كان القرنان الرابع عشر و الخامس عشر معروفين فى إيطاليا بأنهما يمثلان عصر الظلم و الأستبداد. وكانت إيطاليا فى ذلك الوقت مكونة من ولايات كبيرة و صغيرة، كما كان حكامها إجمالاً رجالاً قساة يطلبون الشهرة. وعلى الرغم من ميل هؤلاء الحكام إلى الظلم و الأستبداد فأنهم كانوا فى الوقت نفسه علماء و فنانين، كما كانوا يكرمون أهل الأدب و الفن، وينجزون المشاريع الكبيرة.

على خلاف ما فى بلدان أوروبا الشمالية، لم يكن فى إيطاليا ثمة ولاء من جانب الإقطاعيين للملوك و الأمراء بالورثة. كما لم تكن هناك مدينة معروفة كعاصمة على غرار لندن أو باريس، ليتسنى توحيد أوجه نشاط البلاد. أما الأمبراطور الألمانى فكان سيد إيطاليا من الناحية النظرية، كما أن بعض أفراد أسرة هو هنستوفن حاولا فرض سلطانهم على أرجاء البلاد كلها، و هذا ما فعله الأمبراطور فريدريك الثانى فى القرن الثالث عشر، غير إنه لم ينجح بتوحيد البلاد.
و بعد وفاة فريدريك الثانى سنة 1250 خلت الساحة أمام الولايات الإيطالية كى تتصارع فيما بينهما، و أستمر الامر كذلك حتى فى عهد الأمبراطور
" شارلكان " فى القرن السادس عشر.

لم تكن الخدمة العسكرية فى ذلك الوقت مهنة تجذب الإيطاليين، فأولاد النبلاء كانوا يفضلون أحتراف الأعمال وجمع المال، أو دراسة الآداب و الفنون.
إلا أن كل ولاية كان عليها أن تحتفظ بجيش يحميها من العدوان أو يعمد إلى توسيع إقليمها بأبتلاع ولايات أخرى مجاورة. من هنا كان أتجاه الانظار إلى المرتزقة من المغامرين المحاربين. وكان أفراد المرتزقة فى البدء من الألمان و الإنجليز و الاسبان و الفرنسيين، و أبتداء من القرن الرابع أندمج فى صفوف أولئك القادة الإيطاليون من كل الطبقات و أصبح عددهم مع الزمن كبيراً وقوتهم مرهوبة.
ولم يكن للمرتزقة ولاء للحكومة التى تستخدمهم، فكانوا بالتالى يعرضون خدماتهم لمن يدفع لهم أجراً عالياً. وقد توصل بعض القادة من المرتزقة إلى خلع الحجكام و تنصيب أنفسهم حكاماً.
وكان فرانسيسكو سفورزا من القادة المرتزقة الذين مثلوا دوراً مهماً فى السياسة الإيطالية.

من خصائص الحكم الأستبدادى أن الأكبر يلتهم الأصغر، والولايات الإيطالية الكبرى فى القرن الخامس عشر كانت : البندقية، فلورنسا، ميلانو، نابولى، و الدولة الباباوية.
وقد خضعت ميلانو منذ مطلع القرن الثالث عشر لحكم أسرة فيسكونتى الكبيرة.

كان والد فرانسيسكو فلاحاً يسمى سفورزا أتندولو، وقد أطلق على ولده أسم سفورزا نظراً لما كان يتمتع به من قوة بدنية. وقد ترك قريته و ألتحق بجيش المرتزقة تحت أمرة " البريكودا باربيانو ". ولما مات باربيانو سنة 1409 بدأ سفورزا يعمل بفرقة خاصة أطلق عليها اسم " سفورزيتشى "، وظل يخوض معارك لصالح حكام مختلفين حتى وفاته سنة 1424، فخلفه فرانسسكو.
كان فرنسيسكو طويل القامة قوى البنية و رياضياً، وكان يأكل قليلاً و ينام قليلاً و يمشى حاسر الرأس صيفاً شتاء، و لم يكن سفورزا يدين بالولاء لسيده فيليبو ماريا. وبعد أن هزم البنادقة سنة 1431 رأى فيليبو نفسه تحت رحمة فرانسسكو ووافق على زواج ابنته غير الشرعية " بيانكا " من سفورزا. ثم مات فيليبو ماريا آخر ابناء أسرة فيسكونتى فلا سنة 1447.
على أثر ذلك أقام سكان ميلانو جمهورية سرعان ما تعرضت لهجوم البندقية. فطلب مواطنو ميلانو، وقد تملكهم الخوف، إلى سفورزا مجابهة الغزاة. وحقق فرانسسكو رغبتهم، ولكنه عاد بعد ذلك إلى ميلانو فحاصر المدينة و أرغم سكانها على أستقباله أميراً عليهم سنة 1450.
وهكذا حل آل " سفورزا " مكان آل " فيسكونتى ". ومات فرانسسكو سفورزا سنة 1466 تاركاً عدة أولاد، وقد أمتاز حكمه بالحزم و التعقل. ولكن خلفاءه لم يحكموا إلى أبعد من سنة 1535. ومن ثم أخذ عهد السيادة الأجنبية على إيطاليا يعجل بالظهور.