هل سجد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) على تربة كربلاء ؟
الجواب : إنّ أبرز مظاهر العبوديّة هو السجود على التراب الطاهر ، وقد أرشد النبيّ(صلى الله عليه وآله) المسلمين إلى ذلك وقال : «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» ([1]) ، ولذلك فإنّ التراب في نظر الحديث الشريف له خصوصيّتان :
الأُولى : السجود ووضع الجبهة عليه .
الثانية : في حالة عدم وجود الماء يكون التيمّم بالتراب عوضاً عن الغسل والوضوء .
ولكن ـ ومع الأسف ـ انتفى هذا الأمر النبوي من مساجد البعض ، والحال أنّه في ما مضى بسبب انعدام الإمكانيّات الماديّة ، كان المسلمون يسجدون على الحصير أو الأرض ، ولكن مع توفّر الإمكانيّات المادّية تمّ فرش المساجد بأنواع الزرابي الفاخرة ، ذهبت سنّة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أدراج الرِّياح .
أمّا اتباع ال البيت عليهم السلام فإنّهم يعتقدون بوجوب السجود على الأرض أو على شيء ينبت منها، ولهم أدلّتهم على ذلك ، وقد تمّ شرحها في كتاب « الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف» .([2])
ولكن في نفس الوقت فإنّ السجود على تربة كربلاء له فضيلة كبيرة حسب ما جاء في الروايات ، وهذا ليس معناه أنّ السجود يكون للحسين(عليه السلام) ، بل يكون لله تعالى ، والتربة الحسينيّة بحسب الاصطلاح الفقهي «مسجودٌ عليها» والسجود عليها مستحبّ وليس واجباً ; والنكتة في ذلك هو أنّ ذلك التراب «تربة الحسين(عليه السلام)» ، قد عُجن بدم أكبر حام للإسلام وهو الذي زلزل أركان الحكومة الأُمويّة الظالمة ، والسجود على تلك التربة ـ خاصّةً ـ هو ذكرٌ لأُولئك الشهداء الذين بذلوا مهجهم من أجل حماية الدِّين ، وهم أنصار الحسين (عليه السلام)الذين آثروا الموت الأحمر على العيش الأسود الذليل والركون إلى الظَّلَمة .
وأمّا القول بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يسجد على تربة الحسين(عليه السلام) ـ إن كان ذلك صحيحاً ـ فيعود إلى أنّ ملاك السجود على تلك التربة الشريفة لم يتحقّق بعد ، ولأنّ ذلك التراب لم يُسق من دم الحسين بعدُ ، ولم يكتسب البركة .
والأصل المعمول به في سيرة العظماء أنّهم دائماً يسجدون على تراب الأمكنة المقدّسة ويقبّلونه ، فمسروق بن الأجدع (المتوفّى سنة 62 هـ) بالمدينة ـ وهو من التابعين ـ كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنةً يسجد عليها.([3])
وممّا مرَّ ذكره فإنّ السجود على التربة الطاهرة في البيوت والفنادق والمدارس وسائر الأماكن التي يتردّد إليها المسلم ، ليس أمراً سهلاً وميسوراً ، ممّا استدعى إلى جلب أطهر أنواع الأتربة الموجودة في العالم الإسلامي التي صُنعت على شكل قوالب يمكن حملها في الجيب ، حتّى يتمّ للمسلم العمل بالحكم الإلهي بصورة أسهل ، ويعبد الله كما أراد منه ، في أيّة بقعة تواجَدَ فيها الإنسان المصلّي .
لنا أن نسأل : هل سجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على هذه الزرابي الثمينة والأفرشة الباهظة الثمن التي فرشتم بها مساجدكم ، أو أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) سجد على الحصى والحصير ؟!
والعجيب هنا أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يصرّ على أن يسجد المصلّي على التراب ، فاذا رأى من سجد على كور عمامته، قال له: «ألزِق جبهتك بالأرض» .([4])
وعن خبّاب : « شكونا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يُشكنا، أي لم يزِل شكوانا» ([5]) .
وعن جابر بن عبدالله، قال: كنت أصلي الظهر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر.([6])
والشيء الأكثر مخالفةً لما تضمّنته هذه الروايات ، هو إصرار القوم على السجود على الفرش والسجّاد الثمين ، ممّا يجعلنا نحكم أنّ عصرنا هذا قد تحوّلت فيه السنّة إلى بدعة ، والبدعة إلى سنّة!!
وأخيراً نذكر أنّ زوجة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أُمّ سلمة تقول : إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال وهو يبكي : «أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي يقتلونه ] يعني الإمام الحسين (عليه السلام) [، وأتاني بالتربة التي يُقتل عليها ، فهي التي أُقلِّب في كفّي» .([7])
[1] . صحيح البخاري : 1 / 91، كتاب التيمّم ، برقم 2 .
[2] . الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف : 1 / 234 ـ 267 .
[3] . مصنّف ابن أبي شيبة : 2 / 172 .
[4] . العزيز في شرح الوجيز ، المعروف بالشرح الكبير : 1 / 557 .
[5] . السنن الكبرى للبيهقي: 2 / 105 ; فتح الباري: 2 / 13 .
[6] . سنن أبي داود: 1 / 100، برقم 399 .
[7] . المعجم الكبير : 3 / 107 ـ 111 ، الحديث 2814 ـ 2827; كنز العمال: 13 / 657، برقم 3668 .