من لا ربا بينهما,,,,,,,,, الشيخ رضا الحمداني
وذكر أن لا رباء بين الوالد وولده، ولا بين الزوج وزوجته، ولا بين لمسلم والذمي.
الجواب: وبالله التوفيق.
إن كثيرا من أصحابنا قد ذهبوا إلى نفي الربا بين الوالد وولده، وبين الزوج وزوجته، والذمي والمسلم.
وشرط قوم من فقهاء أصحابنا في هذا الموضع شرطا، وهو أن يكون الفضل مع الوالد، الا أن يكون له وارث أو عليه دين.
وكذلك قالوا: انه لا ربا بين العبد وسيده إذا كان لا شريك له فيه، وإن كان له شريك حرم الربا بينهما.
وكذلك العبد المأذون له في التجارة، حرم الربا بينه وبين سيده إذا كان العبد قد استدان مالا عليه.
وعولوا في ذلك على ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله:
ليس بين الرجل وبين ولده ربا، وليس بين السيد وبين عبده ربا(1).
ورووا عن الصادق عليه السلام أنه قال: ليس بين المسلم وبين الذمي ربا، ولا بين المرأة وزوجها(2).
وأما العبد وسيده فلا شبهة في انتفاء الربا بينهما.
ويوافقنا على ذلك أبوحنيفة وأصحابه الثوري والليث والحسن بن صالح ابن حي والشافعي.
ويخالف مالك الجماعة في هذه المسألة، لان مالك يذهب إلى أن العبد يملك ما في يده مع الرق، والجماعة التي ذكرناها تذهب إلى أن الرق يمنع ن الملك، وهو الصحيح.
وإذا كان ما في يد العبد ملكا لمولاه لم يدخل الربا بينهما، لان المالين في الحكم مال واحد والمالك واحد، ولهذا يتعب(3) حكم المأذون له في التجارة، يتعلق على(4) الغرماء بما في ده، وكذلك يتغير في هذا الحكم حال العبد بين شريكين، فالشبهة في انتفاء الربا بين العبد وسيده مرتفعة.
وانما الكلام في باقي المسائل التي ذكرناها، فالامر فيها مشكل.
والذي يقوى في نفسي أن الربا محرم بين الوالد وولده والزوج وزوجته والذمي والمسلم، كتحريمه بين غريبين.
فأما الاخبار التي وردت وفي ظاهرها أنه لا رباء في هذه المواضع، إذا جاز العمل بها جاز أن نحملها على تغليظ حريم الربا في هذه المواضع، كما قال الله تعالى " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج "(5) ولم يرد أن لرفث
(1) وسائل الشيعة 12 / 436 ح 1.
(2) وسائل الشيعة 12 / 437 ح 5.
(3) ظ: يتغير.
(4) ظ: ويتعلق حق االغرماء بما في يده.
(5) سورة البقرة: 197.
في غير الحج لا يكون رفثا ولا محرما، وكذلك الفسوق. وانما اراد بذلك تغليظ تحريمه والنهي عنه.
ومن شأن أهل اللغة إذا أكدوا تحريم شئ، أدخلوا فيه لفظ النفي، لينبئ عن تحقيق التحريم وتأكيده وتغليظه، كما أن في مقابلة ذلك إذا أرادوا أن يؤكدوا ويغلظوا الايجاب، استعملوا فيه فظ الخبر والاثبات.
كما قال الله تعالى: " ومن دخله كان آمنا "(1) وانما أكد بذلك وجوب أمانه، وكان هذا القول آكد من أن يقول: فآمنوا من دخله ولا تخيفوه.
وكذلك قوله عليه السلام " العارية مردودة، والزعيم غارم "(2) وانما المراد به أنه يجب رد العارية، وغرامة الزعيم الذي هو الضامن، وأخرج لكلام مخرج الخبر للتأكيد والتغليظ، فهذا في باب الايجاب نظير ما ذكرنا في باب الحظر والتحريم.
فإن قيل: فأي فائدة في تخصيص هذه المواضع نفي الربا فيها مع ارادة التحريم والتغليظ.
والربا محرم بين كل أحد وفي كل موضع.
قلنا: في تخصيص بعض هذه المواضع بالذكر مما يدل على أن غيرها مما لم يذكر بخلافها.
وهذا مذهب قد اختلف فيه أصحاب أصول الفقه، والصحيح ما ذكرناه. ومع هذا فغير ممتنع أن يكون للتخصيص فائدة.
أما الوالد وولده والحرمة بينهما عظيمة متأكدة، فما حظر بين غيرهما وقبح في الشريعة، فهو المحرمة بينهما أقبح وأشد حظرا.
وكذلك الزوج وزوجته، فيكون لهذا المعنى وقع التخصيص للذكر.
وأما الذمي والمسلم فيمكن أن يكون وجه تخصيصها هو أن الشريعة قد
(1) سورة آل عمران: 97.
(2) جامع الاصول 9 / 110.
أباحت - لفضل الاسلام وشرفه على سائر الملل - أن يرث المسلم الذمي والكافر وإن لم يرث الذمي المسلم.
وثبت حق الشفعة للمسلم على الذمي، ولا يثبت حق الشفعة للمسلم على الذمي، فخص نفي الربا بالذمي والمسلم على سبيل الحظر بظن ظاهر(1)، فإنه يجوز للمسلم أن يأخذ من لذمي الفضل في مواضع(2) الذي يكون فيه ربا، وإن لم يجز ذلك للذمي، كما جاز في الميراث والشفعة.
فإن قيل: فما الذي يدعو إلى الانصراف عن ظواهر الاخبار المروية في نفي الربا بين الجماعة المذكورة إلى هذا التعسف من التأويل.
قلنا: ما عدلنا عن ظاهر إلى تأويل متعسف، لان لفظة النفي في الشريعة إذا وردت في مثل هذه المواضع التي ذكرناها، لم يكن ظاهرها للاباحة دون التحريم التغليظ، بل هي محتملة لكل واحد من الامرين احتمالا واحدا، ولا تعسف في أحدهما.
ولم يبق الا أن يقال: فإذا احتملت الامرين فلم حملتموها على أحدهما بغير دليل.
وهاهنا دليل يقتضي ما فعلناه، وهو أن الله تعالى حرم الربا في آيات محكمات من الكتاب لا اشكال فيها، فقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا تقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين "(3) وقال " لا تأكلوا الربا "(4) وقال جل اسمه " الذين يأكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس "(5).
(1) كذا في النسخة.
(2) ظ: الموضع.
(3) سورة البقرة: 278.
(4) سورة آل عمران: 130.
(5) سورة البقرة: 275.
والاخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن ولده من الائمة عليهم السلام في تحريم الربا وحظره، والنهي عن أكله، الوعيد الشديد على من خالف فيه أكثر من أن تحصى.
وقد علمنا أن لفظة " الربا " انما معناه الزيادة، وقررت الشريعة في هذه اللفظة أنها زيادة في أجناس وأعيان مخصوصة.
وخطاب الله تعالى وخطاب رسوله يجب حملهما على العرف الشرعي دون اللغوي، فيجب على هذا أن يفهم من ظواهر الآيات الاخبار أن الربا الذي هو التفاضل في الاجناس المخصوصة محرم على جميع المخاطبين بالكتاب على العموم، فيدخل في ذلك الولد والزوج والذمي مع المسلم، وكل من أخذ وأعطى فضلا.
فإذا أوردت أخبار بنفي الربا بين بعض من تناوله ذلك العموم، حملنا النفي فيها على ما ذكرناه بما يطابق تلك لآيات ويوافقها، ولا يوجب تخصيصها وترك ظواهرها(1).
(1) هذا ولكن رجع عن ذلك في الانتصار ص 213 قال: ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب، اني وجدت أصحابنا مجميعن على نفي الربا بين من ذكرناه وغير مختلفين فيه في وقت من الاوقات، واجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة، ويخص بمثله ظاهر القرآن، والصحيح نفي الربا بين من كرناه.