أقبل رجل إلى إبراهيم بن أدهم* .. فقال :منقول للفائدة
يا شيخ .. إن نفسي .. تدفعني إلى المعاصي .. فعظني موعظة!
فقال له إبراهيم :
إذا دعتك نفسك إلى معصية الله فاعصه .. ولا بأس عليك .. ولكن لي إليك خمسة شروط
قال الرجل : هاتها.
فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله فاختبئ في مكان لا يراك الله فيه!
فقال الرجل : سبحان الله ..كيف أختفي عنه ..وهو لا تخفى عليه خافية!
فقال إبراهيم : سبحان الله .. أما تستحي أن تعصي الله وهو يراك .. فسكت الرجل ..
ثم قال الرجل : زدني!
فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تعصه فوق أرضه.
فقال الرجل : سبحان الله .. وأين أذهب .. وكل ما في الكون له!
فقال إبراهيم : أما تستحي أن تعصي الله .. وتسكن فوق أرضه ؟
قال الرجل : زدني!
فقال إبراهيم : إذا أردت أن تعصي الله .. فلا تأكل من رزقه.
فقال الرجل : سبحان الله .. وكيف أعيش .. وكل النعم من عنده!
فقال إبراهيم: أما تستحي أن تعصي الله .. وهو يطعمك ويسقيك .. ويحفظ عليك قوتك ؟
فقال الرجل : زدني!
فقال إبراهيم : فإذا عصيت الله .. ثم جاءتك الملائكة لتسوقك إلى النار .. فلا تذهب معهم!!
فقال الرجل : سبحان الله .. وهل لي قوة عليهم .. إنما يسوقونني سوقاً !!
فقال إبراهيم : فإذا قرأت ذنوبك في صحيفتك .. فأنكر أن تكون فعلتها !
فقال الرجل : سبحان الله .. فأين الكرام الكاتبون … والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون.
ثم بكى الرجل .. ومضى .. وهو يقول : أين الكرام الكاتبون .. والملائكة الحافظون .. والشهود الناطقون
إبراهيم بن أدهم،
أبو إسحاق، إبراهيم بن منصور بن زيد بن جابر العجلي ويقال التميمي، أحد علماء المسلمين ومن أعلام مدارس الصوفية في القرن الثاني الهجري من أهل بلخ
كان من أبناء الملوك والمَياسير.
كان كثير التفكر والصمت، بعيداً عن حب الدنيا، وما فيها من شهرة وجاه ومال، حريصاً على الجهاد في سبيل الله لا يفتر عنه. وكان برغم زهده يدعو إلى العمل والجد فيه وإتقانه، ليكون كسباً حلالاً. ولذلك أعرض عن ثروة أبيه الواسعة، وعما كان يصيبه من غنائم الحرب وآثر العيش من كسب يده. وحصد ابرهيم في المزارع عشرين ديناراً ودخل إلى أذنة، ومعه صاحب له. فأراد أن يحلق ويحتجم؛ فجاء إلى حجام، فحقره الحجام وصاحبه، وقال: ما في الدنيا أحد أبغض إلي من هؤلاء! أما وجدوا غيري!" فقضى شغل غيرهما، وأعرض عنهما. ثم قال: "أي شيء تريدان" فقال ابرهيم: "أحتجم واحلق". ففعل به، وأما صاحبه فقال له: "لا أفعل ذلك!" لتهاونه بهما، ثم أعطاه إبراهيم الذي كان معه، فقال له صاحبه: "كيف ذاك!" فقال: "اسكت لئلا يحتقر فقيراً بعده وروى أنه كان يعمل في الحصاد وحفظ البساتين وغير ذلك، وينفق على من في صحبته من الفقراء وكان يعمل نهاره، ويجتمعون ليلا إلى موضع، وهم صيام؛ وكان ابرهيم يبطئ في رجوعه من عمله. فقالوا ليلة: "هلم نسبقه حتى لا يبطئ في رجوعه من عمله" ففعلوا وناموا. فجاء إبراهيم، فظن انهم لم يجدوا طعاماً، فأصلحه لهم، فأنتبهوا وقد وضع شيبته في النار، وينفخ بها، فقالوا له في ذلك فقال: "ظننت إنكم نمتم جوعى لأجل العدم، فأصلحت لكم ذلك!". فقال بعضهم لبعض: "انظروا ما الذي عملنا، وما الذي يعاملنا به. وقدركب مرة البحر، فقال عليهم، فلف رأسه في عباءة ونام. فقيل له: "ما ترى ما نحن فيه من الشدة!" فقال: "ليس هذا شدة! الشدة الحاجة إلى الناس". ثم قال: "اللهم! أريتنا قدرتك، فأرنا لطفك". وقال معاوية بن حفص : إنما سمع إبراهيم بن أدهم عن منصور حديثاً، فأخذ به فساد أهل زمانه قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : حدثنا منصور عن ربعي بن خراش قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله عز وجل به ويحبنى الناس قال : " إذا أردت أن يحبك الله فأبغض الدنيا وإذا أردت أن يحبك الناس فما كان عندك من فضولها فانبذه إليهم " فساد أهل زمانه.
ولإبراهيم بن أدهم رأي في محاربة الغلاء وارتفاع الأسعار فقد ذكروا له أن اللحم غلا ثمنه. فقال: أرخصوه. أي لا تشتروه فترخص أسعاره.
كان إبراهيم شديد الحنين إلى وطنه. فمن أقواله لأصحابه: عالجت العبادة فما وجدت شيئاً أشد عليَّ من نزاع النفس إلى الوطن. كما روي عنه قوله: «ما قاسيت، فيما تركت، شيئاً أشد علي من مفارقة الأوطان».
أقواله
سئل إبراهيم بن أدهم لم لا تخالط الناس ؟ فقال : إن صحبت من هو دوني أذاني بجهله وإن صحبت من هو فوقي تكبر علي وان صحبت من هو مثل حسدني ,فأشتغلت بمن ليس في صحبته ملل ولا وصلة انقطاع ولا في الأنس به وحشة
- الفقر مخزون في السماء، يعدل الشهادة عند الله، لا يعطيه إلا لمن أحبه.
- على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، الحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قول القران ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)
- قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع
- كان إبراهيم بن أدهم يمشي في البصرة فاجتمع إليه الناس فقالوا : ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول : ((وقال ربكم ادعون أستجب لكم))
فقال : يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها
- وكان يقول: (ما لنا نشكو فقرنا إلى مثلنا ولا نسأل كشفه من ربنا)
- قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل
فصف لي دواء؟!! فقال : لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.
- يقول إبراهيم بن أدهم : " إذا كنت بالليل نائما وبالنهار هائماً وفي المعاصي دائماً فكيف تُرضى من هو بأمورك قائماً ؟!
- وقال : إنما يتم الورع بتسوية كل الخلق في قلبك، والاشتغال عن عيوبهم بذنبك، وعليك باللفظ الجميل من قلب ذليل لرب جليل، فكر في ذنبك وتب إلى ربك ينبت الورع في قلبك واقطع الطمع إلا من ربك.