يحكى عن نوري باشا السعيد رئيس الوزراء في العهد الملكي عندما دخل على مكتبه احد المسؤولين الامنيين ضجرا وفي حالة من الياس حيث حدثه عن حالة خطرة في البلاد وعندما ساله الباشاعن الحالة ! اجابه المسؤول الامني بان بعض منتسبي الشرطة تفشت بينهم ظاهرة الرشوة حيث اصبح يطلق على الشرطي ابو الواشر* ،استغرب رئيس الوزراء من هذه الحالة ولكن سال المسؤول وهل هذه العدوى انتقلت الى المعلم ! اجاب المسؤول على الفور كلا كلا يا باشا ، وهنا نهض الباشا من مكتبه ليرتب على كتف المسؤول الامني قائلا : اذن نحن بخير يا ولدي .
تذكرت هذه الحكاية القديمة وانا اقرا ما يلي"أعلنت هيئة النزاهة العراقية ان قيمة الفساد المالي الذي شهده العراق قد تجاوزت العام الحالي المليار دولار وقالت انه تمت خلال 2010 محاكمة 873 مسؤولا برئ منهم 165 فيما ادين 709 بينهم 75 بدرجة مدير عام فأعلى و9 بدرجة وزير واوضحت وجود 1437 مطلوبا بفساد حاليا مؤكدة ان هذا الفساد يشكل مشكلة كبيرة في البلاد واشتكت من تدخلات سياسية تعيق عمل الهيئة وانجازها لمهامها في مكافحته " ثم يقول الخبر عن لسان رئيس هيئة النزاهة مؤكدا "وجود ضغوط سياسية على عمل الهيئة تعيق انجاز مهماتها" وطبعا هذه التصريحات ليست سرية بل نشرتها الكثير من الصحف المحليةووكالات الانباء والمواقع الالكترونية ولم يسمعها السيد نوري المالكي من مسؤول امني بل يعلم بها قبل تصريحات رئيس هيئة النزاهة ويعلم كم من اعضاء حزبه ضمن هؤلاء المفسدين من وزراء او وكلاء وزارات او مدراء عامين وكما المالكي كذلك قادة الكيانات السياسية الاخرى التي تشارك في السلطة ، وبالرغم من اننا نعلم بان الفساد الاداري والمالي والاخلاقي متفشي بشكل كبير بعد الاحتلال وبدلا ان تحرص هذه القيادات على محاربة الفساد بانواعه نرى انها وكما يقول رئيس هيئة النزاهة تضغط على هيئة النزاهة لتبرئة هؤلاء المتهمين!! اي ان هذه القيادات هي التي تروج للفساد وتدافع عنه وخاصة هناك وزراء ومسؤولين منحوا صلاحيات مالية وادارية كبيرة لم تكن موجودة حتى في النظام البائد !
ان العدد الذي اعلن عنه رئيس هيئة النزاهة ربما يشكل رقما صغيرا في عدد ملفات الفساد المالي والاداري والاخلاقي ، لان المواطن العراقي على يقين بان هناك ملفات اغلقت بايعاز من قيادات الدولة قبل ان تصل الى هيئة النزاهة ولكن هناك اسئلة مهمة موجهة الى رئيس الهيئة عن الاسباب التي جعلته لا يكشف فيها عن اسماء الفاسدين واتجاهاتهم السياسية ومدة محكومياتهم وهل تم تنفيذ الاحكام لهؤلاء لكي يطلع عليها المواطن العراقي! وهل تستره على االاسماء بسبب خوفه على منصبه او تصفيته من قبل ازلام هؤلاء المفسدين ! هل تم ادانة 709 فاسدا واودعوا السجون ليقضوا محكومياتهم ام كانت الادانة مع وقف التفيذ باوامر من الكيانات السياسية التي تشارك في الحكومة السابقة والحالية واتفقوا على "الفساد التوافقي" من اجل حكومة شراكة في الفساد اولا ! وهل تم استرجاع المبالغ المختلسة الى خزينة الدولة ! ان تصريحات رئيس الهيئة تعتبر مبتورة وتستر علني على هؤلاء الفاسدين . مهما كانت الاسباب فان عدم الكشف عن هؤلاء هو مشاركة رئيس الهيئة الفساد في "ستر المفسدين " وخاصة الذين هربوا خارج الحدود امام اعين السلطات الامنية والقضائية .
تكلم رئيس الهيئة عن الفساد المالي، ولم يتكلم عن الكثير من ملفات الفساد الاداري والاخلاقي، وخاصة ملفات الفساد في وزارتي الدفاع والداخلية ومنها البطالة التي ارتفعت بشكل كبير وتجاوزت أكثر من (70% ) وتسرب الطلبة من المدارس وتفشي الامية بشكل كبير والفساد الاخلاقي الذي اخذ ينخر بجسم المجتمع العراقي ،والرواتب الضخمة التي يتقاضاها النائب العراقي اضافة الى مخصصات الحماية الخاصة والسيارات المصفحة والمدرعة ورواتب النائب مدى الحياة !! مع العلم ان البرلماني في كل انحاء العالم ينتهي راتبه بانتهاء فترة البرلمان مع العلم ان بعض اعضاء البرلمان يحضرون الجلسات ويوقعون حضور لعدد من النواب المتغيبين !!
اذا كان الفساد في عهد نوري السعيد لم ينتقل الى المعلم ، فكيف والفساد في عهد نوري المالكي يخترق كل الوزارات والمؤسسات التربوية و ان ملفات الفساد اصبحت تزكم الانوف واصبح العراق يحتل المرتبة الثانية في قائمة الدول الفاسدة ماليا وإداريا فالى متى يستمر هذا الفساد وتبقى الحكومة تعمل بدون وازع اخلاقي !! فهل نحن بخير!!!
• ابو الواشر: كانت تطلق على الشرطي المرتشي والواشر يعني الدرهم اي فئة نقدية معدنية "خمسون فلسا"
............
مما قرأت