ما زالت ساحة “أم البروم” في البصرة، بعد مرور نحو قرن على إطلاق هذه التسمية عليها، تحتفظ بكونها مكاناً لإشباع الفقراء، الذين قد لا يدرك الكثيرون منهم أن تسمية الساحة جاءت نسبة إلى القدور النحاسية التي كان أثرياء البصرة ينشرونها في هذه الساحة أيام المجاعة التي مرت على المدينة في بدايات القرن الماضي، ولأن القدر كان يسمى “برم” في اللهجة البصرية القديمة، وجمعه “بروم”، سميت الساحة بأم البروم. ينتشر الفقراء صباح كل يوم في هذه الساحة ولكن ليس بحثاً عن قدور تطعمهم وتطعم عوائلهم، وإنما بحثاً عن أرزاقهم المتأتية من مهن مختلفة تمارس في تلك الساحة، ففي ساعات الصباح الأولى تعج الساحة بعمال البناء وباعة الشاي وصباغي الأحذية وباعة الصحف وغير أولئك من أناس يعتاشون من دنانير معدودة تدرها عليهم تلك المهن البسيطة. ولعل صورة الساحة التي طبعت في أذهان البصريين كمكان يبحث فيه الجياع عن لقمة عيشهم هي التي جعلتهم يرفضون التخلي عن تسمية الساحة القديمة، والتي حاولت الجهات الرسمية تغيير تسميتها ولكن دون جدوى.
وهي من معالم البصرة الشهيرة اشتق اسمها من كلمة "برم" وهو القدر الكبير فقد قام الحاج محمود باشا الملاك أحد وجهاء البصرة خلال المجاعة الكبيرة عام 1875م بنصت هذه القدور الكبيرة في المقبرة لاطعام الجياع وسميت منذ ذلك الحين "ام البروم". وقد كانت مقبرة لاهالي العشار والمناطق القريبة منه وبعد التطور الكبير لمدينة العشار حدا بالحكومة إلى منع الدفن بالمقبرة عام 1933م وفي عهد متصرف البصرة آنذاك تحسين علي وتمت ازالة المقبرة نهائيا واقيمت مكانها حديقة الملك "غازي" والتي تمتد إلى نهر الخندق وقد سميت حديقة "الشعب" بعد ذلك ولكن الزحف العمراني انهى الحديقة لتقام مكانها كراجات البلدية ومبنى "الاتصالات". كانت ام البروم ملتقى عدة طرق كما كانت الساحة تزدحم بالمحلات والسينمات مثل سينما الكرنك والوطني قبل أنتقالها إلى شارع الوطن وكذلك سينما "الحمراء الشتوي" وكذلك سينما الاندلس الصيفي وغيرها.
أما معالمها فكانت (وكان فعل ماض ناقص) هناك حديقتان جميلتان في هذه الساحة هما حديقة (الملك غازي) والثانية (الملك فيصل) وكان الشباب يمارسون هواياتهم الرياضية فيها وبشكل خاص المصارعة ، وقد ظهر منها مصارعين مشهورين في البصرة مثل عباس الديك وكرم سرهنك وصادق صندوق .
عاشت ساحة أم البروم أحداث عام 1941 حيث أنزل الجيش البريطاني في هذه الساحة وكان أغلبهم من الهنود و (الكركة) وكان يحرس الساحة رئيس الحراس (الحاج عبود) ، وقام هذا البطل في تلك الفترة بمقاومة شجاعة للبريطانيين والهنود والكركة حيث قاومهم ببندقية (العبوية) وكان يطلق النار عليهم من وراء جدار ، اختفى خلفه حتى حاصره الجنود البريطانيون والهنود وأردوه قتيلا ليكتب لمدينته صفحة مشرقة من البطولة والبسالة ، وقد كانت هناك امرأة اسمها ( زعفران ) جميلة جدا ومشهورة ببيع (السويكة) وقد قتلها الجنود الانكليز والكركة وعلى أثر ذلك انطلقت اهزوجة شعبية عن موتها تقول : (الكركي قتل زعفران يا أهل السويكة عزلوا) . ومن الاحداث الاخرى التي عاشتها ساحة أم البروم انتفاضة عام 1948 على أثر معاهدة بورستموث وكذلك شهدت قيام المظاهرات عام 1952 ـ 1953 المعادية للاستعمار كما شهدت المظاهرات التي قام بها عمال شركة نفط البصرة عام 1954 وغيرها من الاحداث .
أما أم البروم اليوم ...فبالرغم من انها أصبحت ساحة مهملة للنفايات واخفتفت الحدائق الجميلة فيها واصبح غروبها الجميل مخيف ... ولكنها تبقى قلب البصرة النابض .. فهي تشهد نشاطا من خيوط الفجر الاول حيث تعج بعمال البناء وباعة الشاي وصباغي الاحذية وباعة الصحف وعند ساعات الدوام يصبح الازدحام على أشده لكونها مركزا لوقوف سيارات النقل والاجرة .