مف هوم الأمانة في الإسلام

أوجب الإسلام على المسلم الحق أن يكون ذا ضميريقظ يتصف بالأمانة ، ويصون الحقوق حق الله ، وحق الناس ، أي يكون أميناً في عملهغير مفرط فيه ، ولهذا أوجب عليـه الأمانة .
والأمانة كلمةواسعة الدلالة فى التشريع الإسلامي ، فهيإدراك قوي من الإنسان بمسئوليته الكاملة أمام الله في كل أمر يوكل إليه من قول أوعمل ما ،

وعامة الناس يفهم مدلول الأمانة بمعناها الضيقوهو حفظ وديعة معينة لديهم سواء كانت أموال أو نفائس أخرى ،ولكن الأمانةملولها فى الشارع أوسع من ذلك وأعمق ، والأمانة هي فريضة على المسلمين يتواصون بهاويســـتعينون بالله على حفظـــهامثال ذلك حينما نكون على ســـفر نقول : (نستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه)،
ونقولأيضاً(أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك)
والرسـول "صلى الله عليهواله وسلم" فى أحاديثه الشريفة كان يوصى المسلم علىالأمانة ، وهو القدوة الواضحة في الأمانة في عهد الجاهلية ،

ويقول "صلى اللهعليه واله وسلم" : لاإيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا دين له ، وإن شقاء العيش وسوء المنقلب هو أسباب من عدم التمسك بفريضة الأمانة ، وعدم الأمانة هو خيانة، والخيانة ضياع للدين والدنيا ،

فرسولنا الكريم "صلى الله عليه واله وسلم" في الجاهلية قبل انتشار الإسلام ، وقبل الفتح كان يطلق عليه قومه " الأمين " لما له من مسئولية أمام ربه فى إدراك المعنى الجازمبالأمانة .
كذلك نبي اللهموسى عليه السلام قبل أن ينبأ حينما قام بالسقاية لأبنتي الرجل الصالح كان معهم أمينا متمسكاً بعفة المسلم الحق الشريف ، وترفق بهما وسقا لهما ، ثم استراح في الظل ، قال الله تعالى : " فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إنىلما أنزلت إلىً من خير فقير ، فجاءته إحداهما تمشى على استحياء قالت إن أبى يدعوكليجزيك أجر ما سقيت لنا ، فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القومالظالمين ، قالت إحداهما يأبتاستأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين " ،

فبالرغم من شدة الفقر والغربة ، ومطاردة الظالمين له لكن تمسك بالفضيلةوالأمانة ، وعرف حق الله ، وعرف حق العباد ، هذا هو جوهر الأمانة فى التشريع .
والأمانة لما لها من معنى ومدلول كبير فى التشريع؛ فكانإختيار الله لرسله الكرام ممن يتصفون بالأمانة والقوة والفضيلة والشرف وعزة النفس،معتصمين بحبل الله المتين .
والأمانة فى الآخرة خزى وندامة إلا من أخذهابحقهاوأدى الذى عليه فيها ، وصلاح النفس لا يكون بالعلوم فقط ،وبالسيرة الطيبة ، وحسن الإيمان ! ولكن يكون بالتأهل لإدارة الشئون والأعمال ؛ أيان نصطفى أخير الناس فى القيام بالأعمال دون الميل لهوى أو وساطة قرابة أو رشوةفهذه تكون خيانة للأمانة
.
قال رسول الله " صلى الله عليه واله وسلم
:" (من أستعملرجلاً على مجموعة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين)،
وقال " صل الله عليه واله وسلم أيضاً :
(من ولى منأمر المسلمين شيئاً فأمر عليهم أحداً محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منهصرفاً ولا عدلاً حتى يدخله جهنم) .

والأمة التي تضيع الأمانة فيها هي الأمة التي تطيش بهاالأقدار، ودل رولنا الكريم على هذا بأنه من مظاهر الفساد في الأرض من علامات قيام الساعة ، وجاء رجل يسأل رسول الله "صلى الله عليه واله وسلم" قال : متى تقوم الساعة ؟فقال له صلى الله عليه وسلم : إذا ضيعت الأمانة فأنتظر الساعة ! فقال : وكيف إضاعتها يارسول الله ؟قال : إذاوكل الأمر لغير أهله فأنتظر الساعة .

والأمانة الحرص على أداء واجب العمل، وأداء الإحسان فيه، وليس أكبر خيانة ولا أسوء عاقبة من المرء الذى يتولى أمور العامة فنام عنها حتىأضاعها .
ومن الأمانة ألا يستغل المرء مركزه لمنفعة شخصيةله أولأقربائه ، وقد قال "صلى الله عليه واله وسلم)" :من استعملناهعلى عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعده فهو غلول(
، وقال الله تعالى : " ومن يغلل يأتى بما غل يوم القيامة ، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون ) آل عمران 161(.
وأكرم مثال على الأمانة سيدنا يوسف الصديق الأمين عليه السلام حين رشح نفسهلإدارة شئون المال بنبوته وعلمه قال الله عز وجل : " قال أجعلنىعلى خزائن الأرض أنى حفيظ عليم "(يوسف 55)والمسلم الذى يأخذ الحق ويعطى الحق كالمجاهد فى سبيل الله، وهناك أيضاً مدلول للأمانة فى الجوارح التي أنعم بها الله علينا ،فجميع حواسنا يجب أن نسخرها بأمانة ، وأولادنا أيضاً أمانة يجب أن ندرك أنها ودائعمن الله نصونها ونسخرها لله وفى الله ، وأموالنا أمانة لدينا يجب أن ننفقها في مرضاة الله ، ولا نفتن بها عن طاعة الله أو عبادته ، ولانستقوى بها على خلق الله أوعلى القيام بالمعاصي ،قال تعالى : " ياأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ، وأعلموا أنما أموالكموأولادكم فتنة ، وأن الله عنده أجر عظيم "(الأنفال 27)ذ
ومن الأمانة أيضاً حفظ الأسرار التى يأتمنها الناس لدينا، وعدم ترك اللسان أن يفشى أسرار العباد ، وأيضـاً الأمانة بين المرء وزوجه قال "صلى الله عليه واله وسلم " إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضى إلىأمرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها .
ونأتي في مفهوم الأمانة عند العوام من الناس وهى أمانةالودائعفي وجوب الحفاظ عليها وردها إلى أصحابها عند طلبها . ، ونكون فى ذلكنقتدى برسولنا الكريم "صلى الله عليه واله وسلم" حينما هاجر وترك ودائع المشركين لـدى وصيه الامين علي بن ابى طال (ع) ليسلمها نيابة عنه إليهم وهم اللذين اضطروه إلى ترك وطنه .
وقال تعالى : " أنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنهاوأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا "(الأحزاب 72(.
ومن هذه الآيةنستخلص أن الذين غلبهم الظلم والجهل خانوا أماناتهم فحق عليهم عقاب الله ولكن أهل الإيمان والأمانة هو أهل التقوى وأهل المغفرة ، ومن هنا تكون السعادة القصوى أنيوقى الإنسان شر عذاب النفاق مع الله فى الآخرة ، وشر شقاء العيش فى الدنيا أولاً .