدوري وطارق عزيز وعلي حسن المجيد أو علي الكيماوي وانطلق المؤلف في موقفه رغم ما يبدو عليه من ضعف من أنه رغم وجود صدام فإن دوافعه للاعتراف محدودة فضلا عن أن حرية التعاطي معه غير كبيرة.
وكان عبد الحميد رقم 4 في ورقة الكوتشينة التي جرى توزيعها بشأن القادة العراقيين المطلوب القبض عليهم. في تأكيده على صحة نهجه يشير المؤلف إلى مجموعة من السياسات التي جرى اتخاذها فيما يتعلق بالتعامل مع المعتقلين عقدت الأمر ويرى أنها خلقت أعداء كثر للولايات المتحدة في العراق وهو ما انتهى به إلى رفع الأمر إلى مستويات عليا في عديد من المناسبات بما في ذلك كوندي ولم يتم اتخاذ شيء على أرض الواقع. لقد كان أكثر العراقيين الذين يمكن أن يتعاونوا في السجن فيما توجد عقبات عدة تحول دون الإفراج عنهم بفعل الطريقة الخاطئة التي تعاطت بها الإدارة الأمريكية مع الموقف، الأمر الذي أتاح للحكومة العراقية أن تبقي على عدد من هؤلاء في السجن لفترة طويلة بعد أن تسلمت مقاليد الأمر من قبل الولايات المتحدة.
وراح يؤكد لفريقه أنه يريد من عبد الحميد معرفة كل شيء عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وأنه إذا قال أنه يعرف القليل فهو يكذب. كما كان دولفر يريد معرفة من كان يدفع في قضية احتكار العراق لمواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن؟ نريد معرفة تلك المعلومات لمعرفة نوايا النظام.
رئيس خلية من المساجين
في إحدى الجلسات راح المؤلف يقول لعبد الحميد إن صدام قد انتهى وأنه إذا كان يعتقد أنه رئيس العراق فإنه ليس سوى رئيس لخلية من المساجين، وراح يخاطب عبد الحميد قائلا: مع ذلك فإن المستقبل ما زال أمامك؟ في هذه اللحظة راح عبد الحميد يقفز قائلا : إنني أعرف أن صدام قد انتهى هل تعرف أنني قدمت معلومات ساهمت في القبض على صدام، وأن الضباط الأمريكيين شكروني على ذلك؟
وعندما أخبره أنه يريد أن يقدم للمسؤولين الأمريكيين الحقيقة بشأن صدام وأسلحة الدمار الشامل راح عبد الحميد يتكلم قائلا: إنني سأحكي لك أي شيء تريده يا مستر دولفر. إنني صديقك. وراح ينأى بنفسه عن العديد من قرارات صدام.
راح دولفر ضمن اللقاء يعرض عليه وثيقة تصف ما جرى في لقاء بين صدام ومدير المخابرات طاهر جليل حبوش في مارس 2003 قبل الحرب مباشرة بشأن طبيعة رد الفعل الأمريكي إذا ما استخدم العراق أسلحة كيماوية ضد القوات الأمريكية، حسبما ورد في وثيقة من المخابرات يشتبه بها تم الحصول عليها من قبل جماعة الجلبي وتسليمها للولايات المتحدة فكشف له عن أن جانبا من الوثيقة صحيح فيما أن الجزء الأخير فيها جرى تزويره. ويؤكد المؤلف على صحة هذه الرواية.
لقد أجاب عبد الحميد على الأسئلة التي طرحها عليه المؤلف كتابة وبدقة وراح يتحدث عن أهداف صدام بشأن الحصول على أسلحة دمار شامل وبشأن ما دار في مجلس الأمن. وراح يتحدث عن كيف تمكن صدام من التأثير على أعضاء مجلس الأمن وخاصة روسيا: إن صدام رغب في امتلاك العراق أسلحة دمار شامل وأسلحة بيولوجية وكيماوية في ضوء رغبته في توازن الشرق الأوسط خاصة في ضوء امتلاك أقطار عدة هذه الأسلحة مثل إسرائيل.