النساء الإنتحاريات ... متعة (الجسد) بنكاح الجهاد و تسامي (الروح) بالتفخيخ
السبت, 04 أيار 2013
أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي، عن أدراج اسم جوان تشيسميرد (65 عاما) العضو سابقاً في (حزب الفهود السود) و (جيش التحرير الأسود) في قائمة الإرهابيين المطلوبين، على رغم مضي عقود من الزمن على اعتكافها الاعمال المسلحة بعد لجوئها الى كوبا منذ العام 1984 ، حيث تقيم هناك منذ ذلك الوقت.وهذا الاعلان، الذي لفتت فجائيته المتابعين لقضايا الارهاب والجماعات المسلحة في العالم، يذكّر بالتزام الدول بملاحقة الارهاب مهما طال الزمن، فجرائمه لا تسقط بالتقادم، وينطبق الامر على انتحاريات وانتحاريين في العراق، حيث تطالب جهات سياسية محلية وإقليمية (ينتمي) اليها اولئك الانتحاريون، بالعفو عنهم، تحت ذرائع وأسباب شتى من بينها، اشاعة روح التسامح ، بديلاً لروح الانتقام.وبإعلان مكتب التحقيقات هذا، تصبح جوان تشيسميرد أول امرأة يُدرج اسمها في قائمة أخطر الإرهابيين، ليذكّر بالنساء (الارهابيات) في العراق ودول اخرى في العالم لعبن دورا بارزا في ابراز العنف المسلح بالأسلحة النارية والمتفجرات، بغية زرع الخوف والذعر في نفوس (الاعداء)، ليتمخض عنه سفك الدماء ومقتل العديد من الناس في ساحات العمليات المنتخبة.وكانت تشيسميرد، المعروفة بلقب أساتا شكور، حُكم عليها بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جريمة قتل، لكنها هربت من السجن في العام 1979 بحسب صحيفة نيويورك تايمز.وإذا كانت المرأة المسلّحة والمقاتِلة ظاهرة ،افرزتها المنظمات اليسارية في العالم على مدى عقود، فان التنظيمات المتشدّدة لم تفرز نساء مقاتلات فحسب بل انتحاريات يرتدين الاحزمة الناسفة ليفجّرن انفسهن وسط الجمهور، بدوافع بدت طوباوية في الكثير من الاحيان ومنها (الانس مع الشهداء).ومنذ العام 2003 ، برز العراق بين الدول، ساحة خصبة لتفريخ الانتحاريات، بدوافع "الخروج من قفص الجسم المادي و التحرك نحو مقام الشهود الالهي" ، بعدما وجدت هذه الظاهرة مكانا لها في افغانستان والشيشان، يمارسها افراد "اختاروا حالة من الموت للبقاء احياء مع الشهداء بدلا من الموت"، بحسب شهادات الكثير منهم.واغلب الإنتحاريات في العراق هن جزء من تنظيم القاعدة المسمى (قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين)، بخلفيته السلفية المتطرفة مذهبيا، التي تؤمن بان "التطوع للشهادة لا يشكل ألماً ومعاناة بل امتيازاً جديراً بالتكريم".أما انتحاريات الشيشان والجزء الكردي من تركيا، فهن في الاغلب يؤدين مهمة الموت هذه بدوافع يمتزج فيها الوطني بدرجة اكبر، والديني بمقدار اقل، ففي الشيشان مثلما تركيا، كان دافع الاستقلال القومي هو المحرك الاساس مما يضفي على اعمالهن (شرعيّة مقدّسة) بحسب الاعتقاد السائد بين الصفوة التي توجه اعمالهن وفعالياتهن.لكن في العراق مثلما افغانستان، فان الدوافع دينية بالدرجة الاساس تهدف الى اسقاط نظام الحكم غير الشرعي دينياً وإقامة امارات اسلامية بعد طرد (المحتل) ، واغلب هذه الدوافع يسوقها محرك ( الموت العرفاني)الذي يسيطر فيه الفرد على الغرائز و الخلجات، و " قد أُوصِي الانسان ان يميت نفسه قبل أن يموت" ، كما يردد الانتحاريون.وفي تاريخ أوربا الحديث يقف التاريخ عند جان دارك المرأة الفرنسية التي ارتبط اسمها بمقاومة (المحتل) البريطاني قرب نهاية حرب (المائة عام)، التي استمرت منذ 1337 حتى 1453، وانتهت بخسارة بريطانيا لكل أملاكها في فرنسا. وحين توفيت دارك العام 1431 وهي في التاسعة عشرة من عمرها ، أُحرِق جسدها حية بعدما اتُّهمت بالإلحاد.وفي العام 2010 أُلقِي القبض في العراق على اربعة من النساء الارهابيات المطلوبات للعدالة في قضاء المحمودية جنوبي بغداد بعدما وضعن في خططهن القيام بأعمال انتحارية، بعد ان قمن باختطاف عدد من الاطفال.والسعودية من اكثر الدول التي وجدت فيها التنظيمات المتطرفة بيئة ملائمة لتربية وتنشئة النساء الإنتحاريات، ففي تموز العام 2004 أُلقي القبض على امرأة انتحارية سعت الى تفجير نفسها بمساعدة أطفالها الثلاثة.وتروي امرأة انتحارية اسمها (أم سلمى) أُلقِي القبض عليها العام 2006 ان هناك اكثر من 50 امرأة مسلّحة كنّ مشاريع جاهزة للانتحار بتفخيخ انفسهن وتفجيرها وسط الجمهور في ديالى بالعراق حيث يشرف تنظيم القاعدة على تدريبهن وتمويلهن وتزويجهن قسراً من المقاتلين.وابرز النسوة الإنتحاريات كانت زوجة أمير تنظيم القاعدة الراحل ابو مصعب الزرقاوي، والذي قُتِل العام 2007 في قصف الموقع الذي يقع في اطراف قرية نائية في ناحية هبهب، حيث كانت تشرف على عدد من الإنتحاريات في ذلك الوقت ، بينهن ، رجاء ، و رانية ابراهيم اللاتي حاولن تفجير تجمعات للقوات الامنية في بعقوبة.ولنساء القاعدة في العراق دور قتالي ولوجستي ونفسي بين مقاتلي التنظيمات المتشددة، اذ يوفرن الراحة والدعم ووسائل الاتصال مثلما يوفرن الممتعة الجنسية للمقاتلين.وكل ذلك يجري بموجب فتاوى تشرّع تلك الاعمال ، اذ تعتبر أوامر الهية حتى فيما يتعلق بالمتعة الجنسية.وجَنّد تنظيم القاعدة وفي زمن قائده الزرقاوي امرأة بلجيكية نفذت أول عملية انتحارية في العراق عام 2004، وهي مورييل ديغوك لتفتح الطريق أمام تزايد العمليات الانتحارية النسوية في العراق.وفي العام 2009 ، اعتُقِلت سميرة أحمد جاسم (51 عاما) ، ولقبها (أم المؤمنين !) التي تولت إعداد ما لا يقل عن ثمانين انتحارية نفذت 28 منهن عمليات انتحارية أدت إلى سقوط المئات بين قتلى وجرحى.وبحسب اعترافاتها ، فقد جنّدت (أم المؤمنين! )، امرأة اسمها (أم هدى) فجرت نفسها في مركز شرطة المقدادية (105 كم شمال شرق بغداد).والانتحارية الاخرى التي جندتها (أم المؤمنين)، هي سعدية خلف، وهي عانس ، طاعنة في السن فجّرت نفسها في مرآب للنقل في المقدادية.وكانت الانتحارية الثالثة هي المعلمة آمال، اقنعتها (أم المؤمنين!) او (ام التكفيريين) كما اطلق عليها لاحقا، بتفجير نفسها عند مقر للجان الشعبية لقوات الصحوة.وبرز في ذلك الوقت أيضا، اسم ابتسام عدوان المشرفة على إعداد الانتحاريات، في شرق بعقوبة.والانتحارية الاخرى كانت رانيا إبراهيم (15 عاما) ارتدت حزاماً ناسفاً يزن عشرين كليوغراما وفجرّت نفسها في حشد من الشرطة وسط بعقوبة أيضا ، فيما دفع والي بغداد مناف الراوي الى تفجير زوجته الثانية بحزام ناسف تحكم به عن بعد لتسبب بمقتل وجرح العشرات من الزوار بالقرب من باب الدروازة احد بوابات الامام موسى الكاظم عليه السلام في الكاظمية.وكشفت اعترافات المنتميات الى التنظيمات المتطرفة، ان الكثير منهن مارسن (نكاح الجهاد) قبل الاقدام على الانتحار بتفجير النفس او بالقتال في المعارك ، وهو ما يحدث الان في سوريا أيضا.واغلب النساء اللاتي قاتلن في صفوف القاعدة في العراق مارسن الجنس مع مسلّحين بحسب اعترافاتهن ، بل ان بعضهن (خلّف) اطفالاً صاروا مجهولي المصير بعد مقتل اباءهم وأمهاتهم في المعارك و اعمال( التفخيخ).ويوضح الباحث النفسي عصام الجبوري، المقيم في العاصمة البلجيكية بروكسل ان الدافع الغرائزي ( الجنسي) قبل الدافع ( الايماني) هو الذي يوقِع بعض النساء في حبائل الجماعات المتطرفة اذ تعيش المرأة في تلك البيئة اجواء طقوس خاصة ، يُنْبَذُ فيها الجسدُ باعتباره مادة فانية ويبذل امام ( المجاهد) الذي يتوق الى الخلود الابدي بالاستشهاد ، ووفق ذلك فان منح الشهوة الجسدية له ، يعد واجبا دينيا ، بعدما تقرر ان هذا الجسد الانثوي يجب ان يتلاشي عبر عملية تفجير ، وصولا الى الجنة الموعودة كما يتصورها المتطرفون. وفي ميسان، جنوبي العراق، أُلقِي القبض العام 2012 على امرأة انتحارية ارتكبت عمليات تفجير في مدينتي الحرية والكاظمية في بغداد. وفشلت الانتحارية ساجدة الرشاوي ، وهي زوجة أحد الانتحاريين الذي فجر نفسه في فندق راديسون في العاصمة الاردنية عمّان ، في تفجير حزامها الناسف في الفندق نفسه ، العام 2005.ومثّلت عملية الرشاوي في ذلك الوقت ، شكلا من اشكال الارهاب العابر للحدود والذي طالما حذّر العراقُ ، دولَ الجوار منه ، فقد دخلت الرشاوي الاردن بجواز سفر مزور ، الى جانب عدد من الانتحاريين الذين نجحوا في تفجير الفندق ، ولكي تقوم بمهمتها الانتحارية وسط حفل زفاف في الفندق ارتدت الرشاوي بدلة سهرة يختفي تحتها حزام الناسف يزن نحو عشرة كيلوجرامات من المواد المتفجرة ويحتوي قطعاً حديدية. ومثّلث الفتاة جنات عبدالرحمنوف احد اشكال العنف ( الانثوي) حين فجرت نفسها في مترو موسكو ، لتتشابه العملية في ظروفها وعدد ضحاياها ، مع الكثير من العمليات الانتحارية في العراق.وينطبق ذات الوصف على امرأة اقتربت من سيارة شرطة المرور التي كان بداخلها العديد من الأشخاص وفجرت نفسها في عاصمة الشيشان حيث عثر في مكان التفجير على رأس المرأة وأجزاء أخرى من جسمها في مشهد تكرر كثيرا في العراق ايضا.كان عرّاب تعبئة النساء في العنف المسلح شاميل باساييف المؤسس لحركة (الأرامل المتشحات بالسواد) وهن من النساء اللاتي فقدن الازواج أو الابناء في الحرب ضد الروس ، ليأخذ تنظيم القاعدة الفكرة ويطبّقها بصورة اشمل وأوسع تأثيرا بعدما نجح في غسل ادمغة الكثير من النساء اللواتي اعتبرن لحظة الموت هذه ، فرصة الخلاص من الحياة الدنيا ولقاء الانبياء والصالحين في الاخرة بحسب عقيدة القاعدة في هذا الشأن.وطالت العمليات الارهابية للنساء الإنتحاريات الكثير من العراقيين وتسببت في اضرار مادية ومعنوية ، وانعكس ذلك كثيرا حتى في الخطاب النخبوي العراقي الذي ضاق ذرعا بتكرار اعمال القتل والتفجير في وطنه حتى ان كاتباً مثل احمد الهاشم في خضم حديث له عن ظاهرة الانتحار ( الاستشهادي ) يكتب متهكماً ، متألماً ان " الانتحاريين الذين تبرعوا بأرواحنا للسماء ، لي معهم وقفة في القريب العاجل، اللهم عجل بذهاب ارواحهم اليك"