رسالة في أداء الأمانة من صدق الإيمان
الشيخ رضا الحمداني (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا )
أقسام الامانة؛__
بســـــــــــمه تعالى
بعد عظيم الحمد كما يستحقه وكما لعبد ذليل مثلي . وبعد الصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين الصادق الامين , أهدي هذا العمل الى المتواضع الى والدي ,كما وأرجو قراءة سورة الفاتحة الى روحيهما
الشيخ رضا الحمداني
مـــقدمــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ة:
أن الامانة في الامة والمحافظة على العهد هي سبيل كرامتها ومفتاح رضا خالقها وهي من أنبل الصفات التي يمكن ان يطلبها سالك الى الله تعالى كونها من أوائل صفات الانبياء فها هو النبي الكريم يلقب قبل البعثة الشريفة بالصادق الأمين , وهي من ارفع الصفات الانسانية ويحصل بها وبسببها الخير الكثير.
وعلى عكس النقيض اذا قصرت الامة بواجب تكليف الامانة وتلبست أعاذنا الله بثوب الخيانة بدء انحطاطها وساء حالها وكثر النكد فيها حتى ينالها البلاء من خالقها بعد عذر وانذار . وجاء في الخبر:عن ابي عبد الله الصادق (ع) قال: رسول الله (ص): (( ثلاثة من كن فيه كان منافقاً وإن صام وصلى وزعم إنه مسلم من إذا ائتمن خان, وإذا حدث كذب , واذا أوعد أخلف ))[1]رسالة في أداء الأمانة من صدق الإيمان:__الشيخ رضا الحمدانيمن اعظم واجمل الصفات التي يتصف بها المؤمن الذي يبحث عن الكمال الخلقي الرباني. حتى لقب خير الخلق على الاطلاق الحبيب المصطفى بالصادق الامين قيل البعثة دليل على تكامله وسمو نبوته وعلو أخلاقه. والامانة تعريفها لغويا كما جاء في كتاب معجم مقاييس اللغة[2]ضد الخيانة , ومعناها سكون القلب , والمعنى الاخر التصديق, والمعنيان متقاربان. قال الخليل الامانة ضد الخيانة. يقال امنتُ الرجل أمناً. وأَمَنة. وتقول العرب رجل أٌمَّان, إذا كان أميناً. قال النابغة[3] (وكنت أمينَهُ لو لم تخُنه ! ولكمن لا أمانَةَ لليماني) .وقال حسان[4](وأمين حفظته سر نفسي ! فوعاه حفظ الامين الأمينَا) وقال الحق تعالى : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)[5]. وأما المعنى الثاني التصديق فقول الحق تعالى(وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ)[6] أي مصدِّقٍ لنا. وقال بعض اهل العلم :إن المؤمن من صفات الحق تعالى هو أن يَصدُق ما وعَدَ عبدَه من الثواب, وقال اخرون: هو مؤمنٌ لأوليائه يؤَمنهم عذابَه ولا يَظلمُهم. اما الامانة اصطلاحاً: هي (إن جميع النعم المادية والمواهب المعنوية الالهية على الانسان في بدنه ونفسه هي في الحقيقة أمانات بيد الانسان.)[7] أما الامانة في الشرع المقدس فهي(المال الذي يكون عند غير مالكه بدون اذن منه ولا غصب أو بلا رضا أو كراهة)[8] وقالوا (الامانة ضد الخيانة .الامانة الوديعة جمع أمانات)[9]وقيل(( هي العقد الذي يلزم الوفاء به, ولا تتحقق إلا بائتمان شيء من أحد الناس عند أخر برضاهما بلا فرق بين كون الشيء من الاعيان أو غيرها فكأنما جرى عهد بينهما على حفظها حتى يؤدها فالواجب على الامين الوفاء بهذا العهد لأنه مطلوب على المعاهد أن يفي بعهده لقول الحق عز وجل: (( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً ))[10] ))[11] ــــــ كما ويحث لإسلام على إشاعة مفاهيم الخير والصلاح بين الناس وهي من تكامل النفس الانسانية ويدعوهم إلى الالتزام بالصفات الحسنة لكي ينعموا بحياة فاضلة, ومن الصفات التي أمر الدين الحنيف المؤمن الالتزام بها هي الأمانة، (والامانة) من أهكم الفضائل الاخلاقية والمطالب الاسلامية والانسانية وقد حث عليها كتاب الله الحكيم في عدة آيات صريحة وحثت عليها الاحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت الاطهار, وقد أعارها علماء الاخلاق والعارفون بالله أهمية كبيرة على مستوى التكامل وبناء الذات وما لها من صفات الرجولة وبناء الشخصية الواثقة من نفسها . فأصبحت إحدى الصفات الأساسية التي تميّز المؤمن عن بقية المسلمين هي أدائه للأمانة وقد جاء في القرآن الكريم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[12] (إِنَّاللَّهَيَأْمُرُكُمْ َنْتُؤَدُّواالأَمَانَاتِ ِلَىأَهْلِهَاوَإِذَاحَكَ ْتُمْبَيْنَالنَّاسِأَنْت حْكُمُوابِالْعَدْلِإِنَّ للَّهَنِعِمَّايَعِظُكُمْ ِهِإِنَّاللَّهَكَانَسَمِ عًابَصِيرًا) (فَإِنْأَمِنَبَعْضُكُمْبَ ْضًافَلْيُؤَدِّالَّذِياؤ تُمِنَأَمَانَتَهُوَلْيَت َقِاللَّهَرَبَّهُ)[13]،(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[14] فالمؤمنون يلتزمون بأداء الأمانة ليس للمسلمين فقط بل للكافرين ولأهل الكتاب وغيرهم, فقد ورد الحديث الشريف عن رسول الله(ص) حيث أنه قال للإمام علي (ع) (يا اب الحسن أَد الامانة للبر والفاجر في ما قل وجل حتى في الخيط والمخيط)[15]. وهذا هو الفضل بعينه بأن تلتزم بالمعايير الخلقية والإيمانية أمام من تختلف معهم في الدين والمعتقد, وبهذه الصورة يمكن أن تظهر أخلاق الإسلام والإيمان. (والامانة) هي في حقيقتها رأس مال المجتمع المتدين المتمدن الانساني وهي احد أهم اسباب شد الاواصر بين هذا المجتمع وتقوية الروابط بين الناس في النظام الاجتماعي في حين على العكس الخيانة هي النار في الهشيم , حيث تحرق الروابط والعلاقات الاجتماعية بين الناس, وتؤدي الى الفوضى والشقاء والمعانات بين الناس ناتجها عدم الثقة وعدم الاطمئنان والامان . فالمؤمن هو القدوة في المجتمع المتدين ويجب أن يكون الأول والمقدام في كل شيء حسن حتى يستحق هذه المرتبة, ومن أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها لكي يرفع نفسه إلى مقام المؤمنين هو اداءه للأمانة, فقد كان رسول الله (ص) المثل الاعلى والاسمى لهذه الصفة الشريفة, وقد لقي استحسان ربه تعالى حتى قال مادحه في كتابه الحكيم: ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )[16] ثم استحسنه الناس قبل أن يكون نبياً لتمتعه بهذه الصفة الكريمة, فأصبحت هذه الصفة بمثابة الدليل والمقدمة لإعلان النبوة الصادقة، فقبل أن يبعث النبي بالرسالة بُعث بالأخلاق والصدق والأمانة وهي من أعظم صفات مَن يطلب ما يطلبه محمد بن عبد الله (ص) من نبوة وتغير في الامة, ومن خلال التزامه بهذه الصفات الحسنة أصبح المثل الأعلى والقدوة والمحتذى . · وعن مجمع البيان في مجتمع مكة الجاهلي الذي كان يعج بالمظالم والمفاسد, من هنا فإن الالتزام بالصفات الخلقية من قبل معلم البشرية الاول وعلى رأسها الأمانة لها أولوية من جهتين: 1- الجهة الإنسانية حيث ينتفع بها بني البشر كافة مسلماً وكافراً. 2- الجهة الدينية حيث تعتبر من فرائض الإسلام. إن نشر الفضيلة والأخلاق الحسنة يمهد الطريق أمام نشر تعاليم الإسلام, لذلك فإن تعاليم الدين الحنيف تلقى أكثر قبولاً ورواجاً بين الطبقات المحافظة الملتزمة بالأخلاق الفاضلة, ومن حجب قلبه بالأخلاق السيئة والتصرفات الذميمة, فإن صدره سيكون ضيقاً تجاه المفاهيم الإسلامية الحميدة. وفي الواقع إن الذين يمارسون الطقوس الدينية من صلاة وصوم وعبادة من دون تطبيق لهذه الأخلاق الفاضلة فهم لم يفهموا روح الاسلام على حقيقته ولم يدركوا أن هذه الأخلاق تمثل روح الدين, ولنقرأ ما قاله رسول الله (ص) بحق هؤلاء "حيث قال (ص)((لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل, ولكن إنظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة".))[17] · وفي نفس المعنى ورد عن رسول الله (ص) تعبير شديد اللهجة قال ((لا تنظروا الى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم باليل ولكن أنظروا الى صدق الحديث واداء الامانة))[18] فقد تكون هذه العبادات كلها (طنطنة) كما قال الرسول ولكنَّ الدليل الذي يثبت صحة كل تلك الأمور العبادية والصفات وسلامة نوايا صاحبها هو في صدق حديثه وأدائه للأمانة وهما من الصفات الأساسية التي حظي بهما الإمام علي بن أبي طالب (ع) تلك المرتبة من القرب عند رسول الله, قال الإمام الصادق (ع) "انظر ما بلغ به علي (ع) عند رسول الله (ص) فألزمه, فإنَّ علياً (ع) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله (ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة" فلم تكن صلة الإمام علي بالرسول الأكرم نتيجة لقرابته منه, فأقرباء الرسول كانوا كثيرين, وأغلبهم أكبر عمراً وأكثر مالاً من علي بن أبي طالب، إلا إنه (ص) لم يقرب هؤلاء واستثنى منهم علياً؛ أولاً: لالتزامه بكل المعايير الخلقية والجهادية الإسلامية حيث جمع الاضدادبصفاته, وثانياً: لانتخابه من قبل الله سبحانه وتعالى. وإذا كانت هاتان الصفتان سبباً لاجتباء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب للولاية فإنهما أيضاً كانتا سبباً لاجتباء الانبياء من قبل, فقد ورد ايضاً عن الإمام الصادق (ع) "إن الله عزوجل لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر". · إن إشاعة الأخلاق الفاضلة وعلى رأسها صدق الحديث وأداء الأمانة سيساعد على تأصيل الروابط الاجتماعية بين المسلمين ويزيد الثقة فيما بينهم, وما نلاحظه اليوم من شيوع ثقافة الشك والارتياب إنما هو نتيجة لعدم الالتزام بهاتين الصفتين, ولو أن تاجراً واحداً خان بأمانته فإنه ستنتشر في ذلك السوق ثقافة الشك وعدم الثقة والاطمئنان، فكيف إذا ازداد العدد أكثر فأكثر؟ ومن هنا جاءت التوصية الدينية بأداء الأمانة لكل الناس بما فيهم الأشرار والخونة، فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام هذه الحكمة البالغة "(لا تخن من ائتمنك وإن خانك, ولاتذع سره وإن أذاع سرّك"), وباعتبار أن المؤمن يمثل دور القدوة في المجتمع فموقفه لاينبع من ردود أفعال بل هو يتبع منهجاً ومسلكاً قويماً يحثه على الالتزام بكل القيم والمعايير الخُلقية والإنسانية حتى في ظروف الحرب. ولعل المرء يتخذ من خيانة وغدر الآخرين حجةً ومبرراً له ليغدر ويفجر, ومن هنا جاءت التوصيات بأن تنتخب الصادق الأمين ليكون قدوة يحتذى به و لكي يحافظ على أمانتك عندما تأتمنه وإذا بدرت منه خيانة فلا تقل خان الأمين, بل يجب أن تحاسب نفسك لأنك ائتمنت الخائن، وفي هذا الشأن قال الإمام الصادق (ع): "لم يخنك الأمين, ولكن ائتمنت الخائن". وعن الإمام الباقر (ع): "مَن عرف مِنْ عبد من عبيد الله كذباً إذا حدث, وخيانة إذا ائتمن, ثم ائتمنه على أمانة الله, كان حقاً على الله عزوجل أن يبتليه فيها ثمّ لايخلّف عليه ولايأجره". فمن السذاجة والحمق أن يأتمن المرء الرجل الخائن الذي يغدر ويفجر, وقد فرض الله عليه أن يتحرى ويدقق ويحقق فيمن يريد تحميله مسؤولية الأمانة.
عندما تذكر الامانة يتبادر عند أغلب اذهان الناس الامانة المالية , ولكن للقارء والمتتبع للآيات الكتاب الحكيم الانفة الذكر وتفاسيرها الواردة عن المعصومين (ع) يفهم ان الامانة لها مفهوم واسع جدا بحيث تستوعب جميع المواهب والنع البانية على العبد . فهذه النعم الالهية المندرجة تحت مفهوم الأمانة تشتمل على مصاديق لا تحصى . والاحاديث الشريفة تورد تؤكد على ان الامانة تورث الغنى ,وان الخيانة تورث الفقر ناظرة الى الامانة المادية والمعنوية [19]. الامانة الى عينية وغير عينية:_[20]
والامانة العينية تقسم الى ملكية وشرعية , أما العينية الملكية :الى منقولة وغير منقولة ,وهذه إنما أمانة بتسلمها من مالكها أو وكيله لشخص أخر والزامها على حفظها أو لتصرف فيها بالأذن , وانما سميت ملكية لأن المالك أو وكيله أتمنها عند شخص أخر, وأما العينية الشرعية , فتتحقق بوجود احد الاعيان بلا فرق بين المنقولة وغير المنقولة تحت يد أحد بلا أذن من المالك أو وكيله, كما في اللقطة ونحوها, فإذا وجدت تحت يد أحد يأمره الله تبارك وتعالى بحفظها وأدائها إلى مالكها, فكأنه الله سبحانه أتمنها عند من وجدت تحت يده, لذلك سميت أمانة شرعية . وأما الامانة الغير العينية تتحقق من غير الاعيان بلا شبهة في صدق الامانة عليه ولها وجوه: منها العهود والنذورات والايمان الصحيحة لاريب في كونها أمانة عند من صدرت منه , فمن عاهد الله تبارك وتعالى أن يعين فقيراُ أو يترك ظلم العباد كان ذلك العهد أمانة في رقبته لله تبارك وتعالى حتى يفي به (وهذه العهود وما شاكلها كانت أعظم من الامانة العينية),[21] فيجب الوفاء بالعهد امتثالا لقوله تعالى: (( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ))[22] ومنها الاستشارة فان المستشار مؤتمن وكما يقال وينقل (من استشارك فقد اتمنك) , فالواجب عليه أن ينصحه ولا يغشه ولا يخونه. ومنها بل ومن أهمها الوظيفة التي يشغلها الفرد في خدمة بلده وشعبه فأنها في معناها عهد بينه وبين امته التي يجب ان يخدمها بكل صدق واخلاص ولا يتناول غير ما احله الله له مما أتمن عليه وذلك لنص القران الكريم (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)[23] ومنها الاحاديث المأمور بها التي في مقام اصلاح الناس ورفع المفاسد فهي امانة يجب ايصالها الى العباد. ومنها احاديث المجالس الذي يأمن بعضهم بعضا في عدم اظهارها فيجب كتمانها فهي أمانة والمثل (المجالس أمانات) , وجاء في الخبر عن عبد الله ابن سنان عن ابن عوف عن ابي عبد الله (ع) قال: سمعته يقول المجالس بالأمانة. [24] ومن الامانة الشخص الذي تحدث في حالة الغضب ترويحا لنفسه ولو زال غضبه لا يتحدث بما تحدث به حين الغضب ولا يرضى لن يذاع حديثه فيجب كتمانه دفعا للمفسدة , حيث قال الحق تعالى شأنه (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)[25] ومن أعظـــــــــــــم الامانات :
قوله وهو العزيز الحكيم ,الحبيب القريب ,الرقيب الغفور الودود, إ((ِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَات))[26] فأن الامر(تكليف) في الآية الشريفة يعم كل مكلف بتأدية الامانة .وأمانات الله تبارك وتعالى الى العباد أوامره ونواهيه, بينما امانات العباد فيما يؤتمن بعضهم بعضا من الامانات العينية الملكية الانفة الذكر , وجاء في الوسائل [27]عن الحسين بن أحمد بن ادريس عن ابيه عن محمد بن احمد بن يحيى عن الحسن بن علي الخزار عن ابن ابي العلا عن الصادق(ع) قال:(أحب العباد الى الله عز وجل رجل صدوق في حديثه ,محافظ على صلاته وما افترض الله عليه مع أداء الامانة ,ثم ضال :من أوتمن على امانة فأداها فقد حل الف عقدة من عقد النار فبادر بأداء الأمانة, فأن من أوتمن على أمانة وكل به ابليس مائـة شيطان من مردة أعوانه ليضلوه ويوسوسوا اليه حتى يهلكوه إلا من عصم الله . وفي الكافي عن الحسن بن محبوب عن أبي كهميس قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : ابن ابي يعفور يقرئك السلام قال (ع):عليك وعليه السلام إذا اتيت عبد الله فأقرأه السلام وقل له : ان جعفر بن محمد يقول لك: أنظر ما بلغ به علي (ع) عند رسول الله (ص) فالزمه فأن علي (ع) إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله(ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة. ((إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً))[28] جاء عن جمع الجوامع للطبرسي صاحب مجمع البيان في بيان توضيح الآية الشريفة ))يريد بالأمانة هنا الطاعة فعظّم أمرها. والمعنى ان هذه الاجرام العظام قد انقادت لأمر الله فلم تمتنع على مشيئته إيجادا وتكوينا وتسوية على اشكال متنوعة وصفات مختلفة , وأما الانسان فلم يكن حاله فيما يصح منه الطاعة ويليق به من الانقياد لأوامر الله ونواهيه وهو حيوان عاقل صالح للتكليف ,والمراد بالأمانة الطاعة لأنها لازمة الاداء . انتهى
في تحريــــم الخيانــــــــــــــــة :
جاء في كتاب الوسائل عن ابي عبد الله الصادق (ع)قال :قال رسول الله (ص) ))ليس منا من أخلف بالأمانة )) وقال (ص):((أداء الامانة تجلب الرزق , والخيانة تجلب الفقر)) وفي نفس المصدر عن الصادق(ع) عن أبائه (ع) عن النبي الاكرم (ص) في حديث المناهي إنه نهى عن الخيانة وقال (ص) )) :من خان أمانة في الدنيا ولم يردها الى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي ويلقي الله وهو عليه غضبان ومن اشترى خيانة وهو يعلم فهو كالذي خانها)) وعن عيون أخبار الرضا (ع) عن أبائه (ع) قال :قال رسول الله (ص) : ((من كان مسلما فلا يمكر ولا و لا يخدع , فأني سمعت جبرائيل يقول : إن المكر والخديعة في النار )) ثم قال(ص) : ((ليس منا من غش مسلما , وليس منا من خان مؤمنا )) وفي نفس المصدر عن النبي الاكرم (ص): قال((من خانأمانة في الدنيا ولم يردها على أهلها مات على غير الاسلام , ولقى الله وهو عليه غضبان , فيؤمر به الى النار فيهوى به في شفير جنهم أبد الابدين, ومن أشترى خيانة وهو يعلم أنها سرقة فهو كمن سرقها عارها وأثمها .)) وفي نفس المصدر عن أمير البلغاء والمتكلمين أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع)قال:(( أربعة لا تدخل واحدة منهن بيتا إلا خرب ولا يعمر بالبركة, الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنا )). أمانة الاموال:_
ومن أعظم المصاديق على عظيم أمر صون الامانة وعدم الخيانة يكفي مراجعة قصة عقيل, حيث ما جاءت به الاخبار سيد الحكماء والعرفين امير المؤمنين (ع) عندما جائه عقيل بن ابي طالب وطلب منه ان يزيده قليلا من حصته وسهمهمن بيت مال المسلمين على اساس العلاقة الاخوية الاسرية التي تجمعهم بعد استلام امير المؤمنين (ع) الخلافة ,فما كان من الامام (ع) الا أحمى له حديدة وقربها منه, صرخ عقيل من حرارتها فقال له الامام (ع) ((يا عقيل أتئن من حديدة أحمها إنسانها للعبه وتجرني الى الى نار سجرها جبارها لغضبه, أتئن من الاذى ولا أئن من لظى))[29] ولأمير المؤمنين علي (ع) رأي عندما استلم من بعد عثمان في عطايا عثمان من بيت مال المسلمين الى أقاربه من بني أمية وذويه حيث عزم الامام (ع) على ردها جميعا الى بيت مال المسلمين وأقسم على ذلك حيث قال (ع): ((والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء لرددته, فإن في العدل سعة , ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق ))[30] وكذا الامام (ع) يبين في موضع اخر خطورة الامر عندما ارسل كتابا الى بعض عملائه في البلاد الاسلامية الذي اساء الاستفادة من بيت مال المسلمين وأنفقه في موارد أخرى , فكتب له امير المؤمنين(ع) يقول : ((فأتق الله واردد الى هؤلاء القوم أموالهم فانك ان لم تفعل ثم امكنني الله منك لأعذرن الى فيك لأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحد إلا دَخَلَ النارَ, وَ وَالله لو أن الحسن والحسينَ فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة, ولا ظَفرا مني بأرادة حتى أخذ الحق منهما ))[31] وعندما فتح مكة سيد الرسل الحبيب المصطفى(ص) فقد عفى عن قريش وكل من اساء الى شخص الرسول الاكرم والى دين الله الاسلام الحنيف وحاربوه بكل ما أوتوا من قوة وقتلوا أصحابه , فقال(ص) :((أذهب انتم الطلقاء )) ورغم ذلك فقد استثنى النبي (ص) عدة اشخاص عن هذا العفو وأهدر دمهم وأمر بقتلهم اين ما وجدوهم , وأحد هؤلاء هو (ابن خطل) وكان في الحقيقة دخوله الاسلام ظاهرا, وقد هاجر الى المدينة, فجعله النبي الاكرم (ص) على الزكاة وجمعها وأرسل معه شخصا من قبيلة خزاعة ,وعندما جمع الزكاة واصبح عنده مقدار مهم من الزكاة فقتل صاحبه وهرب بالأموال الى مكة, وعند سؤال أهل مكة عن رجوعه, قال:(( لم أجد أفضل من دينكم )) [32]وأخذ يهجو النبي (ص)بقصائد من الشعر وكانت لديه بعض الجواري المغنيات والراقصات, فكان يجلس مجالس الطرب واللهو, ويشرك معه مجموعة فيشربون الخمر ويهجون الني بهذه الاشعار , وبما انه بلغ من الوقاحة والخيانة في بيت مال المسلمين الى هذه الدرجة حتى تسببت هذه الخيانة في ارتداده عن الاسلام وهتكه لحرمة رسول الله (ص) ,فلذلك أصدر الني الاكرم (ص) أمره بقتله, فلما سمع بذلك التجأ الى الكعبة ,وبما أن من يلوذ بالكعبة يصان دمه , لذلك سحبوه الى خارج الكعبة وقتلوه[33] فلذا نرى هذه والاحاديث الدالة الى ان خيانة المال ورغم ان البعض من الناس قد يتصورها بسيطة فإنها أحد أعظم الذنوب والخطايا, وعقوبتها من اشد ما يكون في الدنيا والاخرة.
[1]. جاء في كتاب الاخلاق في حديث واحد (الشيخ صاحب نجل الشيخ جابر المظفر ج2 مطبعة الآداب النجف الاشرف) عن الكافي
[2]-لأبيالحسنأحمدبنفارسبنزكري االمتوفىسنة 395هـداراحياءالتراثالعربيس ة 1429هـ
[3]- النابغة الذبياني من اشعر شعراء العرب في الجاهلية ومن اصحاب المعلقات ادرك الاسلام وهو صاحب المقولة الشهير عن سبب توقفه عن الشعر عشرون عام (أفحمتني بلاغة قل هو الله احد) سورة التوحيد المباركة عند نزولها
[4]- الشاعر المعروف حسان بن ثابت وكان ملازم للنبي (ص)وصاحب أول قصيدة في الاسلام بالإقرار بالولاية لعلي ابن ابي طالب
[5]- ابراهيم 35
[6]- يوسف 17
[7]- جاء في كتاب الاخلاق في الاقران ج2 الامانة والخيانة اية الله الشيخ مكارم الشيرازي
[8]- السيد محمد الصدر (ما وراء الفقه ج5 ص23 ص22 ط لبنان سنة 1431هـ
[9] - كتاب ورثة الفردوس ص 280مطبعة الآداب النجف الاشرف 1399هـ (الشيخ عبد الصاحب نجل الشيخ جابر المظفر)
[10]- الاسراء الآية 34
[11]- الاخلاق في حديث واحد ج2 مطبعة النعمان النجف الاشرف 1397
[12]- المؤمنون/8
[13]- سورة البقرة /الآية 283
[14]- سورة الانفال / الآية 27
[15]- عن بحار الانوار ج 74/ ص198
[16]- سورة نون / الآية 4
[17]- (بحارالأنوار,ج75,ص144)
[18]- اصول الكافي ج13 / ص105
[19]- الاخلاق في القران (مكارم الشيرازي)ج3 / ص157
[20]- كتاب الاخلاق في حديث واحد (الشيخ عبد الصاحب نجل الشيخ جابر المظفر)ج2/ص179
[21]- كتاب الاخلاق في حديث واحد (الشيخ عبد الصاحب نجل الشيخ جابر المظفر) ج2 / ص181
[22] - سورة البقرةالآية383
[23]- - سورة البقرة الآية 283
[24]- كتاب ورثة الفردوس ص 286مطبعة الآداب النجف الاشرف 1399هـ (الشيخ عبد الصاحب نجل الشيخ جابر المظفر)
[25]- - سورة البقرة الآية /283
[26]- سورة النساء الآية/ 58
[27] - كتاب الوسائل باب الامانات
[28]- سورة الاحزاب الاية 72
[29]- نهج البلاغة الخطبة 224
[30]ـ نهج البلاغة الخطبة 15
[31]- نهج البلاغة الرسالة /41
[32] - عن كتاب (الاخلاق في القران) ج3 ص168 لشيخ ناصر مكارم الشيرازي
[33]- شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد ج18/ ص14