فاضل عباس
رجل الدين عندنا مُقدّس، لأنه الطريق الى النجاة، ولأنه الواسطة بين الأرض والسماء، ولأنه خليفة رسول الله والأئمة الأطهار، ولأنه بركة في نور في لطف في رحمة، ولأن النظر الى وجهه عبادة، الى آخر الأوصاف التي حمولها في مسيرتهم معنا، ولا ندري هل هم من ختموا أنفسهم بتلك الصفات؟ أم نحن لصقناها بهم، ورضينا بها؟ أنّ الجواب لا يهم، فالنتيجة واحدة، إذ إن رجل الدين صار له مكانة ومنصب.
الناس عندنا يقومون من مقامهم في مجالسهم، احتراما ً عند دخول العمامة عليهم خصوصا ً السوداء منها، ولا يقومون عندما يدخل كادح الى مجالسهم كالحمال أو الزبال أو حتى المهندس والطبيب، لماذا؟ لأن رجل الدين فقط مقدس.
قد يسأل البعض : مالضير من ذلك؟ فنحن نجـلّ العلماء.
لكن الحقيقة هي ليست إجلال وتقدير، أكثر مما هي عقدٌ تاريخية، وذلٌ نحسّ به أمام هذه الكائنات.
هؤلاء، إلا ّ ما ندر عاشوا على مصائب الناس، وتركونا في أول اختبار للمحنة، سكنوا قصورهم يوم تشردنا، وحتى في تشردهم واغترابهم، كان لهم المكان الأوفر والطعام الأدسم.
لماذا كل هذا؟ لماذا يحس الشيعي هذا الإحساس أمام العمامة؟
إنها ثقافة تاريخ أسود، ومداد سطور ملأت الكتب العتيقة، وحشّت الدواوين الصماء، وجنّدت العقول الخاوية، واستنفرت الجهلاء، وفاقدي الضمير، لتأسيس هذا المعلم العنصري في صلب المجتمع المدني.
فهل عالم الدين مقدس؟ ويستحق القداسة؟
عالم الدين موظف، حاله حال كل من يخدم المجتمع، بل أن مسؤوليته أخطر لأنه يرفع شعار الدين.
عالم الدين، كعالم الفيزياء، أو الذرة، أو المكيانيك، ولربما البقية كانوا أهم منه في ظروف معينة.
عالم الدين، كالمعلم، كالخباز، كالحمال، كالزبال، عليه مهمة ووظيفة عليه إتمامها بكل نزاهة وصدق، وإلا ّ أعتبر مقصرا ً، يُدان كما يُدان أيّ مقصر.
عالم الدين يدرس ويتعلم، ولو جمعت مواد علمه طولاً وعرضاً من المقدمات الى السطوح والكفاية وحاشية الملا عبدالله الى آخرها، لوجدتها توازي ستة أشهر دراسة اكاديمة وهذا بدقيق الحساب وليس الافتراء، وتراهم يلوجون في هذه العلوم سنين طوال اقلها عشرون عاماً.
عالم الدين، ليس بخارق، هو بشر، يخاف ويجبن، يرتبك ويتراجع، ينهزم ويغدر، يفسق ويكفر، كل الاحتمالات قائمة. وكل هذه الاحتمالات لمسناها في الكثير منهم في تجاربنا التاريخية.
إنه غير مقدس، إذا أخطأ يجب أن يُحاسب. وإذا اعتبرناه مقدس فقد توهمنا، والوهم يعطل المسيرة، أيّة مسيرة.
هناك الكثير من رجال الدين المحترمين، تبرئوا من عمامتهم ورموها، بعدما رأوا التوظيف السيء لهذه العمامة.
لا قيمة أطهر من قيمة الإنسان الذي يصارع بشرف، لأجل أن يحيا بشرف.