إن الإسلام يحترم الفرد ويأخذ بعين الاعتبار ما يحقق له كرامته ولكن في نطاق المجموعة وحدود المجتمع الذي يعيش فيه لأنه كما يسعى بجد نحو المصلحة الخاصة كذلك لابد يضع في حسابه المصالح العامة، بل ينبغي أن تقدم المصالح العامة في بعض الواجبات على المصلحة الخاصة لو اقتضت الضرورة لمثل هذا الاجراء، فالإنسان مجبول على حب المال فهو يحرص على اقتنائه، ويضرب في مناكب الأرض بجدية بحثا عن الثراء، لذا فإن للأثرة في نفسه إيحاء شديد، ولو أنه أوتى ما في الأرض جميعا بل لو أنه امتلك خزائن الرحمة العليا لم تطوع له نفسه أن ينفق منها بسعة ولقامت له من طبيعته الضيقة علل شتى تجعل في يديه الأغلال، فليعلم كل عاقل لبيب أن المال كله هبة من الله وهو مال الله حتى بعد حصول العبد عليه لذا عندما يأمرنا الله بالعطاء يوجه الجميع إلى قوله وآتوهم من مال الله الّذي آتاكم فهو من مال الله ولذ أمر بإعطائه منه فالحقيقة باقية حتى بعد وصوله إلى الأفراد فالعبد مستخلف أمين على المال يقول تعالى وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، وإذا كانت معاملة الله لعبده على المال معاملة الاستخلاف فهو اذا أمين على ذلك فلماذا يتضايق الإنسان من الضوابط التي يجعلها المالك الحقيقي على ما استخلف عليه،فمبادئ الإسلام وقيمه ترشد الإنسان بالحسنى لمحاولة إقناعه أن محبته الشديدة للمال والثراء قد تورده المتالف، وأنه لو فكر في حقيقة ما يملك وفي عاقبته لرأى أن السماحة أفضل من الأثرة، والعطاء خيرا من البخل.
فإن الكرم من أفضل خلائق الإسلام ومن أحسن شمائل المسلم الاجتماعية فعندما تتألق حقيقة الإيمان الكبرى في نفس المسلم، فإنه يزداد كرما كلما ازداد من الله قربا وكلما استشعر بما أعده الله من نعيم للكرماء الأسخياء الباذلين في سبيله ازداد سخاء وبذلا وكلما قويت صلته بالله ازداد شعوره بثمرات الكرم عمقا وزاد عطاؤه امتدادا وسعة، فالعبد يقول: مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى أو ما لبس فأبلى أو ما أعطى فأبقى وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس وعجيب أن يشقى المرء في جمع ما يتركه لغيره،وإذا لم يستفد المسلم من ماله فيما يصلح معاشه ويحفظ معاده فمن أي شيء يستفيد بعد؟ فالتكافل الاجتماعي عنوان يراد منه التحام الافراد فيما بينهم في اطار من الود والرحمة يشد بعضهم بعضا المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضة بعضا، فالإسلام دين يقوم على البذل والإنفاق ويضيع على الشح والإمساك، ولذلك حبب إلى بنيه أن تكون نفوسهم سخية وأكفهم ندية ووصاهم بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر، وأن يجعلوا تقديم الخير إلى الناس شغلهم الدائم لا ينفكون عنه في صباح أو مساء، فهو بهذا الإرشاد الدقيق يريد أن يرتب النفقات المشروعة الترتيب المثمر الصالح، وأقرباء المسلم أجدر الناس بالإفادة من فضول ماله ومن حقهم أن ينصرف إليهم أي عطاء تجود به يده، فالحرمان قد يزرع الضغينة في قلوب المحرومين ويشعر بأن إهمالهم متعمد لنكاية بهم والبعد عنهم، فحقيقة الحياة الاجتماعية ليست بالإمكان أن تنتظم بجهود الفرد كفرد بل بجهود الفرد منظما إلى المجموعة ليصل الجميع إلى هدفهم المنشود، والتكافل يريده الإسلام ويحث عليه لأنه صورة شفافة يعبر عن الرحمة والحنو والعطف والشفقة،وقد أراد الله ذلك لعباده لأنه سبحانه المنبع الحقيقي للرحمة والشفقة والسماحة فهو رحيم ويحب الرحمة ويوصي بالرحمة.
إن الإنسان هو الصورة المثالية لصنع الله في هذه الأرض الواسعة فالمستنير بتعاليم دينه القائم بتطبيقها على نفسه في صدق وإخلاص كريم جواد يداه مبسوطتان تمطران بالخير الوفير على أبناء مجتمعه في شتى المناسبات والأحوال،فهو إذ ينفق يبذل بسخاء المؤمن الواثق بأن عطاياه لا تضيع، إذ هي محفوظة لدى عليم خبير، وإنه ليؤمن أيضا وهو يجود بماله أن ما ينفقه سيعود عليه بالفائدة الجمة والخير العميم وسيخلفه الله عليه أضعافا مضاعفة في الدنيا والآخرة يقول الله تعالى:(مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله ويضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)البقرة261، إنه ينفق ماله وهو فعلى يقين من أن الله تبارك وتعالى سيعوضه عما أنفقه من ماله في هذه الدنيا بركة ونماء وخلفا،وإذا ما غلبه شح نفسه وأمسك يده عن العطاء والبذل فسيبتليه ربه في ماله بنقصان وضياع وتلفا، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا.