منقول من إبداعات الكاتب : سلام كاظم فرج .
( لاشك أن مهمة الأدب والثقافة الرئيسية في عصرنا الراهن هي مهمة أخلاقية ، دون أن يعني ذلك التفريط بالقيمة الجمالية الفنية للإبداع والمنتج الفكري . ومهما جرى الحديث عن وجود تباين صارخ بينهما ، فإن القيمة الفنية الجمالية لايمكن لها أن تهمش أو تلغي القيمة الأخلاقية. والأدب الكوردي والثقافة الكوردية تعرضتا كما تعرضت امة الكورد إلى ظلم فادح رهيب يتجلى في العدد الكبير لمبدعين ينتمون لأصول كوردية والذين حرموا نعمة الكتابة بلغتهم الأم. من هنا علينا أن نلتفت إلى جانبين مهمين في الثقافة الكوردية..
الجانب الأول .. وجود أعمال إبداعية مهمة كتبت من قبل أدباء ومفكرين أكراد بلغة غير لغتهم. وتناولت موضوعات خارج البيئة الكوردية.. وتميزت بحسها الإنساني العام خارج الزمكان الكوردي. وحسبت على آداب أمم أخرى .. كالعرب والفرس والترك.. (احمد شوقي) أمير الشعراء العرب (على سبيل المثال لا الحصر)..
الجانب الثاني .. الأعمال الإبداعية المهمة التي كتبت باللغة الكوردية وترجم بعضها إلى اللغات الأخرى. وحملت كل مقومات الأدب الإنساني العالمي بروح كوردية صميمية..
هذه الإشكالية تجد ما يناظرها في الأدب ألمغاربي.. فهنالك العشرات من الأقلام العربية التي وجدت في اللغة الفرنسية الأداة الوحيدة المتوفرة للكتابة.. كالطاهر بن جلون وكاتب ياسين.. وبالمقابل هنالك من تفرد بالكتابة بلغته الأم مثل الطاهر وطار..
وإذا كانت البنية الإبداعية تشتغل وفق دي سوسير على مجموعة من الثنائيات تأتي في مقدمتها ثنائية. (اللغةـــ الكلام..) نستطيع أن نتلمس الغبن والعناء الذي تعرض له المثقف والأديب الكوردي.. رغم أن هذا العناء قد أنتج كما جيدا من الكتابات الإبداعية على يد كتاب كورد في لغة غير لغتهم.. إن تهميش اللغة الكردية في البلدان التي ضمت شعب الكرد ترك آثارا سلبية على ازدهار الأدب الكوردي المكتوب بلغته الأم. وبروح لغته الأم.. اللغة عند دي سوسير منظومة إشارات تعبر عن أفكار تتماهى وتلك الإشارات والطقوس الرمزية (التجريدية).. أما الكلام فهو الاستخدام الفردي لتلك الرموز.. والكتابة الإبداعية إحدى تمظهرات اللغة بأسمى انثيالاتها.. اللغة فعل عقلي مقصود تكشف عن نفسها في الكلام.. من هنا نجد أن الأديب الكوردي وهو يكتب بلغة غير لغته الأم يبذل جهدا مضاعفا لتوصيل فكرته وإبداعه من بين الشعراء والكتاب الكرد نستطيع أن نمر على أسماء لامعة حفرت عميقا في تأريخ الأدب الإنساني يأتي في المقدمة الشاعر والمتصوف الكبير أحمد خاني الذي لقب بشكسبير الكورد. من خلال مؤلفه الخالد مم وزين ومن خلال مجموعة من الأشعار الصوفية بالغة الرقة والعمق .
ونستطيع أن نعقد مقارنة مذهلة بين أطروحات دي سوسير في اللغة والفكر وبين أطروحات احمد خاني الفكرية من خلال الشعر.. واحمد خاني سبق دي سوسير بعقود
لقد أكد احمد خاني أن الإنسان يفكر بشكل افضل في اللغة الأم ولذلك قال عن نفسه بقصيدة رائعة له. انه كان يستطيع أن يشرب الخمرة صافية دانية القطوف (أي الكتابة باللغة الفارسية أو التركية أو العربية المتاحة آنذاك للانتشار والملائمة وفق ثقافة عصره والتي ستحقق له الانتشار..).. ولكنه فضل عليها الثمالة!!!! (أي اللغة الكوردية الحبيبة على قلبه والتي تتيح له البوح بما يريد دون التفكير بأمجاد الخمرة الدانية القطوف). وفي إشارة عبقرية إلى التهميش الذي تتعرض له أمة الكورد ولغتهم..
لقد أسهم خاني في تشكيل الوعي النقدي الكوردي.. في مجموعة ثرة من القصائد العرفانية الرائعة.. كتبت باللغة الكوردية.. يقول خاني (وأيضا ولكي لا يقول أهل الرأي إن الأكراد لم يجعلوا العشق هدفا وفنارا.. وليس فيهم ذو قلب يعشق.. ولا حسناء تعشق (اللغة) أنهم محرومون من الحب.. وفارغة أرواحهم منه بنوعيه الحقيقي والمجازي.. (اللغة والكلام.. الحقيقة والرمز.. الإشارة والكنه..) احمدي خاني هو المؤسس الأول والحقيقي للفكر النقدي الكوردي بأعلى تجليات الإبداع الشعري والفلسفي.. ولعله المعلم الأول في فقه اللغة (الكوردية الأم).. ثم تبعه رهط من الشعراء الكبار يأتي في مقدمتهم عبد الله كوران . وبي كه اس. وشيركو.. وعبد الله عباس.. وبالمقابل هنالك العشرات من الأدباء الكورد الذين كتبوا باللغة العربية وتفوقوا على اقرانهم وعلى سبيل المثال لا الحصر أمير الشعراء احمد شوقي.. وفي الرواية والمسرح محيي الدين زنكنة.. والمفارقة أن بعض الأدباء الكورد لا يجيد الكتابة و التكلم بلغته الأم!!!.. لكنه يكتب ببراعة تفوق ما يكتبه بعض أدباء اللغة العربية.. وعلى سبيل المثال الشاعر العراقي بلند الحيدري.. والشاعر والناقد العراقي الكبير عبد الستار نور علي. والأديب السوري عبد اللطيف الحسيني.. ومن كتاب القصة العراقية الذين أبدعوا في الستينات فلك الدين كاكئي. الذي اخذته السياسة والصحافة بعيدا.. ويوسف الحيدري الكاتب الستيني الذي توفي مبكرا..)